Author

التأمين على الصادرات في ظل الانضمام لمنظمة التجارة العالمية

|
لقد ترتب على انضمام العديد من الدول لمنظمة التجارة العالمية اتجاه حكومات هذه الدول إلى تدعيم مصدريها في سعيهم لدخول أسواق عالمية جديدة؛ وذلك بتوفير التأمين والضمانات بشكل مباشر للمصدر أو المستورد، وغالباً ما يكون ذلك مدعوماً باتفاقات تحالف استراتيجي لإعادة التأمين وتوزيع المخاطر يتم إبرامها مع وكالات إقليمية أو دولية كبرى متخصصة في مجال التأمين، وذلك للاستفادة من الخبرات الواسعة التي تمتلكها هذه الشركات في مجال تقييم المخاطر ومن قاعدة المعلومات المتطورة التي بحوزتها. وفي إطار انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية تم إنشاء برنامج الصادرات السعودية بموجب مرسوم ملكي صدر في عام 1420هـ؛ حيث يهتم هذا البرنامج بدراسة السياسات والإجراءات الخاصة بعمل وكالات ائتمان الصادرات في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وإجراء سلسلة من اللقاءات مع المصدرين السعوديين والبنوك الوطنية، ومع الجهات الأخرى المعنية بهذا الموضوع، وذلك لكي يتمكن من تحديد السياسات والقواعد العامة التي تضمن وضع برنامج لائتمان الصادرات ملائم لأوضاع المملكة، ويقدم هذا البرنامج تسهيلات التمويل والضمان اللازمين لتنمية الصادرات الوطنـية غير النفـطية في إطار سياسة حكومة خادم الحـرمين الشريفين الرامية إلى تشجيع قطاع الصناعات الوطنية وتنويع مصادر الدخل الوطني. الحقيقة أن التأمين على الصادرات يعد أحد أهم الآليات التي تسهم في زيادة الدخل الوطني للدولة؛ وتشير بعض الإحصاءات إلى أن إجمالي الصادرات المؤمَّن عليها في الدول العربية بلغ نحو 2.8 مليار دولار، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على التأمين على الصادرات مع زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول المنضمة لمنظمة التجارة العالمية؛ كما أن الطلب عليها يزداد عادة في حال وجود إرهاصات بنشوب أعمال عسكرية في منطقة معينة. ومع ذلك فإن ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة والتضخم الناتج عنه قد يؤدي إلى تراجع في الطلب على السلع والخدمات، مما سيكون له تأثير مباشر في أداء شركات التأمين على الصادرات. ولهذا فقد أنشئت بعض المؤسسات والشركات المتخصصة في التأمين على الصادرات، مثالها الشركة الفرنسية للتجارة الخارجية المعروفة اختصاراً باسم الكوفاسCompagnie française d'assurance pour le commerce extérieur ، والمؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات العضو في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار، والشركة التونسية للتأمين على التجارة الخارجية التي تؤمن المؤسسات والشركات المصدرة والبنوك من خطر عدم تسديد مستحقات المصدر الوطني من طرف المستورد (المشتري) الأجنبي من القطاع الخاص (مخاطر تجارية) أو من القطاع العام، كما تؤمنه ضدّ المخاطر غير التجارية مثل التأميم والمصادرة وغيرها، وضد خطر وقف الصفقة التجارية. ويُغطي التأمين على الصادرات السلع الاستهلاكية ومواد التجهيز والسلع نصف المصنعة والأشغال العامة والخدمات. ويعتمد نشاط تأمين الصادرات بصفة أساسية على جمع المعلومات عن الملاءة المالية للمشترين الأجانب؛ ثم تحليلها؛ ثم اتخاذ القرار بالموافقة على التأمين من عدمه؛ وذلك بإعلام المؤمن له: إما بالموافقة على ضمان المشتري مع تحديد سقف دائري للضمان أو برفض ضمان المشتري إن كانت ملاءته المالية غير كافية. وفي حال عدم تسديد قيمة السلع التي تم شحنها أو الخدمات التي تم إسداؤها تسعى شركة التأمين العاملة في مجال التجارة الخارجية لدى المشتري لإلزامه بتسديد مستحقات المؤمن له. وفي حال عدم قيامه بتسديدها فإن تلك الشركة تقوم بتعويض المؤمن له عن الخسارة التي لحقت به، ثم تواصل جهودها لاسترداد المبالغ التي دفعتها. فالتأمين على الصادرات يقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي: المعلومات التجارية من ناحية، واسترداد المبالغ المالية التي دفعتها شركة التأمين للمؤمن له من ناحية ثانية، وحوالة الحق في التعويض من ناحية ثالثة. ففيما يتعلق بالمعلومات التجارية، تقوم شركة التأمين على الصادرات بجمع المعلومات عن المؤمن له وعن المشترين الأجانب وعن الصفقة التجارية موضوع التأمين؛ حيث تبدو أهمية هذه المعلومات في أنها تمكنها من تحديد سقف الائتمان الممكن منحه المؤمن له؛ كما تمكنها من اختيار المشترين (المستوردين) الأجانب الذين بإمكان المصدر (البائع) الوطني التعامل معهم. و لهذا الغرض تقوم شركة التأمين على الصادرات بجمع وتحليل المعلومات المالية عن المشترين، كما تجمع معلومات عن سمعتهم التجارية، وعن مدى التزامهم بتسديد ديونهم، وتتابع باستمرار التطورات التي قد تطرأ على أوضاعهم المالية والتجارية. وفي حال توافر معلومات لديها عن عدم قيام أحد المشترين (المستوردين) الأجانب لمستحقات أحد البائعين (المصدرين) الوطنيين، فإن الشركة تقوم فوراً بإعلام جميع المؤمن لهم الذين يتعاملون مع ذلك المشتري (المستورد) الأجنبي، وبذلك تحقق له حماية وقائية من خطر عدم سداد هذا الأخير لقيمة الصفقة التي سيستوردها من المصدر الوطني أو بعضها. وفيما يتعلق بالعنصر الثاني الذي يقوم عليه ائتمان الصادرات وهو استرداد الديون التي في ذمة المشتري (المستورد) الأجنبي، فإن شركة التأمين تبذل المساعي الجادة بالوسائل الودية لاسترداد تلك الديون، فإذا لم تفلح في ذلك لجأت إلى القضاء الوطني المختص. أما العنصر الثالث في عملية ائتمان الصادرات فيتمثل في تحويل المؤمن له حقه في التعويض إلى طرف ثالث قد يكون البنك الذي يقوم بتمويل صادراته. ولهذا فإننا نرى أهمية وجود بنك شامل للمعلومات التجارية لدى برنامج الصادرات السعودية يتضمن بيانات عن المؤمن لهم وعن المشترين الأجانب وعن الصفقات التجارية موضوع التأمين؛ وذلك لإنعاش قطاع التأمين على الصادرات في المملكة، ولتوفير عناصر نجاحه في تشجيع الصادرات السعودية من ناحية، وفي اجتذاب الاستثمارات الأجنبية للبلاد من ناحية أخرى؛ إذ إن وجود آليات للتأمين على الصادرات يعد أحد العناصر الأساسية التي تشجع الشركات الدولية على إقامة مشروعاتها الصناعية.
إنشرها