العجَّازُون ..

العجَّازُون ..

زيد بن ناصر: شد انتباهي إعلان في إحدى القنوات الفضائية يحث المشاهدين على القيام والتحرك وممارسة الرياضة، ويصور شخصا متسمرا أمام شاشة كبيرة يلعب "البلايستيشين"، الأمر الذي يعطيك انطباعا من الوهلة الأولى أنه جالس لساعات طوال أمام هذه الشاشة لم يحرك ساكنا يمارس لعبته، ليأتيك في نهاية الإعلان "تقدر تبدع .. لازم تتحرك". استهوتني كثيرا فكرة هذا الإعلان الهادفة، وقديما قالوا : في الحركة بركة، ولكن يبدو أننا استسلمنا لروتين الحياة الممل، فحياة الرفاهية التي نعيشها تجعلنا نقبع لساعات طوال في أماكننا دون أن نتزحزح قيد أنملة، وإذا أردنا القيام لا بد لنا من مساعد كاليد نضعها على الأرض لنقوم أو بمساعدة أريكة أو كتف جليس، وهكذا .. نذهب إلى أعمالنا صباحا ونؤدي ما علينا جالسين خلف مكاتب وثيرة لا نقوم إلا للصلاة أو في حال الضرورة كخروج أو غيره، لتمضي ساعات العمل بطيئة مملة ننتظر الفرج بعدها للخروج في الثانية ظهرا، نغادر مسرعين وسط زحام لا يطاق، ليستقر بنا الحال على أسرتنا الوثيرة أيضا!! ننام عليها ما يتسنى لنا مثنى وثلاث ورباع من الساعات دون أن نبالي أن في ذلك خطرا على صحتنا وحيويتنا.. ــ ونستثني من كثرة الجلوس هنا المعلمين، ممن يشرحون الدرس طوال خمس حصص واقفين، وهذا فيه خطر على صحتهم حسبما يفيد الأطباء، لأن كثرة الوقوف أخطر من كثرة الجلوس فقد تصيب أحيانا لا قدر الله بآلام العمود الفقري، نسأل الله السلامة .. بعد أن نفيق نبدأ بالتفكير بما سنفعله فيما تبقى من ساعات، (ولن تكون ضمنها ممارسة الرياضة بالطبع) وإنما سيوزع الوقت بين الجلوس عند الإنترنت، أو مشاركة الأولاد بلعب البلايستيشن، أو الذهب إلى الاستراحات و"الكوفي شوبات" لقضاء باقي الوقت هناك.. وها نحن نعود في هجيع الليل نبحث عن صديقنا الحميم الذي غادرناه قبل برهة من زمن، ست أو ثماني ساعات .. لنحتضنه أو يحتضننا ونغط في نوم عميق، لنفيق على صوت المنادي حي على الفلاح حي على الدوام .. وهكذا دواليك تتكرر الأشياء نفسها كل مرة. كثيرا ما نعيب على إخواننا السودانيين بأنهم كسالى، وكيف أن سودانيا لم يشأ أن يحلق ذقنه واكتفى بحلاقة الرأس، لأن الحلاق قال: له أرفع رأسك!! ولكن في الحقيقة بدأنا نزاحمهم على هذه الصفة، بل اكتسحناهم وبماركة سعودية مسجلة لم يسبقنا إليها غيرها .. ألسنا نحن "العجازون" !! فمن الظلم أن ننسب الخمول للإخوة السودانيين ونصفهم بالكسالى، ويكفيك مرأى أحدهم (والنماذج كثيرة) وهو يعمل في ورشة سيارات .. يفك ويربط ويلحم، وأجزم بأننا بوضعنا الآنف ذكره لن نستطيع عمل ما يعمله، أو إذا أردنا قلنا : يا أخي والله تعبان .. عاجز .. متعيجز .. من هنا حق لنا أن ننعت أنفسنا بـ "العجازين" .. وحري بنا أن نحافظ على هذا اللقب ما حيينا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .. الأم : يا أبو فلان جب لنا خبز .. الرد : والله "متعيجز" دقوا على التوصيل السريع الولد : بابا نبغى عشاء .. الرد : "عاجز" لا أقوم، اطلبوا بروستد وهمبرجر من "هرفي" وإلا من "كودو" .. يأكل بعضنا من هذه الوجبات بنهم وشراهة، دون أن نعي مخاطرها الصحية على المدى البعيد .. ودون أن نوعي أبناءنا من خطرها وهم أشد تعلقا بها منا .. لتجدنا في النهاية وقد غزت أجسادنا "الزوائد" في كل مكان .. من الأمام وفي الخلف .. من اليمين ومن اليسار، تحت الإبط وفوق الركبة .. وهكذا ، لقد نصحني طبيب بممارسة المشي لمن لا يجد وقتا لمزاولة الرياضة، وقبل أن يشرح لي ذكرني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه". وثلث النفس هذا (والكلام للطبيب) يكون بممارسة رياضة المشي التي بإمكان أي شخص منا مزاولتها، لمدة 45 دقيقة حتى يستفيد الجسم استفادة كاملة، فربع ونصف ساعة تفيد، ولكنها لا تفيد الجسم بكامله، أما ممارسة الرياضة لـ 45 دقيقة يوميا كفيلة جدا بحرق الدهون وضخ الدم في العروق واستعادة الجسم لحيويته، ولن يؤثر فينا كثرة ما نأكله طالما أننا نمارس المشي كل يوم .. فما رأيكم أن نبدأ بممارسة الرياضة، خصوصا أنكم ترون كيف الأجواء بديعة والأنهار من حولنا والأرض مخضرة في ربيع دائم، غير الوجه الحسن الموشح بالسواد .. أضف إلى ذلك جهود البلديات الجبارة والمشكورة في توفير الساحات البلدية في جميع الأحياء دون استثناء لحي دون آخر.. ويكفي بمجرد أن ترى لوحة كتب عليها: "مشروع إنشاء ساحة بلدية" فإنك لن تنتظر طويلا حتى تراها، عشر سنوات فقط وربما تقل شهرا..!! ولكن لا نضع العقدة في المنشار نحن معشر العجازين .. فعندما ننوي فلن نعدم الوسيلة بإذن الله ..
إنشرها

أضف تعليق