Author

ينابيع المعرفة

|
ينص قانون الينابيع أو قانون ديكارت أنه لا تقرأ ما يكتب عن العظماء ولا بأس به، ولكن ما خط يراعهم هم بالذات، وإذا أردت البناء المعرفي فامض إلى المصادر الأساسية. وكل من أسلم من الغربيين لم يقرؤوا التفاسير، بل مضوا إلى القرآن مباشرة، فذهلوا من التحليق فوق إحداثيات الزمان والمكان والأشخاص، وهو ما أشار له سيد قطب عند قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب، أن الكلمات تشي بطبيعة فوق أرضية، فما معنى البر والبحر وورقة الحب والرطب واليابس والظلمات في جملة واحدة؟ وكذلك حصل مع إسلام (جيفري لانج) أستاذ الرياضيات الأمريكي و(يوسف إسلام) المغني البريطاني؛ فلفت نظره منذ مدخل الكتاب أنه ليس ثمة مؤلف؟ أما قانون اللغتين فيقول إنه لا يكفي أن يقرأ الإنسان بلغة واحدة، حتى لو كانت ترجمات جيدة، بل لا بد من الرجوع إلى الينابيع وبلغتها، هذا لمن أنعم الله عليه فأتقن، وهي مهمة شاقة، خاصة من تعلمها على كبر، فمن فاتته هذه المكرمة فعليه بالنهل من الثقافة الأجنبية لأن المعرفة تنتج هناك ونحن توقفنا منذ عصر المماليك الشراكسة أيام سعيد جقمق، كما أرخ بذلك لهذه النهاية ابن خلدون من الانطفاء الكامل والخسوف الكلي، أو ابن الخطيب في شعره: كنا عظاما فصرنا عظاما!! ويذهب مالك بن نبي في كتابه (وجهة العالم الإسلامي) إلى تفسير رائع في جدوى معركة أنقرة عام 1402 م تلك التي وضعت حدا للاندفاع العثماني لاحتلال أوربا بسيف تيمورلنك وكانت كلتا القوتين إسلاميتين؟ قال لو حدث هذا لانجرف التاريخ مع غروب العالم الإسلامي، الذي لم يكن يحول بينه وبين النهاية أية قوة، ولتأخر سير الحضارة ألف سنة أخرى أو ربما أكثر، كان ذلك في الكتاب مسطورا. وأنا ما زلت أنحت في جبل قاف بالإبرة في جبل اللغة الألمانية، ولكن اعترف بأنني استفدت منها جدا،وربطتني بالمعاصرة وفتحت عيني على ينابيع مهمة في عشرات الحقول المعرفية. وهذا ينطبق عليه آية الجهاد التي فضلت المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، ولكن قالت الآية وكلا وعد الله الحسنى، كذلك الحال من يفتح عينيه على ذخائر الفكر الإنساني باللغة الأصلية أو بعكازات من اللغة العربية؟ وهناك من شدة الأغلاط المطبعية كما هو الحال في معظم الكتب التي تصدر باللغة العربية، مقارنة بمجلة الشبيجل الألمانية التي يقترب من الاستحالة أن تجد فيها خطأ واحدا، وهو ما راهنت عليه يوما لأكتشف خطئي أنا بين كلمتي إثارة وتقليد (Stimulation , Simulation) أما الترجمات السيئة فتغلق الكتاب أمام القارئ، ونموذج ذلك ترجمة المشعشع والشيباني لكتاب قصة الحضارة لديورانت، فهي مع المشعشع أشعة تنير القلب، ومع الشيباني رحمة الله عليه شيبة وضعف. كذلك يسري الحال على كتاب (أفول الغرب) لاشبنجلر الألماني ترجمة الشيباني، الذي يجب أن يترجم كما ترجم البيجرمي كتاب القوة لروبرت غرين؛ فكان بدعة وروعة من الأعمال؟ وهو كتاب أي شطرنج القوة بـ 48 قاعدة في فن إدارة الحكم والبشر؟ ينصح باقتنائه وقراءته وهي ليست دعاية لعبيكان؛ فنحن في حفلة فكر وليس سوق معارض.
إنشرها