Author

سوء استهلاك المياه عقبة في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية

|
دمع فصل الصيف ومع حرارة الجو الشديدة تزداد الحاجة إلى المياه، ومن ثم يلزم تذكير المستهلكين بأهمية ترشيد استهلاكهم لها، حتى تتم الاستفادة المثلى من المصادر المتاحة، وحتى لا تحدث أزمات في هذا القطاع الحيوي المهم، فمن المسلم به أن المياه تعد عاملاً أساسياً وجوهرياً، ليس فقط في الاستخدام الآدمي, بل أيضاً في التعمير والبناء والنماء والزراعة والتصنيع. والحقيقة أن قضية ترشيد الاستهلاك بصفة عامة تعد من القضايا الأساسية التي يهتم بها الاقتصاديون نظراً لأهميتها الكبيرة في تحقيق التوازن بين الموارد والاحتياجات، بما يكفل إشباع هذه الأخيرة على النحو المطلوب دون إفراط أو تفريط. وتزداد هذه الأهمية فيما يتعلق باستهلاك المياه, خاصة في فصل الصيف, لأن قضية المياه تعد من أهم القضايا التي تواجه البشرية. ولقضية المياه أهمية خاصة بالنسبة للسعودية, لأنها تندرج ضمن الدول التي تعاني ندرة موارد المياه العذبة, بسبب موقعها الجغرافي وظروفها المناخية وانتشار الصحاري واعتمادها على مياه الأمطار والمياه الجوفية؛ وعدم وجود أنهار عذبة فيها, وتمثل المياه الجوفية نحو 81.5 في المائة من إجمالي احتياجاتها من المياه. ويعيب هذا المصدر أنه معرض للنضوب مع كثرة الاستخدام لأنه غير متجدد. لهذا أصبحت العقبة الأساسية أمام المسؤولين في هذا الصدد تتمثل في سوء استخدام مياه الشرب وهدرها, ما دعا ولاة الأمر إلى التوجيه بضرورة ترشيد استهلاك المياه، وحث المواطنين والمقيمين على ذلك, حتى يُمكن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة, لأن ندرة المياه تقف عقبة أساسية في طريق التنمية. كما تم إنجاز عدد من المشاريع لتحلية المياه باستخدام وسائل تقنية حديثة, حيث تعد السعودية من أوائل دول العالم المنتجة للمياه المحلاة, فهي تنتج نحو 30 في المائة من إجمالي إنتاج العالم من هذه المياه, وأصبحت المياه المحلاة تسد نحو 70 في المائة من احتياجات سكان السعودية من مياه الشرب, ونحو 39 في المائة من إجمالي الاحتياجات المائية للسعودية. وأظهرت دراسة ميدانية حول هدر مياه الشرب في منطقة مكة المكرمة أن حجم استهلاك سكان منطقة مكة المكرمة خلال عام واحد بلغ نحو 307 ملايين متر مكعب, وأرجعت هذه الدراسة أسباب الهدر في مياه الشرب إلى الاتساع العشوائي في المدن, والنمو المطرد في عدد السكان مع عدم الوعي الكافي بكيفية استخدام مياه الشرب, وكثرة الحدائق المنزلية واتساعها بشكل مبالغ فيه, مع وجود المسابح (حمامات السباحة), حيث ترتب على ذلك نقص حصة المياه المخصصة للزراعة من ناحية, وزيادة مياه الصرف الصحي التي أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على البيئة وتلويثها من ناحية أخرى. ورغم اهتمام المسؤولين بقضية توفير المياه الصالحة للشرب لكل مواطن, فإننا نرى أن مواجهة هذه المشكلة تتطلب تعاون المستهلك مع المسؤولين, تعاوناً من شأنه تحقيق المصلحة العامة, وذلك من خلال حسن استخدام المياه بالاقتصاد في استهلاكها من ناحية, وعدم تعريض مصادرها للتلوث من ناحية أخرى. فالتوعية تُعد عاملاً مهماً في هذه القضية الحيوية, إذ يقع على عاتق وسائل الإعلام المختلفة مهمة التوعية بأهمية المياه وعدم تلويثها وترشيد استهلاكها. ويلزم استخدام تقنيات حديثة للتقليل من تسرب المياه من شبكة الأنابيب في المدن, وتقنيات استهلاك المياه داخل المنازل وإعادة تدوير المياه المعالجة داخل المجمعات السكنية وبرمجة نظم مياه الري بالرش أو التنقيط, واستخدام المياه المتوسطة والعالية الملوحة في زراعة النباتات التي تتحملها, وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي والمياه المعدومة والمعالجة لأغراض الري, وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي في القطاعات التجارية والصناعية وعدم الاقتصار فقط على استخدامها في سقيا الحدائق العامة والمتنزهات. ويمكن هنا السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في مشاريع تحلية المياه واستغلالها وتشغيلها بشكل موسع عما هي عليه الآن, ذلك من خلال ما يُعرف بعقود البوت التي تمنح للمستثمر إعداد البنية اللازمة واستغلال المرفق فترة من الزمن لتحصيل رأسماله والأرباح التي يحققها, وبذلك يخفف الأعباء من على كاهل الإدارة الحكومية. كما يمكن فتح المجال أمام المستثمرين الراغبين في الاستثمار للاستفادة من مياه الأمطار, بإنشاء سدود صغيرة ومجمعات للمياه في مواقع مختلفة في الأماكن التي تسقط عليها أمطار غزيرة, ثم يُستفاد منها بعد تجميعها في أعمال الإنشاءات والبناء. ويمكن معالجتها وتحليتها للاستفادة منها في الزراعة وفي الشرب, بل يمكن جمع مياه الأمطار من الطرق والشوارع للاستفادة منها على النحو المتقدم, ما سيؤدي إلى التقليل من خطر بقائها فترة طويلة وتعريضها للتلف والتبخر. ولا شك أن معالجة هذه المياه والاستفادة منها ستكون أقل تكلفة من عمليات تحلية مياه البحر التي تتكلف مبالغ طائلة, كما ستخفف الأعباء عن الجهات الحكومية المسؤولة عن تصريف المياه في المدن, وستحقق أرباحاً مادية للقطاع الخاص. كما يلزم إصدار أنظمة ولوائح تنظم استغلال المياه, وتفرض ضوابط لهذا الاستغلال وجزاءات يتم توقيعها عند مخالفة أحكامها. وإذا كانت البلديات تفرض غرامة قيمتها 200 ريال على سوء استغلال مياه الشرب وهدرها, إلا أن هذه الغرامة تظل غير كافية للردع, ونرى فضلاً عن ذلك ضرورة إعادة النظر في تسعير المياه, بحيث تستند أسعارها إلى التكلفة الحدية الحقيقية على المدى الطويل أو على عائدات مقبولة للاستثمارات كنسبة من صافي الأصول ورأس المال المتداول, ويتم تقسيم الاستهلال إلى شرائح طبقاً لما هو متبع بالنسبة لاستهلاك الكهرباء, بحيث تتصاعد القيمة كلما تصاعدت كمية الاستهلاك, وبحيث تختلف شريحة الاستهلاك الشخصي للمنازل عن تلك المتعلقة بالمشاريع والمصانع وغيرها. ونرى أخيراً أنه لا بد من أخلاقيات مائية جديدة وتضامن وتضافر أخلاقي بين العامة والمثقفين لصون قطرات المياه.
إنشرها