Author

نحن سعوديون فلا تغتالنا إقليميتنا

|
كنت وما زلت وسأبقى قلقا من أي محاولة أو تصرف جاء بقصد أو بغير قصد للإساءة إلى وحدتنا الوطنية السعودية ومحاولة البعض استغلال أي مناسبة لإبراز أو استغلال الدين أو العلاقات الأسرية أو الاجتماعية أو القبلية أو المكانية أو المناطقية لإظهار التفوق على الآخرين، هؤلاء الآخرين هم أبناء وبنات السعودية التي جاهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لتوحيدها وتحقيق الاستقرار لأبنائها وهو ما عمل عليه وحرص عليه أبناءه من بعده، ومع أن الاعتزاز بالأسرة أو القبيلة أو المنطقة من الأمور الحميدة التي تبرز الصفات العربية الإسلامية الداعمة لاستقرار وتلاحم أبناء الوطن ولكن عندما يساء فهمها أو استغلالها أو إبرازها وفق نطاقها الضيق فإن الأمر هنا يصبح محل اهتمام وقلق وحاجة إلى معالجته لمنع تفاقمه وما يؤديه إلى اختلال في الروابط الوطنية السعودية. كل الأعمال الخيرة التي يتم تبنيها انطلقت من أهداف سامية ونبيلة وكل القرارات السامية والوزارية جاءت في أساسها لخدمة الوطن وأبنائه ودعم ترابطه وتلاحمه, ولكن سوء تقدير البعض لهذه الأهداف السامية جعلهم يندفعون خلف بعض العصبيات التي كادت أن تنسف الخير العظيم عن تلك الأعمال، ولعل بعض الشواهد هنا تذكرنا كيف تحول الاهتمام بالإبل ومزاينها إلى منافسة بين بعض القبائل وأصبحت كل قبيلة تبرز ذاتها خارج إطار النظرة الوطنية حتى إن بعض القبائل التي لا تملك الإبل بدأت تشتريها للتفاخر بالقبيلة من خلالها وهو ما انتبه إليه القائمون على مزايين الإبل وأصلحوا المسار وأعادوه إلى الهدف النبيل الذي أنشئ من أجله. ثم جاءت مسابقات الشعر العربي الفصيح والعامي والشعبي والنبطي والرد وغيره لإعادة الشعر إلى الواجهة والاهتمام باللسان العربي بعد اعوجاجه وتداخله مع بعض اللغات الأخرى ومرة أخرى استغل البعض هذا الهدف النبيل لمسابقات الشعر وتوجه به نحو القبيلة واستغلالها لدعمه وتحميلها ما لا تحتمل حتى إن أحد الشعراء ممن يعرف بسلوكه المشين أصبح علامة إساءة لقبيلته وكان بعضهم يردد أن مثل هذا الشاعر ليس فخرا للقبيلة وإنما إساءة إليها، وتدارك المسؤولون عن أغلب تلك المسابقات هذا الانزلاق السلوكي المسيء وأعادوا المسابقات إلى مسارها الصحيح وهدفها السامي النبيل. اليوم يحاول البعض بقصد أو دون قصد وهو الأقرب إلى الواقع استغلال الأوامر السامية المباركة التي تسعى إلى دعم اللحمة الوطنية والبناء المؤسسي لهذا البلد المبارك ودعم تنميته في إبراز الأسماء التي تم اختيارها وتكليفها من خلال النظرة الإقليمية الضيقة وليس من خلال التمثيل الوطني السعودي الشامل. أعلم ويعلم المنصفون أن اختيار الكفاءات السعودية يتم وفقا لقدراتها الذاتية وليس انتماءاتها الأسرية أو الإقليمية أو القبلية, ومع أن التوازن في ذلك يؤخذ في الحسبان ولكن لا يمكن اختيار شخص غير كفء فقط مراعاة لعلاقاته الأسرية أو المناطقية أو لوجود قريب له ضمن أروقة صناعة القرار، لأن صناع القرار يعرفون أهمية حسن الاختيار بما يضمن تحقيق الأهداف التنموية الوطنية خصوصا أننا نعيش اليوم صراعا حقيقيا تنافسيا مع دول العالم في مختلف المجالات مما لا يسمح بسوء الاختيار أو المجاملة فيها. رحلة محاولة تقسيم المجتمعات وابتزازها رحلة طويلة ولعل الحقبة الماضية التي مرت علينا والتي انعكست في بعض مراحلها بالسلبية على المجتمع السعودي فمن رحلة الشيوعية إلى القومية العربية ثم الناصرية والإخوانية إلى رحلة الطيبين وغير الطيبين إلى السرورية والجامية والعلمانية واللبرالية والقائمة تطول حول محاولة كل مجموعة أو فئة تقسيم المجتمع وفقا لرغباتها واستغلال هذا التقسيم في تقسيم المجتمع للوصول لصالحها وتحقيق أهدافها التي بكل تأكيد لا تنظر إلى الوطن ككل وإنما وفقا لانتماءات إقليمية ودولية لم تحقق للدول التي رعتها أي تقدم أو منافسة مع العالم المتقدم. الجيل الجديد في المملكة نشأ وتربى على المفهوم الأشمل لهذا الانتماء وهو الانتماء للوطن السعودي تحت مظلة المملكة العربية السعودية وأن كل جزء أو حيز من هذا الوطن هو قريته ومدينته ومنطقته حتى إن أحد الأطفال عندما انتقل مع والده وأسرته إلى منطقة أخرى وسأله بعض أقرانه من أي القبائل أنت؟ قال لهم: إنه من السعودية لأنه لا يعرف انتماء أهم وأغلى من هذا الانتماء على أنه من قبيلة ومنطقة معروفة ولكنه لم يرب على الإقليمية الضيقة والانتماء المقسم لهذا الوطن. قد يقول البعض إن مثل هذه الإعلانات أو التهاني لا تؤثر في الآخرين وليس لها الانعكاس السيئ الذي أحذر منه وأقول إن المتابع اليومي للحديث خلف الأبواب المغلقة أو الجلسات التي تناقش ذلك يسمع كيف يتأثر أفراد المجتمع بمثل هذه الحزبية المناطقية ثم تقود إلى المقارنة بين نصيب كل منطقة وقبيلة في الوظائف الحكومية وشبه الحكومية وهذا يؤدي إلى عودة الانقسام المجتمعي واستغلال المخربين والحاقدين والمفسدين له بما يضر بالبناء السليم للمجتمع السعودي. أنا متأكد أن كل أو أغلب من تتم تهنئتهم لا يرغبون في ذلك لأنهم يعلمون أن اختيارهم جاء لكفاءتهم ورؤية ولي الأمر فيهم بما يساعد على تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التنموية الموضوعة، كما أنهم إذا أخفقوا ـ لا سمح الله ـ في أداء العمل فلن يرون ممن طبل لهم أي دعم أو افتخار بهم وهم ما جاءوا لتلك المناصب إلا لخدمة كل حيز مكاني في السعودية. أخيرا دعونا نهتم ببعض التفاصيل لأن عدم الاهتمام بها أو الاعتقاد بعدم خطورتها سندفع ثمنه غاليا كما حدث مع بعض ما حدث في الماضي وعشنا ونعيش بسببه حرب إرهاب، كان يمكن ألا يحدث لو منعا أساسا السماح لفكره ورجاله أن يتوغلوا فينا دون مراقبة وتوجيه وتصحيح مساره. وفق الله الجهود المباركة التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد، عالمي الطموح. وقفة تأمل : إذا أدمت قوارصكم فؤادي صبرت على أذاكم وانطويت وجئت إليكم طلق المحيا كأني ما سمعت وما رأيت
إنشرها