Author

حماية الصناعة ودعم المستثمر الأجنبي .. لمصلحة من؟

|
مع تفاقم الأزمة العالمية ترتفع الأصوات المنادية بحماية الصناعات الوطنية في جميع أنحاء العالم, منذرة بتقويض جهود بذلت لعشرات السنين لتحرير التجارة العالمية من القيود المفروضة عليها التي تحد من تدفق السلع والخدمات بين دول العالم. هناك أيضا أصوات من رجال أعمال محليين يستغلون هذه الأزمة لفرض مزيد من الحماية على صناعات لا تمثل قيمة وطنية مضافة إلا لجيوبهم فقط. وهنا يجب التنبه إلى أن جعجعة هؤلاء وادعاءهم أن كثيرا من الدول بدأت تفرض إجراءات حمائية لسلعها قد لا يكون صحيحاً. الأزمة المالية الحالية تحدث في وقت ارتبط فيه كثير من دول العالم باتفاقات تجارية بعضها بعضا من خلال عضويتها أو سعيها إلى عضوية منظمة التجارة العالمية. واللجوء إلى الحماية مرة أخرى سيعرض الدولة العضو لعقوبات ربما تفرضها عليها المنظمة إذا ثبت أن ذلك لا يستند إلى حق قانوني منحته اتفاقية الانضمام إلى تلك الدولة، كحماية الصناعات الناشئة والفترات الانتقالية التي تمنح للدول النامية لحماية صناعاتها. بالنسبة إلى المملكة على وجه الخصوص يجب أن ينظر إلى مفهوم الحماية للصناعات من منظور آخر غير الذي اعتدناه في السابق. فما اعتدناه في السابق تعريف الصناعة الوطنية من خلال المفهوم المكاني لا من خلال المفهوم الاقتصادي لها والذي يمثل ما تضيفه تلك الصناعة من قيمة اقتصادية مضافة من خلال استغلال وتوظيف عناصر الإنتاج المحلية, ومن أهمها عنصر العمل الوطني. وعلى هذا الأساس تم في السابق تقديم الحماية لكثير من الصناعات المحلية علاوة على تقديم كثير من القروض والمنح لها على الرغم من أن قيمتها المضافة تذهب في اتجاهين لا ثالث لهما. الاتجاه الأول مالك المشروع, الذي قد يكون في بعض الحالات سعودياً متستراً، والاتجاه الثاني الدول مصدر العمالة التي تستفيد من التحويلات المالية للعاملين في المصنع .. لكن من يتحمل تكلفة الحماية تلك؟ بالطبع المواطن الذي حرم من سلع أكثر جودة وأقل تكلفة في سبيل حماية الوهم. إن التجربة التي مرت بها سوق العمل الوطنية خلال السنوات السابقة من خلال مقاومة كثير من الصناعيين الوطنيين عملية السعودة وهجرة بعضهم إلى دول مجاورة بحجة تضييق الخناق عليهم بسبب سياسات السعودة, يجب أن تجعلنا نعيد النظر ونتساءل عن المصلحة المرجوة من حماية بعض الصناعات المحلية أو حتى تقديم التسهيلات لها، خصوصاً إذا كانت تلك الصناعات لا تستطيع أن تستمر إذا ما وظفت المواطن السعودي. لذلك يجب تغيير المعايير التي يتم بموجبها تحديد الصناعات المؤهلة للحماية حتى لو كانت تلك الصناعات صناعات ناشئة، وعلى رأس تلك المعايير دور تلك الصناعة في توظيف المواطن السعودي. إضافة إلى ذلك، يجب مراعاة ألا تؤدي تلك الحماية إلى إضرار بمصالح المستهلكين من حيث تحجيم خيارات الاستهلاك المتاحة لهم أو زيادة تكلفة تلك الخيارات. لأنه ليس من العدل أن يتم رفع تكلفة الاستهلاك على 22 مليون نسمة في سبيل تحقيق مصلحة عدد محدود من الأشخاص. على الجانب الآخر تكتمل حلقة الحماية للأجنبي على حساب المواطن عندما يتم توظيف مفهوم الاستثمار الأجنبي بشكل يؤدي إلى التأثير بشكل سلبي في الاقتصاد, فتقديم تسهيلات غير مسبوقة للاستثمار الأجنبي دون اعتبار لمعايير القيمة المضافة للاقتصاد وللمواطن السعودي يؤدي إلى استفادة الأجنبي بشكل كامل من مزايا حماية الصناعة المحلية دون أن يقدم أي شيء يذكر للاقتصاد, فرأس المال يمول محليا والعمالة تجلب من الخارج والمنتج تتم حمايته والعوائد يتم تحويلها دون أي قيود إلى الخارج. إذا كان الأمر كذلك، فماذا تحقق للاقتصاد وللمواطن السعودي بالتحديد من سياسات الحماية للصناعة أو من سياسة فتح الباب للمستثمر الأجنبي على مصراعيه دون أدنى اعتبار لمعايير القيمة المضافة للاقتصاد؟ هل يمكن أن نعد صناعة المسامير والدبابيس وأباريق البلاستيك صناعة وطنية لمجرد أنها صنعت على أرض المملكة؟ هل يمكن أن نعد فتح مطعم مثلوثة استثماراً أجنبياً يخول صاحبه الحصول على تسهيلات لا يحصل عليها المواطن نفسه؟ إن المعيار الذي يجب أن يتم بموجبه وضع السياسة الاقتصادية هو ما يمكن أن تحققه تلك السياسة من قيمة مضافة للاقتصاد. ومحور القيمة المضافة في كل اقتصاد في العالم هو المواطن وقدرة تلك السياسة على خلق دخل إضافي لهذا المواطن الذي سيقوم بإعادة استثمار أو استهلاك هذا الدخل داخل الاقتصاد. ومن ثم فإن أي سياسة حماية للصناعة أو سياسة فتح للاستثمار الأجنبي لا تقوم على هذا المبدأ ستؤدي إلى نتائج عكسية على الاقتصاد، ولنا في دبي عبرة!
إنشرها