Author

أثر تحسن البيئة القانونية في الاستثمار في السعودية

|
من الملاحظ أن هناك اتجاهاً واضحاً في السنوات الأخيرة للاستثمارات السعودية نحو التوطن في البلاد، والسعي لإيجاد مجالات لتلك الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، ووقف نزيف هجرتها إلى الخارج. إذ تشير الإحصاءات إلى أن السعودية لم تستقطب حتى عام 1985م سوى نسبة قليلة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ حيث بلغت نسبتها 25.6 مليار دولار أمريكي في أواخر عام 2002 م؛ أي 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السعودي؛ ثم شهدت الأعوام 1999 م و2000م و2002م تراجعاً ملحوظاً في نسب تدفق الاستثمارات الأجنبية للبلاد، وكان تدفقها سنة 2001م شبه منعدم؛ فلم يتجاوز نحو 20 مليون دولار؛ حيث لم تمثل حصة السعودية منها على المستوى العالمي عام 2002 م سوى 0.36 في المائة , واحتلت بذلك المرتبة 39 عالمياً، ثم ارتفعت هذه النسبة في الأعوام التالية، فبلغ إجمالي التراخيص لمشروعات الاستثمار الأجنبي خلال عام 1423/1424هـ نحو 551 ترخيصاً بتمويل إجمالي بلغ 6و5 مليار ريال. وهذا يرجع إلى أسباب متعددة خارجية وداخلية كان لها دور فعال في زيادة حركة تدفقات الاستثمار الأجنبي للبلاد وتوطين الاستثمارات السعودية، أهمها تحسن البيئة التشريعية والقانونية لتكون أكثر ملاءمة للاستثمار الأجنبي المباشر؛ حيث حرص المنظم السعودي على تهيئة الأنظمة الاقتصادية والتجارية والأجهزة الحكومية المشرفة على تطبيقها، واعتبر ذلك أمراً ضرورياً لدفع عجلة التقدم الاقتصادي، فقررت استراتيجية التخصيص الصادرة بقرار رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى رقم (1/23) وتاريخ 23/3/1423هـ أن من القضايا الأساسية التي يجب معالجتها خلال عمليات التخصيص إيجاد المناخ المناسب لنجاح برنامج التخصيص، وأن هذا النجاح يعتمد على فعالية المناخ الذي يهدف إلى نمو القطاع الخاص؛ ومنها إيجاد البيئة النظامية المناسبة للاستثمار الخاص للعمل بكفاءة وفعالية، لمواجهة التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية، والتي تؤدي إلى الوضوح والشفافية في الإجراءات والأنظمة وسهولة تنفيذها، مما يُحقق تطلعات المستثمر الوطني والأجنبي. وبناء عليه عُدل نظام استثمار رأس المال الأجنبي في 5/1/1421هـ الذي يقرر ميزات وضمانات وإعفاءات ضريبية وغيرها متعددة يتمتع بها المشروع الاستثماري، ويجيز للمنشأة الأجنبية المرخص لها بموجب هذا النظام تملك العقارات اللازمة في حدود الحاجة إلى مزاولة النشاط المرخص أو لغرض سكن كل العاملين بها أو بعضهم وذلك، ويسمح هذا النظام أن تكون كفالة المستثمر الأجنبي وموظفيه على المشروع، ويقرر ضمانات قانونية للاستثمارات الأجنبية؛ فلا يُجيز مصادرتها كلياَ أو جزئياَ إلا بحكم قضائي، كما لا يجيز نزع ملكيتها كلياً أو جزئياَ إلا للمصلحة العامة، ومقابل تعويض عادل وفقاً للأنظمة والتعليمات؛ ثم نظم طريقة تسوية الخلافات التي تنشأ بين المستثمر الأجنبي والحكومة السعودية من جهة وبين المستثمر الأجنبي وشركائه من جهة أخرى, على ألا يخل ذلك بالاتفاقيات التي تكون السعودية طرفاً فيها. وأنشئت الهيئة العامة للاستثمار كهيئة جديدة مستقلة ترتبط مباشرة بالمجلس الاقتصادي الأعلى، وتختص بالعناية بشؤون الاستثمار في السعودية، فهي الجهة المناط بها تطبيق أحكام نظام الاستثمار الأجنبي وتنفيذ سياسة الاستثمار الأجنبي وتوجهاته في السعودية؛ وتعد أول جهاز حكومي مستقل, يعنى بشؤون تشجيع الاستثمار في السعودية، وتقدم للراغبين في الاستثمار جميع المعلومات والإيضاحات والإحصاءات اللازمة، كما تقدم لهم كل الخدمات والإجراءات لتسهيل جميع المعاملات المتعلقة بالاستثمارات وإنجازها. كما تم تخفيض الضرائب على المشروعات الاستثمارية، بتعديل نظام الضرائب على الشركات؛ فصدر قرار مجلس الوزراء رقم (3) وتاريخ 5/1/1421هـ بالموافقة على تحمل الدولة نسبة 15 في المائة من الضرائب المفروضة على أرباح الشركات التي تزيد على مائة ألف ريال في السنة, وترحيل الخسائر لسنوات مقبلة دون تحديد مدة معينة، وهي ميزة مهمة تتميز بها أنظمة الضرائب في السعودية مقارنة ببعض الدول التي تفرض قوانينها ضرائب مرتفعة على أرباح الشركات تتجاوز 50 في المائة من هذه الأرباح. كما تتميز بالأخذ بمبدأ استقلال السنوات الضريبية، أي أن يتم فرض الضريبة على أساس الأرباح الفعلية التي حققها الفرد أو المنشأة خلال السنة محل البحث, وليس بطريق القياس على أرباح سنة سابقة. وأورد المنظم استثناء إيجابياً بحق المستثمرين وفقاً لنص المادة (5/9) من اللائحة التنفيذية لنظام الاستثمار الأجنبي، مقتضاه السماح بترحيل الخسائر التي قد تلحق بالمنشأة إلى حساب سنوات تالية, إذا لم يكف الربح لتغطيتها في سنة تحققها, دون تحديد لعدد السنوات التي يُمكن ترحيل الخسائر إليها، وهو أمر تقتضيه اعتبارات العدالة, وإعانة المنشآت الأجنبية وتشجيعها على الاستمرار في مزاولة الاستثمار, ولا سيما إذا واجهتها مصاعب مالية أو ظروف خارجة عن إرادتها. وصدر نظام تملك غير السعوديين للعقار واستثماره، بناء على قرار مجلس الوزراء رقم (89) بتاريخ 8/4/1421هـ، الذي يتميز بمرونته في السماح للأجانب بالتملك في السعودية عن النظام السابق، إذ سمح باستثمار العقار خلال خمس سنوات من تملكه، بشرط ألا تقل قيمة التكلفة الإجمالية للمشروع عن 30 مليون ريال، كما يسمح هذا النظام للمستثمرين الأجانب ـ أفراداً أو شركات ـ بتملك العقار لمزاولة الأنشطة الاستثمارية المصرح لهم بها من جهات الاختصاص، وكذا سمح للأفراد المقيمين إقامة نظامية في السعودية بتملك العقار لغرض السكن بعد الحصول على إذن وزارة الداخلية. وعُدل نظام الشركات تعديلات كثيرة منها التعديل الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/22) في 30/7/1412هـ. وتم إصدار عدد من الأنظمة العدلية التي توفر ضمانات للتقاضي، وتيسر سبل اللجوء للقضاء السعودي للحصول على أحكام قضائية فعالة، وهذا يعد من أهم العناصر التي يقوم عليها مناخ الاستثمار في البلاد؛ كما كان لانضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية أثر واضح في تهيئة مناخ الاستثمار فيها وهذا ما نوضحه في مقال لاحق ـ إن شاء الله.
إنشرها