Author

يوم نجوتُ من شقةِ الشيطان

|
.. رسالةٌ تشرح نفسَها، رسالةٌ جعلتني أتأمّلُ كثيرا، وأحزنُ كثيرا، وأفرحُ كثيراً. رسالةٌ تعلمنا أن أهم عِتـْقٍ يقوم به الإنسانُ هو أن يعتق نفسَه. لم أمسّ متن الرسالةِ إلا ما يتطلبه تعديلٌ طفيفٌ هنا أو هناك.. ولكن العبيرَ الفوّاحَ بها من الحزنِ والندمِ والفرحةِ والمحبّةِ لا يمكن أن يخفى.. "أخي في الإسلام: .. سمعت أنكم ناقشتم موضوعَ "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في مجلس الشورى، وسمعت من كثيرين أن أصوات التحامل، أو طلب إصلاح الهيئة غلب بقية الأصوات. أنا لا أشير بأي أصبع اتهامٍ لك أو للمجلس فلهم عقولهم، وخبرتهم وضمائرهم ليقولوا ما يريدون أن يقولوا. ولكني لا أقول يا أخي.. أنا أروي واقعاً، وأنا لا أروي واقعاً منقولاً، ولكن من واقعٍ حدث لي، وليس لأحد غيري.. إني أسأل الله العفوَ كثيرا، وإني يا أخي أبكي كثيرا، فأخطائي لا تـُحصى. وهي ليست أخطاء بل مجموعاتٍ تتالَتْ من الخطايا، وإني أحاول التكفيرَ عنها في كل يوم، بل في كل لحظةٍ، وفي كل نفـَسٍ يطلع من صدري، ورأسي يرتفع للسماءِ والدموع لا تقف من مآقي العيون، راجية، آملة، طامعة، بعفو العزيز الكريم التوّاب فأعمالي قد لا يتصورها أمثالـُك من الناس الذين نظن أنهم من الأخيار. أكتب هذه الرسالة ليس فقط لتوضيح وجهة نظر، بل واقع حصل. خطابي هذا اخترت أن أرسله لك يقينا مني أن الجميعَ سيقرأه، وآملة منك، بما أعرفه من طبعك، أن تنشره، ولعله يكون درسا وعبرة وخيرا لكل بنتٍ مرّت بطريقي، أو تعزم أن تمرّ بالطريق ذاته. ألم تكتب أنتَ يوما قائلا: قبل أن تعبروا طريقاً جديدا لأول مرة، اسألوا قبل ذلك العائدين من الطريق. ها أنا أتبرع بإجابةٍ لكل الواقفات على مشارف الطريق الذي مشيته، وأحكي تجربتي من طريق عدت عنه، ولن أعود إليه، إن شاء الله، ما حييت. وأكتب هذه الرسالة ساعية في طلب العفو عند الله، في إنقاذ أرواح صغيرة من بناتنا اللاتي تجبرهن إما الظروفُ، أو يغويهن الطمعُ ليُدفعهن لطريق لا تحمد عقباه.. ليكُنَّ فيه هُنّ وحدهن الضحايا. لا أحدَ غيرهن. أنا تعلمتُ وتثقفتُ كثيرا، وعشتُ مجتمعاً في نسيج متهتك، وحاولت إكمال دراساتي العليا بالابتعاث ولم أستطع، ولم أجد عملاً بالطرق العادية، حتى في يوم أشارت علي صديقة بأن أزور مسؤولا في منشأةٍ بقطاع خاص للعمل، وهنا أول درس لي، حين تفتش البنت في زينتها المكتملة أمام رجل. الرجلُ لم يُزِحْ نظرَه عني، وأغواني بالدراسات العليا والوظيفة الممتازة، ثم سلـّمني مفتاح شقةٍ بالغة الفخامة.. وأخذني إليها وبهرني تأثيثها وديكوراتها.. ولم أستطع التراجع مع أني في داخل ضميري أعرف أن هناك ثمناً يجب أن أدفعه، ولكن الشيطان والرغبة الجامحة بالعيش الفاخر صدّا العقلَ وفتحا كل التبريرات لأستمر. طبعا سأقول لك شيئا لن يفاجئك، فيوم دخلتُ الشقة - القصر.. لم أخرج لأي عمل.. ما عدا داخل تلك الشقة، وكان عملا مُدرّاً ومربحاً وسهلا.. وكان شريكي: إبليس. نعم لقد كنت شريكة إبليس. أستضيفُ في شقتي كل قذارات البشر من الجنسين.. والعمل يزدهر كل يوم.. ( أستاذي: هل كلمة يزدهر صحيحة هنا؟) لا أعرف لمَ تأتي أمورُ المتعة الحرام سهلة، فتلك الشقة يصلها كل شيء من أي مكان، ناس من مختلف الأجناس، ومواد من أي مكان، وكلها تحت ماركة واحدة: الحرام. الغريب يا أستاذي أني حافظتُ على نفسي، إن صدقتني، رغم كل الأجواء، صحيح أني مارست بعض الأشياء المنفـِّرة، ولكني، إن فهمتني، بقيت في صفائي الجسدي. كان وجودي في "شقة الشيطان" أكبر أصلٍ ليدور النشاطُ المحرَّمُ. وفي النهار كنت والله أصلي، وكنت أقرأ وأتثقف، وكنت أراسلك، إن كنت تتذكر، ونشرتَ لي مقالا أُعْجـِبتَ فيه بأسلوبي في جريدةٍ ضمن برنامج لاكتشاف العقول، وكنت أسمي نفسي وقتها، من تجاذب عكسي في داخلي، طاهرة. بينما كنتُ أبعد ما أكون عن الطُهر. ولأختصر القصة.. دهمنا رجالُ الهيئة يوماً، وقت الدهم لم يكن هناك إلا أنا وفتاتان ورجل أفلت بأعجوبة. والتقيتُ الشيخ "عمران"- الاسمُ مستعار- بعد أن أُخِذْتُ لمقر الهيئة. طلب الشيخُ عمران الاجتماع بي في غير خلوةٍ بكامل غطائي، ونصحني..كثيرا. ولم يكتفِ، بل عرفَ أني معجبة بشخصٍ كان يزرو شقة الشيطان ثم انقطع، وراح التقاه.. ثم عاد وأخبرني أن الرجلَ له رغبة بالزواج مني إن عاهدته على التوبة فعاهدته وأنا مترددة، إلا أنه طلب مني أن أعاهد رب العالمين في عمرةٍ لمكة، وذهبتُ مع والدتي.. التي أيضا تغيرت بعد تلك العمرة. وعدتُ صافيةً مرتاحة ولكني لا أكف عن البكاء ويمزقني الندمُ، ولا أترك سجادتي أبدا وكأنها الملاذ واللجوء. تزوجت من سنتين، ولي حلقة تجتمع بها نساءٌ يدرسن القرآن وتجويده لوجه الله، وزوجي ملأ علي حياتي، وهو سمائي وظلي.. مرت سنتان .. ولي بنت الآن، واسمُها طاهرة". نجيب عبد الرحمن الزامل
إنشرها