FINANCIAL TIMES

الصحف الأمريكية تواجه تحديات غير مسبوقة تهدد الصناعة

الصحف الأمريكية تواجه تحديات غير مسبوقة تهدد الصناعة

إن توقف صحيفة عصرية عن الصدور يشكل حدثاً في الزمن الفعلي، وكذلك لوسائل الإعلام المتعددة. وعندما تمت دعوة الصحفيين العاملين في صحيفة "روكي ماونتن نيوز" إلى غرفة الأخبار في مدينة دينفر بولاية كولورادو الأمريكية في 26 شباط (فبراير) لإبلاغهم أنهم كانوا يعملون على الإصدار الأخير، أدخلوا الإعلان في المدونات الحية، ومشاهد الفيديو على الإنترنت، والمشاهد البطيئة للزملاء الذين يبكون، وبث مباشر على مدار الدقائق بشأن المستجدات على موقع "تويتر" Twitter الإلكتروني. وكانت إحدى العبارات المسجلة على موقع "تويتر" كالتالي: "إنه أمر في غاية الغرابة عندما تغطي خبر جنازتك". إن الأنباء السيئة بشأن صحف أمريكا تتدفق بسرعة بالغة لدرجة أن صحافتها لا تستطيع مواكبتها. وشكل إغلاق صحيفة "ذا روكي" بعد 150 عاماً من الصدور ذروة أسبوع انضمت فيه صحيفة "جورنال ريجستر كومباني"، و صحيفة "فيلادفيا إنكويرر" التي يعود تاريخ تأسيسها إلى 180 عاماً إلى مالكي صحيفة "شيكاغو تريبيون"، و صحيفة "مينابوليس ستار تريبيون " في قضايا تتعلق بالإفلاس. تهدد مجموعة هيرست الإعلامية بإغلاق صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكال"، وقالت الأسبوع الماضي إنها سوف تصدر صحيفة "سياتل بوست إنتيليجنسر" بالنسخة الإلكترونية فقط. وحذت مجموعة جانيت الإعلامية، مالكة صحيفة "يو إس توداي"، حذو صحيفة "نيويورك تايمز" في تخفيض توزيعات أرباحها للاحتفاظ بالسيولة. وتوقفت العناوين الصادرة عن صحيفة "سينسيناتي بوسطن"، وصحيفة "نيويورك صن" التي يعود تاريخ تأسيسها إلى ستة أعوام. تكتب عبارات النعي بشأن قطاع عمل الأنباء في غرف الأخبار في شتى أرجاء العالم، في الوقت الذي تتقلص فيه عوائد الإعلان التي طالما ساهمت في تكاليف جمع الأخبار، بينما تستولي وسائل الإعلام الرقمية على دور الطباعة، كوسيط بين المعلنين والزبائن. ولا تؤثر الأزمة في الأخبار المطبوعة فحسب: إذ أن معظم مجلات الأخبار، ومنافذ بث الأخبار، ووكالات بث الأخبار الإلكترونية، تعاني أيضاً. لم يكن التأثير في أي مكان على أية حال، أعظم مما هو عليه في صناعة الصحف في الولايات المتحدة، حيث الهوية المدنية، وقبضة احتكارية في الغالب تمتلك مصادر صحيفة محسودة من قبل عديد من الصحف الوطنية في بلدان أخرى. ولا تعتبر نسبة التوزيع والإعلان المتراجعة شيئاً جديداً – ولكن إلى فترة أخيرة، كان الأمل بإمكانية إنقاذ الصحف من قبل الملكية الخاصة، أو بواسطة عمليات اندماج لعناوين متعددة تحت أسماء أقل، وشركات أقوى، من أجل تخفيض التكاليف. إن حالات الإفلاس والإغلاق التي فرضها التراجع بما يقارب الثلث في عوائد الإعلان منذ ذروتها في عام 2005، مزقت تلك النظريات، الأمر الذي ترك المالكون يبحثون عن أفكار جديدة. ولكن ما آفاق وجود حل عندما تتوقع شركة باركليز كابيتال انخفاضاً آخر يبلغ 21 في المائة في عوائد الإعلانات في الصحف في هذا العام فقط؟ ركز جدل دائر على الصفحات بشأن المالكين ذوي العلاقة على أملين جديدين: أن تحل الهبات الخيرية مكان نماذج الأعمال التجارية، وأن يُفرض على القراء الذين اعتادوا إيجاد الأخبار على الإنترنت مجاناً، أن يدفعوا. وجادل ديفيد سوينسن، ومايكل شميدت، من منحة جامعة يال في صحيفة "نيويورك تايمز" هذا العام قائلين: "على المحسنين التقدميين التصرف الآن، أو مراقبة عنصر حيوي من عناصر الديمقراطية في أمريكا يتلاشى بلا قيمة." وقدر الاثنان أن أكثر من 200 مليون دولار (143 مليون جنيه استرليني، 155 مليون يورو) من التكاليف السنوية لغرف الأخبار الخاصة بها يمكن تغطيتها، بواسطة منحة مقدارها 5 مليارات دولار تضمن استقلالها. ومستنتجاً من تقديرات يال، قدر مختبر نيمان للصحافة أن تكلفة مساعدة كل صحيفة صادرة في الولايات المتحدة يمكن أن تصل إلى 114 مليار دولار. إن النماذج الخيرية قائمة في واقع الأمر: تدعم "بروبابليك"ا ProPublica، التي تصدر "صحافة التحقيق للمصلحة العامة"، مؤسسة ساندلير وصناديق أخرى. وتم تأسيس "مينيبوست دوت كوم" في مدينة مينابوليس سانت بول في ولاية مينسوتا بتمويل من العائلات والمؤسسات المحلية. أما خارج الولايات المتحدة، فإن الدولة تتدخل في بعض الأحيان. وتقوم فرنسا بحقن 600 مليون يورو (776 مليون دولار، 554 مليون جنيه استرليني) على مدار ثلاث سنوات، بمضاعفة الإعلانات الحكومية في الصحف، ومنح إعفاءات ضريبية بشأن الاستثمارات الرقمية للناشرين. ويمارس الناشرون المحليون في المملكة المتحدة ضغوطاً جماعية من أجل وجود قوانين منافسة أكثر تراخياً للسماح بتنفيذ الاندماجات. إن فكرة المساعدات الخيرية، أو من جانب الدولة، تجعل كثيرين قلقين. فمن شأن المساعدات أن تخلق منافسة غير عادلة للمنافسين التجاريين. وفي كافة الأحوال، فإن عديدا من الهبات تعاني فعلياً من تراجعات مدفوعة من جانب السوق. ويقول ألان موتر، وهو محرر صحف مخضرم يكتب مدونة "رفلكشنز أوف نيوسوسر" المؤثرة. ويقول إن هناك صحيفتين بارزتين من المفترض أن تكونا محميتين بواسطة جهات راعية غير ربحية، لكن صحيفة "كريستيان ساينس مونيتر" تخلت عن نسختها المطبوعة، ويقوم معهد بوينتر ببيع مطبوعة "كونجريشينال كوارترلي" لدعم صحيفته الرئيسة "سانت بيترسبوغ تايمز" بولاية فيلادلفيا: "لا يوجد شيء يتعلق بذلك الشكل من الملكية من شأنه أن يعزلك". بدلاً من ذلك، فإن فكرة تقاضي رسوم مقابل الأخبار على الإنترنت تزداد زخماً بعد قصة الغلاف التي اعترف بها "تاجر الطباعة القديمة" في مجلة "تايم" الأسبوعية. وعاد والتر إيزاكسون إلى المركز الذي كان شغله في الماضي كمحرر إداري، للمجادلة بالقول إن الأخبار يجب ألا تكون مجانية على الإنترنت بعد الآن. لغاية الآن، فإن مؤسسات الأخبار المتخصصة مثل "وول ستريت جورنال"، و"فاينانشال تايمز"، ومطبوعات التجارة، نجحت في توليد عوائد اشتراك معتبرة على الإنترنت. وحيث إن نمو الإعلان على الإنترنت يتباطأ، حسبما كتب إيزاكسون، فإن منافذ الأخبار العامة كانت بحاجة إلى ابتكار طريقة سهلة على غرار طريقة آي تونز iTunes للدفعات الجزئية"، إذ إنها تعرض منتجاتها مقابل خمسة سنتات للمقال، أو سنتا في اليوم، بالطريقة ذاتها التي يبيع بواسطتها متجر أبل للموسيقى، "آي تونز، الأغاني والألبومات. ولم يكن للمحاولات الماضية من أجل تقاضي رسوم مقابل المقالات المختلفة أية جدوى، غير أن دعوته جاءت في الوقت الذي كان فيه عديد من المالكين يستنتجون أن قرارهم مطاردة الإعلانات على الإنترنت بدلاً من عوائد الاشتراكات، لم يؤت ثماره. قال مجموعة كابلفيجن، مالكة صحيفة "نيوز داي"، و"هيرست"، ناشر صحيفة "هيوستن كرونيكال" أنهمها سوف يبدآن بتقاضي الرسوم من قراء مواقعهما الإلكترونية. وألمح آرثر سولزبيرجر، رئيس صحيفة "نيويورك تايمز"، في الأسبوع الماضي إلى أنه سوف يعيد إحياء المحاولات لتقاضي الرسوم بشأن المحتوى، بعد 18 شهراً من إنهاء تلك المبادرة. وقال أمام جمهور جامعي: "قمنا بتجديد تحليلاتنا حول الطريقة التي يمكن بواسطتها أن يوسع المحتوى المدفوع عملنا الأساسي في الإعلان." حيث إن البند النموذجي على الصفحة الرئيسة لأخبار "جوجل" يرتبط بمئات القصص – المجانية- المماثلة حول الموضوع ذاته، فإن تقاضي الرسوم بشأن معظم الأنباء سيكون أمراً بالغ الصعوبة، "ما لم يتغير المنتج جذرياً"، حسبما تقول أنثا ستراتيجوس من شركة أوتسيل لأبحاث النشر. ولتحقيق النجاح، يجب أن توفر الصحف بناءً على ذلك المحتوى الذي يجده القراء أكثر قيمة من الحجم الكلي للمعلومات المباعة تجارياً. قال ستيفن سوارتز، رئيس صحف مجموعة هيرست للموظفين: "علينا أن نوظف موارد الموظفين في بناء قنوات المصالح التي تملك الفرصة الأكبر: تلك التي تم بناؤها حول فرق تشجيع الرياضة، ورياضات الأبناء التي ترعاها الأمهات، ورياضات المدارس الثانوية، على سبيل المثال، لا الحصر". وينظر إلى صحيفة "بلوفتون توداي"، التي أطلقتها شركة موريس كوميونكيشنز للاتصالات، بعد أن أغلقت صحيفة "كاليفورنيا مورنينج نيوز"، كإحدى هذه الطرق إلى الأمام: فهي مغرقة في المحلية، بوجود مدونات للقارئ على موقعها الإلكتروني. ولكن بصفتها واحدة من عدد قليل من المبادرات على الإنترنت التي أنتجت نسخة مطبوعة ناجحة، فإنها تمثل نموذجاً يمكن أن يكون له أتباع جدد في القريب. يمكن أن يكون التعاون بين الناشرين على "آي تيونز" من أجل الأخبار على أية حال، أحد الحلول العديدة المستحيلة في ظل قيود مكافحة الاحتكار المصممة في مجال كان فيها صانعو السياسة أكثر قلقاً بشأن تآمر مالكي الإعلام فائقي القوة، وليس بشأن ضعف السلطة الرابعة. وتم منذ عقود منع الاندماجات بين الصحف المتقاربة، أو بين مالكي الصحافة المطبوعة وهيئات البث الإذاعي في السوق ذاتها. يبدي مالكو الإعلام قليلاً من الأمل من حيث أن هذا الأمر سوف يتغير في ظل الرئيس باراك أوباما، الذي أيد تنويع ملكية وسائل الإعلام. وقال جون تشاتشاس، الرئيس المشارك لممارسات الإعلام في مجموعة لازارد، التي تقدم المشورة بشأن إعادة هيكلة عدة صحف، وذلك لصحيفة "دالاس مورنينج نيوز" في الشهر الماضي: "إن الأمر كما لو أن المنظمين كانوا نائمين خلال إدارة إيزنهاور، واستيقظوا محملقين بانشداه في آي فون". ويجب استثناء الصحف من قيود مكافحة الاحتكار لفترة تكفي لتأسيس "نظام على نطاق الصناعة، لمتابعة ومقاضاة أولئك الذين يعيدون استخدام المحتوى" من قبل مجمعي الإنترنت، حسبما يجادل بالقول. يمكن أن يساعد تقاضي الرسوم مقابل الأخبار على الإنترنت في تحسين عوائد الناشرين، ولكن ذلك من شأنه أن يعالج مشكلة واحدة فقط من مشكلاتهم. وتبين موجة الأنباء القاسية أن تحديات الصناعة تقع ضمن تصنيفات ثلاثة عريضة: التباين بين التكاليف والعوائد، وهياكل رأس المال غير المناسبة، والزيادة في العرض. وأي أمل في وجود قطاع عمل أخبار دائم يكمن في معالجة هذه التصنيفات الثلاثة جميعها. وقال سوارتز لموظفيه: "إن أحد الاستنتاجات التي لا مفر منها التي خرجت بها دراستنا هو أن قاعدة التكاليف لدينا لا تتماشى على نحو مهم مع العوائد المتوافرة في قطاع عملنا اليوم. ولا مفر بالمثل، من أنه خلال الأوقات الجيدة طورت صناعتنا ممارسات للأعمال كانت في أفضل أحوالها غير فعالة". يشبه جونثان ني، مدير برنامج الإعلام في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال، هياكل التكلفة "التي تقادم عليه الزمن" الخاصة بالصحف، بهياكل التكلفة في صناعة الطيران. ويجادل قائلاً إن نقابات العمال، والاستخدام غير الفعال للمطابع، وشبكات التوزيع، ورفض الصحفيين المتكرر للسؤال ما إذا كان ما يريدون تغطيته يخدم مصالح القراء، أبقت جميعها التكاليف عالية. على الصناعة أن تعيد التفكير في افتراضاتها، وإسناد مهام الطباعة والتوزيع إلى مصادر خارجية، ونشر الإعلانات على الصفحات الأولى الذي قاومته منذ فترة طويلة. وكانت التخفيضات على التكاليف ساحقة. وأعلنت مجموعة مكلاتشي، التي تمتلك صحيفة "ميامي هيرالد"، عن ثلاث خطط لإعادة الهيكلة منذ شهر حزيران (يونيو)، تتعلق بتخفيض أكثر من أربعة آلاف وظيفة في المجمل. وهناك مخاوف يرددها قادة النقابات والمستثمرون على سواء، ومفادها أن التخفيضات العشوائية في الوظائف تجعل الأمر أكثر صعوبة في إنتاج محتوى ذي قيمة للمستهلكين، سواء في الصحافة المطبوعة أو على الإنترنت. هناك عدة ناشرين يخفضون التغطيات الوطنية أو الأجنبية للتركيز على المناطق المحلية، بالاعتماد على وكالات الأنباء بالنسبة للباقي. وتخطط خمس صحف في ولاية نيويورك، وولاية نيوجيرسي، للمشاركة في المقالات والصور. ومرة أخرى، ربما يعمل قانون المنافسة على تعقيد مزيد من التعاون. غير أن خدمة الدين هي التي تمثل أحد أكبر التكاليف بالنسبة لعديد من الناشرين. ووجد تحليل أجرته وكالة موديز على ستة مشغلين كبار في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) أن على جميع الصحف ديونا فيما عدا مجموعة جانيت، أكثر بأربعة أضعاف عوائدها قبل الفوائد، والضريبة، والاستهلاك، والإطفاء. وفي حالة صحيفة "تريبيون"، كان المضاعف 12.3. ويقول موتر: "ما زال عدد من شركات الصحف هذه شركات جيدة بشكل منطقي، ولكن المشكلة أنه استحق عليها كثيرا من الديون". يقدر آخرون أن ربحية الصناعة أعلى من ذلك. ويقول ني إن الصحف تتمتع بهوامش ربحية أعلى من استوديوهات الأفلام، أو شركات الموسيقى- الأمر الذي يوفر الدعم ضد العوائد المنخفضة. غير أن تخفيض مضاعفات الديون إلى نسبة أكثر استدامة تبلغ ضعفين إلى ثلاثة أضعاف العوائد قبل الفوائد والضريبة والاستهلاك والإطفاء، سوف يقتضي إعادة هيكلة قاسية. وتقول ستراتيجوس: "في بعض الحالات، ربما يكون إعلان الإفلاس خياراً مناسباً"، لأنه يسمح للناشرين بالتعامل مع عقود النقابات، ومطلوبات التقاعد، والتكاليف التشغيلية الأخرى. بالنسبة لبعض الناشرين، فإن إغلاق مزيد من الأسماء سيكون الخيار المجدي الوحيد. وربما يساعد اختفاء بعض المنافسين من سوق مكتظة ومتقلصة قطاع الصناعة، على أية حال. وقال دين سينجلتون، مالك الصحيفة الأخرى في دينفر، عندما أغلقت صحيفة روكي: "من شأن ذلك أن يحسن جذرياً مصادر تمويل صحيفة دينفر بوست". إن آفاق أسماء أقل، ومركزة أكثر تواجه منافسة أقل، وتوظف عدداً أقل من الصحفيين وتتقاضى الرسوم من القراء الذين كانوا يتمتعون في الماضي بمحتواها مجاناً، أمر غير مستساغ بالنسبة للكثيرين. وربما يكون الأمل الأفضل للصناعة المتعثرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES