على خط النار

على خط النار

تشير التجربة إلى أن الأسهم في شركات الدفاع قد توفر ملاذا آمنا للمستثمرين خلال فترات الاضطرابات الاقتصادية. فخلال فترتي الركود السابقتين، فاق أداء أسهم صناعة الدفاع الأمريكية أداء السوق. وليس هذا مستغربا: فالدفاع زبون للحكومة أكثر من أي صناعة أخرى. وتحدد الحكومات الميزانيات العسكرية وفقا لتورطها في الحروب وتصورها للتهديدات الخارجية- لا يرتبط أي منهما بدورة الأعمال. ولكن هناك شيئا مختلفا يحدث في فترة الانكماش هذه. فقد انخفض مؤشر ستاندرد & بورز 500 حتى الآن في هذا العام بنسبة 14 في المائة، إلا أن أسهم الدفاع انخفضت بنسبة 22 في المائة. والسحابة التي تخيم على الصناعة هي القناعة الكئيبة بأنه بعد ثماني سنوات من رئاسة جورج بوش، التي زادت فيها ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية أكثر من الضعف لتصل إلى 666 مليار دولار، فإن باراك أوباما عازم على تغيير الأمور. إن تخفيض الإنفاق ليس وشيكا على وجه الدقة. فقد تم تحديد الميزانية لعام 2010، التي سيتم الإعلان عنها الشهر المقبل، من قبل الإدارة التي انتهت ولايتها وستقارب قيمتها قيمة ميزانية عام 2009 البالغة 654 مليار دولار. وبسبب تقليص العمليات في العراق، يتوقع مكتب الإدارة والميزانية حاليا زيادة بنسبة 4 في المائة في التمويل الأساسي في عام 2009- ليست حصصا قليلة بالضبط, وما سيحدث في السنوات اللاحقة لذلك هو ما يثير قلق الصناعة. ولم يناقش أوباما التفاصيل، ولكنه في الأسابيع الماضية أعطى لمحات عن تفكيره. ففي قمة حول المسؤولية المالية للبيت الأبيض تم عقدها في 23 شباط (فبراير)، خص بالذكر مشروع إنتاج طائرة هيلوكبتر رئاسية جديدة بوصفه "مثالا على عملية شراء خارجة عن السيطرة"، وطمأن منافسه السابق، جون ماكين، إلى أن الحد من تجاوزات الشراء هو أحد أولوياته الأكثر إلحاحا. وفي اليوم التالي، وفي خطاب ألقاه أمام الكونغرس، وعد أوباما "بإصلاح ميزانية الدفاع بحيث لا ندفع المال لقاء أنظمة أسلحة عهد الحرب الباردة التي لا نستخدمها". وفي 4 آذار (مارس)، ذهب إلى أبعد من ذلك. فقد استشهد بتقرير حديث من مكتب المساءلة الحكومية، الذي وجد أن 95 من عقود الأسلحة الكبيرة تفوق الميزانية بمجموع قدره 295 مليار دولار، وقارن بين المشاريع "التي تهدف إلى الحفاظ على أمن الشعب الأمريكي" مع تلك "التي تهدف إلى جعل مقاولي الدفاع أثرياء". وما زاد من قوة بيان النية للرئيس هو مشروع القانون في الكونغرس الذي تم تقديمه في شباط (فبراير) من قبل Carl Levin، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، وجون ماكين، الجمهوري المهم في اللجنة. وهدفه هو إجبار وزارة الدفاع الأمريكية على اتخاذ موقف متشدد من المقاولين العسكريين الذين لا يسلمون السلع. ويبدو من الواضح أن أوباما مستعد لتقليص أو إلغاء المشاريع التي لا صلة كبيرة لها بالمتطلبات الأمنية لأمريكا في القرن الحادي والعشرين، أو التي أصبحت مزالق مالية محرجة. ولا شك أن برنامج VH-71 لاستبدال طائرات الهيلوكبتر المستخدمة لنقل الرؤساء يقع ضمن فئة المشاريع المحرجة. وشركة Lockheed Martin وشريكتها Augusta Westland، وهي فرع لشركة Finmeccanica الإيطالية، في طور تسليم 28 طائرة هيلوكبتر بتكلفة 13.2 مليار دولار تقع على عاتق دافعي الضرائب. ولكن الأهم من ذلك هي البنود باهظة التكلفة التي من المرجح أن تواجه تدقيقا أكثر صرامة تحت ظل النظام الجديد. فالقوات الجوية تريد دفعة ثانية من مقاتلات F-22 لتضيفها إلى المقاتلات البالغ عددها 187 التي تمتلكها بالفعل بحلول عام 2011. ولكن بعد إنفاق أكثر من 62 مليار دولار حتى الآن على طائرة Lockheed Martin/Boeing، القوية بصورة كبيرة، قد يقرر أوباما والكونغرس أن هذا يكفي. وبرنامج F-35 Joint Strike Fighter هو برنامج آخر يبدو عرضة للخطر. فقد قال مكتب المساءلة الحكومية هذا الشهر أن إجمالي الاستثمار للحصول على 2.456 طائرة ودعمها بالخدمات سيتجاوز تريليون دولار. ويختلف مكتب المساءلة الحكومية ووزارة الدفاع أيضا بشأن مشروع Future Combat Systems للجيش البالغة قيمته 159 مليار دولار، بقيادة شركتي Boeing وSAIC، التي تعمل في مجال تكامل الأنظمة. وتشير حسابات مكتب المساءلة الحكومية إلى أنه يتم تشغيل برنامج Future Combat Systems بقيمة تتجاوز الميزانية بنحو 21 مليار دولار، وقال الأسبوع الماضي إن البرنامج "أنفق نحو 60 في المائة من أموال التنمية، مع أن أكثر الأنشطة تكلفة لا يتم القيام بها إلا قبل قرار الإنتاج". ولن يندهش أحد إذا قرر أوباما وضع نسخة أرخص وأقل طموحا من برنامج Future Combat Systems. وينطبق الأمر نفسه على دفاع الصواريخ، ولكن بصورة أكبر- فأوباما يشكك صراحة بالفكرة بأكملها. ولا تزال شركات الدفاع تمتلك بعض نقاط الجذب بالنسبة للمستثمرين. فكما يشير Noah Poponak من Goldman Sachs، فإن معظمها لديها ميزانيات قوية وتدفق نقدي، كما أن المشهد الجغرافي السياسي ليس أقل خطرا. ولم تتضرر أسهم شركات الدفاع الأوروبية بنفس القوة التي تضررت بها الشركات الأمريكية. وبما أنها لم تشارك في حفلة أوباما، فهي لا تعاني من الكثير من آثار ما بعد الشراب. ولكن بما أنها تمتلك ميزانية عسكرية كبيرة بقدر بقية دول العالم مجتمعة تقريبا، فإنه حتى التغييرات الصغيرة في الإنفاق الأمريكي على الدفاع سيكون له نتائج كبيرة على الصناعة. فالإنفاق العسكري يسير في دورات طويلة. وبعد عشر سنوات سمان، يخبئ المستقبل بعض السنوات العجاف.
إنشرها

أضف تعليق