Author

مجالس البلديات.. وليس المجالس البلدية!!

|
لا شك أن تفعيل المجالس والانتخابات البلدية أحدث حراكا سياسيا واجتماعيا وأضاف مصطلحات جديدة في قاموسنا السياسي لم تكن معهودة أو مقبولة من قبل. كما أنها تمثل بداية صحيحة لمشروع الإصلاح الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وولي عهده الأمير سلطان من أجل تطوير إدارة المجتمع بما ينسجم مع المعطيات الجديدة على الساحتين الداخلية والخارجية. إن حرص ولاة الأمر على تطوير وسائل عملية صنع القرار العام وإعادة هيكلته وتحسينه لا يأتي من باب الترف السياسي أو مجاراة النظم الأخرى وما تفرضه العولمة من قيم سياسية جديدة هي في جوهرها دعوة لتطبيق الديمقراطية وتفعيل المشاركة الشعبية، وإنما هي ضرورة اجتماعية لمواجهة التحديات والقضايا وآلية للتعرف عليها ومعالجتها بكفاءة وفاعلية، والإسهام في تعزيز الهوية الوطنية والعلاقة الحميمية بين الحاكم والمحكوم وتقنينها من خلال إطار مؤسسي واضح المعالم يحدد المسؤوليات والواجبات وتحقيق الضبط الاجتماعي بما يتناسب مع المستجدات والتغيرات الاجتماعية والسكانية. في هذه المرحلة التطويرية يصبح من الضروري التأكد من استخدام المصطلحات التنظيمية التي تعكس الوظائف المطلوبة، إذ إن كل مصطلح يفيد معنى بعينه. من هنا كان لا بد أن ينسجم الاسم مع مدلوله وإلا حدث خلل بين التوقعات وواقع الحال. وهذا أمر يقود للإحباط والتشويش ويفقد الثقة بالتنظيمات الجديدة ويؤثر سلبا في عملية التطوير وإعادة تثقيف المجتمع. وعلى أن رفع مستوى سقف التوقعات لعملية التطوير والإصلاح أمر مطلوب ومهم على المدى الطويل إلا أنه على المدى القصير يستلزم انسجام اسم التنظيم مع الغرض الذي أنشئ من أجله أي تسمية الأشياء بأسمائها. وهذا ما نلاحظه في تسمية المجالس البلدية التي أعطيت مدلولا قاد إلى انطباع خاطئ لدى عموم الناس في أنها تنظيمات لإدارة المدن بجميع قطاعاتها، فاسم بلدي يعني المدينة كوحدة إدارية سياسية قانونية. ولذا لم يكن مستغربا أن يطالب سكان المدن المجالس البلدية أن تتصدى لجميع قضاياهم ومشكلاتهم في مجتمعاتهم المحلية حتى وصل الحال بالمطالبة بمعالجة مشكلات الإسكان والمياه والصرف الصحي وحتى البطالة والفقر الحضري والعنوسة وغيرها من المشكلات الحيوية التي تئن منها المجتمعات المحلية ، بل إن كثيرا من القضايا الوطنية هي في أصلها مشكلات محلية تراكمت وتضخمت ولم يتم وأدها والتصدي لها في مهدها عند المستوى المحلي لعدم وجود هيئات محلية مسؤولة عن إدارة المجتمع المحلي وإنما فروع للأجهزة المركزية تقوم بتوفير الخدمات العامة بقرارات مركزية دون أن يكون هناك ترابط وتنسيق فيما بينها. إن المجلس البلدي في جميع بلدان العالم يعني مجلس المدينة المسؤول عن إدارتها الذي يتمتع باستقلال مالي وإداري ويملك صلاحيات تشريعية وسلطة نافذة على الأجهزة التنفيذية الحكومية المحلية التي من بينها البلدية. ودور المجلس لا يختزل في تقديم الخدمات العامة وإنما يتحمل مسؤولية التخطيط الاستراتيجي للمدينة وتولي مهمة التنمية الاقتصادية وخلق فرص استثمارية ووظيفية وجلب موارد جديدة للاقتصاد المحلي وتحريك الموارد المحلية وتوجيهها نحو الأهداف الاستراتيجية. في المقابل نجد أن المجالس البلدية في السعودية هي في واقع الحال مجالس لجهاز البلدية فوظيفتها محدودة في نطاق الخدمات البلدية التقليدية وليست مسؤولة عن قطاعات المدينة الأخرى أو التنمية المحلية، كما أنها جزء من التنظيم الإداري والمالي للبلدية فسلطاتها استشارية وميزانياتها من البلديات ولرئيس البلدية حق ترؤسها بل حتى تعيين وإقالة أمين المجلس، كما حدث في مجلس بلدي جدة قبل ما يقارب العام. ولأنها تتبع لجهاز البلدية كان هناك تفاوت في تسمياتها حسب اسم جهاز البلدية فمرة على سبيل المثال (مجلس بلدي أمانة المنطقة الشرقية) ومرة (مجلس بلدي محافظة القطيف) ومرة (مجلس بلدي مدينة جدة) وهكذا. ولذا من المسوغ وبما يتفق مع واقع الحال يمكن وصف المجالس البلدية بوضعها التنظيمي الحالي بأنها لجان فنية شعبية تقدم المشورة للبلدية وتتابع وتراقب أعمالها دون أن تملك صلاحيات وسلطات نافذة. وإذا كانت البلدية ذاتها كجهاز إداري لا تتمتع باستقلال مالي وإداري فإن ذلك يعني أن المجالس البلدية تدور في فلك ضيق جدا من الصلاحيات لا يمنحها القدرة على عمل المطلوب والمتوقع من سكان المدن. من هنا كان من الأجدر أن تسمى مجالس البلديات بدلا من المجالس البلدية حتى يكون الجميع على بينة من أن طبيعة عملها يقع ضمن نطاق وظيفة جهاز البلدية بصلاحيات استشارية. إن التوقعات العالية التي تولدت لدى الكثيرين بسبب التسمية أدت إلى ضغوط كبيرة على أعضاء المجالس البلدية ومطالبتهم با لا يستطيعونه ولا يدخل ضمن اختصاصات المجالس الضعيفة والضيقة. هناك جهود تبذلها وزارة البلديات والشؤون القروية بقيادة الأمير الدكتور منصور بن متعب في تطوير العمل البلدي وتوسيع نطاقه والمساهمة في مشروع الإصلاح الإداري بما يعود بالنفع على المواطن. وتولي الأمير منصور ملف تطوير عمل المجالس البلدية يأتي في محله ويبعث للاطمئنان والثقة فهو من القيادات المستنيرة والمتخصصة في الإدارة الحكومية وله بحوث ودراسات وخبرة واسعة ونظرة ثاقبة فيما يجب عمله. من هنا وبتوجيه من سموه قامت الوزارة بدراسة مستفيضة لتقييم تجربة المجالس البلدية وتطويرها مستعينة بالخبرات الوطنية والأجنبية. وبهذا الصدد يتطلع الكثيرون من المهتمين والمختصين إلى أن التطوير يكون خارج الصندوق بإعادة الهيكلة، حيث تمنح البلديات والمجالس البلدية الاستقلال المالي والإداري وأن يتم فصل المجالس عن أجهزة البلدية ومنحها سلطات تشريعية مساوية ومقابلة للسلطات البلدية التنفيذية. هكذا يمكن للمجالس أن تعكس احتياجات وتطلعات السكان وأن تتأكد أن البلديات تقوم بتنفيذ سياساتها. وفي مستوى أكثر نضجا وشمولية يكون التوجه نحو إصدار نظام للإدارة المحلية ينظم وينسق الوحدات الإدارية المحلية ويوحد مرجعياتها ويحدد أدوارها ومسؤولياتها.
إنشرها