Author

من الجانب الآخر

|
الصورة العالمية عن السعودية صورة تباينت أبعادها وملامحها وجوانبها من شرق الأرض إلى غربها. صورة غاب عنها الهدف والإدارة والتوحيد, صورة غاب عنها الفهم الاستراتيجي بأهميتها في عصر يعتمد فيه النجاح الدبلوماسي المعاصر على وضوحها وبروزها وحضورها في أذهان الآخرين. الصورة ليست إعلامية فقط وليست صورة دعائية أو تسويقية أو صورة تخيلية, الصورة صورة مبادئ وقيم وثوابت أخلاقية وتعاملية لا يمكن تزييفها أو تلميعها أو تبديلها فهي كما هي, وليس كما نتمنى أن تكون أو كما كانت عليه في قرونٍ تبعثرت ماهيتها على سطوح السنين وتخلخلت أُطرها بين تعاقب الليالي والأيام. صورة السعودية اليوم هي نحن وأفعالنا وأخلاقنا وتعاملنا ودولتنا بما شملت من جامد ومتحرك في مجتمع دولي لنا فيه حضور وتأثير وإسهامات فاقت الكثير من الدول. غياب الصورة الجامعة والمنصفة لما هي "السعودية" عند الآخرين هو غياب في ثقافتنا إما بأهمية صورتنا لدى الآخر أو بأهمية الآخر لثقافتنا. كلا الأمرين يدعوان للقلق, فعدم الإدراك لما تمثله الصورة الإيجابية في المجتمع الدولي من أهمية قد يستدل منه الآخرون على أن لدينا مجتمعا مفككا غير قادر على تكوين رسالة سعودية موحدة بسبب شد تياري وتمزيق فكري فتاك وهذا له انعكاسات كبيرة على دبلوماسيتنا الخارجية وتبادلنا الاقتصادي والتجاري وله تأثير كبير في شخصية الفرد السعودي في الخارج الذي قد يدفع للتخلي عن انتمائه الثقافي والعاطفي كسعودي والتلبس بصورة مناقضة لهويته السعودية بسبب تذبذب صورته كمواطن سعودي أو قد يتشدد أكثر في فرض مبادئه وقيمه الثقافية على من حل عليهم نزيلاً وضيفاً فلا يتقبل منهم شيئا ولا يدرك بأهميتهم في تبادله الثقافي والمعرفي, وقد يعتقد أن التحدث عن صورة بلده في الخارج تعد محاولة ليس فقط لإرضاء الآخرين بل استسلاماً لثقافتهم! صورة السعودية في الخارج لا تحتاج إلى تحسين ولا تلميع ولا حتى توضيح, صورة السعودية تحتاج إلى توصيل مستمر لما تقوم به المملكة تجاه المجتمع الدولي والإنسانية. فنحن رواد في محاربة الإرهاب وأشراره وفي تحقيق فهم كبير وتوائم بين الأديان السماوية ومذاهبها وفي تحقيق استقرار في اقتصاد العالم المضطرب ونحن من المساهمين المباشرين في العمل على تحقيق سلام دائم في هذه الأرض ونحن من أكبر المتبرعين عندما يحتاج الإنسان إلى الإنسان. مبادؤنا وقيمنا سامية وأعمالنا مشرفة واتجاهاتنا كريمة وقيادتنا الحكيمة لها تقديرها واحترامها الدولي. مع هذا كله فإن الإنسان العادي في الخارج لا يعي من هذا كله إلا القليل جداً!! على سبيل المثال أظهرت نتائج دراسة قام بها معهد جالوب أن 30 في المائة من الأمريكيين لهم انطباع جيد تجاه السعودية. من البساطة أن تفسر هذه النتيجة على أن 70 في المائة من الأمريكيين لديهم انطباع سيئ عن السعودية, إلا أن الحقيقة من أن هؤلاء الـ 70 في المائة ليست لديهم معرفة كافية وشاملة عن السعودية ودورها الذي تقوم به في العالم. أي أنها مسألة إيصال وإدارة لصورتنا في المجتمع الأمريكي, فمن الواضح أن هذه النتائج تدل على أننا لم نوفق في تفعيل وإبراز صورتنا بشكل ناجح. إذاً أين الخلل وأين القصور؟ ولماذا لا توجد وسائل إيصال فعالة لصورتنا في الخارج؟ ولماذا لا تزال صورتنا متباينة وغير متكاملة في أذهان الآخرين؟ على الرغم من نجاح دبلوماسيتنا الخارجية وتفوقها إلا أنها لم تستطع إيصال صورة السعودية بشكل تتم الاستفادة منه كما تفعل جميع الدول المتقدمة. ليست وزارة الخارجية هي المسؤول الوحيد عن إيصال وإدارة صورة السعودية في الخارج, فبما أن الصورة تعكس الثقافة السعودية في الخارج فهناك جهات عديدة لها أدوار متداخلة في إيصال وتكميل صورتنا مثل وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة والإعلام والهيئة العليا للسياحة وغيرها من الأجهزة الحكومية. الصورة السعودية تجزأت وفقدت جامعيتها وتكاملها ما بين هذه الأجهزة التي تدلو بدلو مختلف في هذا الشأن. هل لنا من إنشاء هيئة خاصة يرصد لها موارد كافية وتزود بخبراء في إدارة التصور وعلم الإيصال تعمل على التنسيق بين كل الأجهزة التي لها دور يمكن لها المساهمة في تكميل وتوصيل صورة السعودية التي لا تزال غائبة عن ثلثي العالم!! هيئة يمكن من خلالها التوفيق ما بين أهدافنا الاستراتيجية وصورتنا في الخارج.
إنشرها