منوعات

عبد الله بلخير.. شاعر الأمة ومؤسس الإعلام السعودي الحديث

عبد الله بلخير.. شاعر الأمة ومؤسس الإعلام السعودي الحديث

هو أحد رجال قلائل بُنيت حضارتنا الحالية على أكتاف جهودهم في الوقت الذي لم يكن مهيئا لهم ما هُيئ لنا، هو قارئ وصديق كتاب، وشاعر ومرهف حس، وكاتب ولذيذ قلم، حبه للعلم والمعرفة في صغره هيأ له خدمة ترابنا الغالي منذ صغره، فرافق الملك الراحل المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه، وكان أحد مترجميه الأساسيين، وتولى مناصب مهمة في عهده، كما رافق أبناءه فيصل وخالد في رحلاتهما الدبلوماسية، وعندما تولى الحكم الراحل الملك سعود – رحمه الله – تولى مناصب مهمة كان أبرزها توليه حقيبة أول وزارة إعلام في السعودية، بعد أن كان رئيسا للمديرية العامة للصحافة والنشر، والتي كانت تقوم مقام وزارة الإعلام في ذلك الوقت. هو أحد قلائل يستحقون منا أن نذكرهم دائما، ونستفيد من رحلات حياتهم المليئة بالعبر، ليكون قدر العظماء أن يفيدوا أوطانهم حتى بعد مماتهم، وهذا هو هدف "أوائل" الحقيقي، حيث نقدم لكم سير رجال أضافوا إلى حضارة بلادنا وتراثها المعرفي كما هائلا من التضحيات. ولد عبد الله عمر بالخير في قرية غيل بلخير في عام 1323هـ (1902م)، تعلم في طفولته مبادئ القراءة والكتابة في غيل بلخير في حضرموت، فحفظ القرآن ودرس شيئا من الحساب وتعلم فن الخط. انفطر مبكرا على ميدان الشعر، والتعلق به منذ نعومة أظفاره، فكان والده يصطحبه معه إلى الأفراح التي تقع قريبا وهو مازال طفلا في حضرموت، وكان دائما يتشوق لحضورها ويحفظ من أشعار الزوامل ويرويها عن ظهر قلب مع أحداثها. هجرته إلى الحجاز هاجر مع والده من حضرموت وهو في 12 من عمره، واستقر بهم المقام في حي الشبيكة في مكة المكرمة، وأتيحت له فرصة التعليم النظامي في المدرسة الأهلية، ثم مدرسة الفلاح عند إنشائها، وكان والده حريصا أن يكون عبد الله بلخير مدرسا في الحرم المكي. اختير ضمن أفراد البعثة الدراسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وعاد بعد إكمال الدراسة للمملكة ليعمل في وزارة المالية أولا، ثم انتقل إلى الشعبة السياسية في ديوان الملك عبد العزيز - رحمه الله - مترجما في "قسم الاستماع"، حيث كانت هناك إدارة أنشئت في منتصف الخمسينيات الهجرية (1354هـ)، سميت بشعبة الإذاعة تابعة للشعبة السياسية التي كان لها شأن كبير في ذلك الوقت، حيث كانت تعادل وزارة الخارجية في زمننا هذا، ومن عمل هذه الشعبة السياسية رصد الإذاعات العالمية ثلاث مرات في اليوم لرفع تقرير للملك الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – رحمه الله – ورصد الأخبار والمعلومات على الصعيد العالمي في وقت كانت تندر فيه المعلومة. مع الملك المؤسس الأديب والإعلامي والسياسي الشيخ عبد الله عمر بلخير أحد الرجال القليلين الذين تكونت منهم إدارة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن طيب الله ثراه، وكان الملك عبد العزيز، يصطحبه في رحلاته المختلفة داخل وخارج المملكة، ونظرا لإجادة الشيخ عبد الله بلخير للغة الإنجليزية فقد عده الملك عبد العزيز أحد أهم مترجميه، حيث ترجم للملك عبد العزيز في لقائه التاريخي إبان الحرب العالمية الثانية مع الرئيس الأمريكي "روزفلت"، كما ترجم للملك الراحل في لقائه التاريخي الآخر مع رئيس الوزراء البريطاني "تشرشل"، وكان ذلك في أربعينيات القرن الماضي. بلخير شاعرا أول ما لفت انتباهه، وهو مازال طالبا أن بلاده المملكة العربية السعودية، بدون أناشيد وطنية فكتب ما يقرب من 15 نشيدا وطنيا للناشئة، وقدمها إلى لجنة المسابقات التي اختارت 13 نشيدا منها، وأقرتها ثم عممتها على مدارس المملكة العربية السعودية.. منها نشيد: يا شباب العرب مهلا زمن القول تولى وهلال الجد هلا وأتى دور العمل نحن في عصر جديد نحن في عصر الحديد فلنعد ماضي الجدود بجهاد وأمل ومن روائع بلخير الشعرية "ملحمة قرطبة" التي أصبحت مشهورة في عواصم البلاد العربية الثقافية من بغداد إلى القاهرة وبيروت فالخرطوم وعدن. وقال بيته المشهور مجيبا وفد الكشافة العراقي الوافد إلى مكة عام 1353هـ الموافق 1932م: شبه الجزيرة موطني وبلادي من حضرموت إلى حمى بغداد أشدو بذكراها وأهتف باسمها في كل جمع حافل أو نادي مع الأميرين فيصل وخالد رافق الشيخ عبد الله بلخير، الملكين الراحلين فيصل وخالد ابني الملك الموحد عندما كانا أمراء في أربعينيات القرن الماضي في رحلتهما الشهيرة إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث عمل مترجما في لقاء الأميرين مع روزفلت وتشرشل. وكان الملك فيصل كلما زار مصر أو الشام يسأل عنه، ويستدعيه لاستشارته في بعض الأمور التي تتصل بتخصصه وتهم الدولة، ورافق الأمير فيصل ـ ولي العهد آنذاك ـ إلى مؤتمر دول عدم الانحياز في باندونج. مع الملك سعود بن عبد العزيز من أهم المناصب الإدارية والسياسية التي تقلدها في الدولة السعودية رئاسته لديوان الملك سعود بن عبد العزيز – رحمه الله – ونتيجة لثقة الملك سعود به كلفه بإنشاء المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر عام 1374هـ، وعُين أول وزير للإعلام في المملكة العربية السعودية في عهد الملك سعود، حيث لمع نجمه كسياسي وإعلامي ناجح. وقصة تعيينه تعود إلى رحلته مع الأمير فيصل ولي العهد من "مؤتمر باندونج"، حيث لاحظ الملك سعود – رحمه الله – أن الوفد السعودي لم يحظ بتغطية صحافية مصورة في الصحافة العربية وكذلك الصحافة السعودية، فاقترح على الشيخ عبد الله عمر بلخير أن يؤسس "مديرية للإذاعة والصحافة والنشر"، وأصبح مديرا عاما للمديرية في الفترة بين 1374ـ1382هـ (1954ـ1962م)، وهو أول مدير للمديرية في عهد الملك سعود – رحمه الله – إذ كانت في ذلك الوقت بمثابة حقيبة وزارية للإعلام، ولم يُسمَّ بلخير وزيرا للإعلام إلا أنه كان يقوم بهذا الدور كوزير للإعلام. وفي عهد بلخير ازدهرت الإذاعة والإعلام فتم إنشاء إذاعة صوت الإسلام، وإنشاء مجلة الإذاعة، ونقل الإذاعة من مكة إلى جدة، وظهور أكثر من 12 صحيفة لا يزال بعضها مستمرا، وكان الشيخ عبد الله بلخير - رحمه الله - أول من وضع اللبنات الأولى التي شكلت الأساس الذي قام طوال عمره ببناء الإعلام السعودي وذلك باستقطابه للكفاءات الإذاعية العربية إلى جانب الكفاءات الوطنية المتميزة. بلخير.. وزيرا مفوضا أصدر جلالة الملك سعود بن عبد العزيز مرسوما ملكيا يمنح فيه الشيخ عبد الله عمر بلخير رتبة وزير مفوض، وعينه مشرفا على المديرية الجديدة للصحافة والنشر، وقد جاء في المرسوم الملكي ما يلي: "نحن سعود بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية بناء على دواعي المصلحة أمرنا بما هو آت: منح سكرتيرنا عبد الله بلخير مرتبة وزير مفوض من المرتبة الأولى تقديرا لأعماله، وعلى رئيس مجلس الوزراء إنفاذ أمرنا هذا بإبلاغه لمن يلزم". كما أصدر الملك سعود مرسوما آخرا لإنشاء مديرية الصحافة: "نحن سعود بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية نظرا إلى أهمية وتنظيم المطبوعات ووسائل النشر وتركيزها مع مرجع واحد أمرنا بما هو آت: إنشاء مديرية عامة تسمى المديرية العامة للصحافة والنشر، مهمة هذه المديرية التنظيم والتنسيق على جميع وسائل النشر في المملكة ونشر الحقائق والمعلومات، تربط بهذه المديرية وإدارة المطبوعات والصحافة ومختلف وسائل النشر في حدود الأنظمة المعتمدة، ويقوم سكرتيرنا الوزير المفوض عبد الله بلخير بالإشراف على هذه المديرية وعلى مسؤوليتها". عبد الله بلخير في الهند اصطحب جلالة الملك سعود بن عبد العزيز، في زيارته للهند بعد انعقاد مؤتمر باندونج في إندونيسيا سكرتيره عبد الله عمر بلخير والمدير العام للإذاعة والصحافة والنشر بتاريخ 29 كانون الأول (ديسمبر) 1955م، وقد عقد الوزير المفوض عبد الله بلخير، سكرتير جلالة الملك مؤتمرا صحافيا في فندق (تاج محل) في مومباي، تحدث فيه للصحافيين الهنود عن سياسة بلاده الخارجية ومنها دعوة بلاده للدول الآسيوية والإفريقية للحضور لمؤتمر باندونج لتحقيق السلام العالمي، ومما جاء في بيانه في المؤتمر الصحافي: "لقد أعلن جلالة الملك في الحفلة التي أقامتها الجمعية العربية عن بالغ تقديره للجهود الكبيرة التي بذلها رئيس وزرائكم المحبوب البانديت جواهر لال نهرو وحكومته في سبيل نهضة بلادكم وتقدمها، وأعلن جلالة الملك عن امتنانه للمعاملة العادلة التي يحظى بها 40 مليون مسلم في الهند". كما كان الشيخ عبد الله بلخير ينوب عن الملك سعود في بعض الأمر التي يكلفها به، ومنها حين زار السلطان حسين بن عمر الكثيري، سلطان الدولة الكثيرية في حضرموت، جدة في آب (أغسطس) 1955م، أرسل الملك سعود بن عبد العزيز، الوزير المفوض وسكرتيره الشيخ عبد الله عمر بلخير، لاستقباله في مطار جدة، كما أنزله على ضيافة الحكومة السعودية في فندق الكندرة ـ أفخم فندق في جدة وقتذاك ـ وكان في استقباله أيضا زعماء الحضارم وأعيانهم في المملكة وعلى رأسهم الشيخ محمد أبو بكر باخشب باشا، أحمد سعيد بقشان، سالم أحمد بن محفوظ، ومحمد عوض بن لادن، وغيرهم من أعيان السعوديين ذوي الأصول الحضرمية. مشوار حافل تنقل الشيخ عبد الله بلخير، في مناصب عديدة منها شؤون الجامعة العربية والمؤتمرات ومنها رئاسته لديوان إمارة الرياض في عهد ولي العهد الآن الأمير سلطان بن عبد العزيز عام 1953م. وبعد رحلة طولية تقاعد عن عمله في عهد الملك فيصل - رحمه الله- وتفرّغ الوزير الإعلامي والسياسي والشاعر الأديب للسفر متنقلا ما بين بيروت أو القاهرة أو سائحا في أنحاء المعمورة، وكتابة المذكرات وأحاديث الذكريات، فذرف الدموع الساخنة على أطلال الحضارة الإسلامية في مطولات شعريّة نابضة بالحياة والعبر والدروس والعبرات، ولاسيّما الملاحم الأندلسية السبع التي سجّل بها في قالب درامي وصور متحركة حضارةَ الإسلام. وعلى مدى 40 عاما منـذ تقاعـده لم ينقطع عن نظم التأريخ شعرًا حيًّا وجدانيًّا، حتى أُطْلِق عليه لقب "شاعر الأمة"، لأنه جعل الإسلام والمسلمين موضوعه الأساسي. فقال ذات مرة: أنا لم أعشق إلاّ هذه الأمة العربية المسلمة فلها وفيها غزلي وتغزلي، وقد تبنّى الشيخ بلخير هذا الهم النبيل منذ أن كان غلامًا وتلميذًا. توفي بلخير عن عمر يناهز 90 عاماً حيث توفي يوم الأحد الرابع من شوال 1423هـ الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2002م أثناء تلقيه العلاج الطبي وهو في سن الشيخوخة في أحد المستشفيات اللبنانية، وكان قد أوصى أنجاله بأن يدفن في مكان وفاته أياً كان تيمناً بالسنة النبوية المطهرة وقد تحققت له تلك الأمنية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من منوعات