Author

في طهران: "نيتشي مورا" لم يوقف النسورا

|
- اللهم أعطني سيفاً، ولا تحوجني لاستخدامه.. ..التحاملُ غير الظلم، فالظلمُ يكون من شخصٍ على شخص، أو على فئةٍ من الناس، بحرمانهم من الفرصةِ العادلةِ التي هي من صميم حقوقهم، والتحاملُ هو أن يكون مع الظلم كره، وتخطيط لهذا الكره وتأجيجه.. وفي طهران تعرض فريقنا للاثنين. ولا يهم في الأمور العاديةِ النصر والفوز في اللعبةِ الرياضية إلا بقدر ما تستعد الأفرقة أو تخفق في الاستعداد، أو أن يتفوق الفريقُ المقابلُ لأنه أكثر استعداداً، أو لأن مع الاستعدادِ تـُهَيء الظروفُ إعداداً أقوى.. ولا يتعدى الفوزُ والخسارة هذا الحد.. وهذا ما نسميه بالروح الرياضية. على أن الذي حصل في طهران يتعدى مجرد اللعبة إلى إساءة النوايا على مستوى الدول من قبل التحكيم، وفيه انتهاكٌ متعمَّد للأنظمة العالمية المتفق عليها، واستخفاف بالقانون الدولي سواء أكانت لعبة أم صفقة بين الدول، وفيه استصغار لاحترام الصيَغ الدولية.. لذا يجب ألا تقف رعايةُ الشبابِ في الاتحاد الكروي الآسيوي والدولي عن المطالبة بالنظر في هذا الموضوع البالغ الحيوية في التحامل على المنتخب الوطني، وإجراءُ العقاب ليس فقط إنصافاً لنا، ووقوفا ضد التعصّبِ والكُرْهِ ضدنا كدولةٍ وكشعب.. ولكن أيضا من أجل مصلحة القانون الدولي في مطلقات عمومياته، بأي مجال. والوقوفُ ضد التحامل والتكالب علينا لن يجدي إن لم يعرف القائمون على الاتحادات أننا نملك حُسَاماً في غمدِهِ، لا نحب استخدامه ولكنه موجود، وهذا الحسامُ هو القوةُ والاصرارُ على المطالبة بالحقّ وإحقاق العقاب، والتحريص على عدم التكرار. .. ما سبق كان الجانبُ المظلمُ من حكاية مباراتنا مع إيران ليلة السبت الماضي.. على أن باقي جوانبها تغمرها الأنوار. - لا يمكن للإنسان أن يخسر، وهو يُصِرُّ على الاستمرار في المحاولةِ للفوز. وهذا ما طبقه شبابُ المنتخبِ بكل اقتدارٍ، كانوا أبطالاً يحرثون ملعبَ الحريةِ في طهران، وكانوا نسوراً أحراراً في الأجواءِ رغم كل السلاسل التي حاول الحكمُ الياباني "نيتشي مورا" أن يكبـّلهم بها لقيعان الأرض.. وهنا معنى الروح الحرّة، إنها لا تعتمد على تأثيرات الخارج، ولكن تنطلق من نوابض الداخل.. والبطولة تعني بكل بساطةٍ وواقعيةٍ: التحملُ أكثر. ولقد أثبت الشبابُ قدرةً متفوقةً عل التحمّل، وقدّموا صورةً عن الشبابِ السعودي أبلغ وأقوى وأمضى من حملاتٍ إعلاميةٍ وإعلانية. لقد دفع هؤلاء الشبابُ من عرَقِهم، وحرق نسيج عضلاتِهم، وهدير نبضات قلوبهم ثمناً لسمعةٍ لا تحتاج إلى دليل ولا تلمُس للإقناع. فقط، أن يصدّقَ العالمُ ما يراه. لقد صنع الحكمُ ظروفَ الشوط الأول، وتمكن اللاعبون من صنع مقتضيات الشوط الثاني. خرجوا بالفوز بعد حرمانهم من فرصتين صريحتين (بسبب الظلم والتحامل) في الشوط الأول، وفي الشوط الثاني حلقـّتْ النسورُ للذرى رغم رعد وقصوف هدير مائة ألف حنجرةٍ تتشقـّقُ بالصراخ في الملعب الطهراني محاولين أن يبثوا الخوفَ فيهم، ولكنهم فتيةٌ بثـّوا الشجاعةَ بين أنفسِهم.. هذا طبعُ النسورِ: لا تعرفُ إلا أن تحلـِّق في الأعالي.. وكانت الخطة أيضا بسيطةٌ وبليغةٌ معا في التنظيم التشكيلي التقليدي، ولكن الخطة مهما كانت هي قوس الرمْي، ولا تنفع بلا سهامٍ تنطلق منها، ولقد كان اللاعبون سهاماً خاطفة من إبداعٍ وقوةٍ وفورةِ حماسةٍ حطمت كل العوائق. وأكيد أن ملايين المشجعين للأخضر كانوا يشعرون أن الوقتَ يطير والفريق الإيراني متفوقٌ بإصابةٍ ضد الفريق السعودي.. وثبت فعلا أن الوقتَ يطير، وثبت شيءٌ آخر: أن لاعبينا كانوا هم الطيّارون. وبمناسبة الطيورِ والطيران، يقول المثلُ الروسي: "الأطيارُ لا تغرّد إلا بعد العاصفة"، فتصاعد تغريدُ الفريق السعودي بعد أن اشتدّت عاصفة التحكيم.. وقدّمَ شبابُنا نضجاً أمام العراقيل حين لا ينفعك إلا جـِدُّك وإصرارُك متى ما تخلى عنك العالم. كانت المباراةُ درساً في البطولةِ، والسمعةِ، والإصرار، والحبِّ، والرجولةِ، والجدية.. والأهم شجاعة الإصرار.. فالإصرارُ العظيمُ ينتجُ رجالاً عظاما. و إن لم تقبل إلا النصرَ، ورفضت أي شيءٍ مقابل التنازل عنه، فإنك غالباً ستحصل عليه!
إنشرها