ما هكذا تورد الإبل يا باجبير

ما هكذا تورد الإبل يا باجبير

رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: لقد قرأت مقالة الكاتب عبد الله باجبير في جريدتكم الموقرة في العدد 5612 ليوم السبت الموافق 21 شباط (فبراير) 2009, وكنت ذلك اليوم على الطائرة مسافرا خارج المملكة وانتظرت العودة طويلا للرد على هذه المقالة التي هي بعنوان "رسالة إلى نورة الفايز", التي أجزم أنها تعبر عن رأيه الشخصي فقط والتي قوبلت بردود تعبر عن هذه الحقيقة, وذلك في التعليقات على موضوعه في موقعكم الإلكتروني. حيث إن الكاتب كتب ما نصه "وربما استطعت أن أرى سطورا وتغيب عني بعض السطور", فقد أردت أن أكتب ما تغيب من سطور عن الكاتب في المهمة التي ستقوم بها الدكتورة نورة الفايز في وظيفتها الجديدة, فرسالتي لها تختلف تماما عما كتبه باجبير, فأنا لا أريد من الدكتورة نورة الفايز أن تدخل التاريخ العابر من أوسع أبوابه, ولكني أريدها أن تدخل الجنة الباقية من أعلى درجاتها, فلديها مسؤولية كبيرة وقرارات صعبة .. فأقول لها سيري ونحن خلفك ولكن بثوابتنا التي نستمدها من الكتاب والسنة, وهما مصدر الشرعية لجميع أنظمتنا, ولله الحمد والمنة, كما هي نصوص النظام الأساسي للحكم, وتأكيدات ولاة أمرنا ـ حفظهم الله ـ وليس مصدر الشرعية "رضا المحكومين عن الحاكم", كما قال الكاتب باجبير في مقال آخر, وإلا لكنا بحاجة إلى رضا المجرمين والمعارضين لثوابتنا وشرعية دولتنا, وغيرهم من الناقمين على ولاة أمرنا ومجتمعنا من الفئة الضالة مثلا. وأقول للدكتورة الكريمة: ضعي الله أمام عينيك في كل قرار تتخذينه واعلمي أنك ستسألين عن هذا القرار أمام الله ـ جل وعلا ـ فلن ينفعك إلا عملك الصالح الذي يمكنك أن تؤسسي الكثير منه من خلال منصبك ليبقى لك ذخرا عند الله وذكرا حسنا عند شهداء الله في أرضه, أعني الصالحين من المؤمنين والمؤمنات. لقد قال الكاتب باجبير "قرأت أنك ستحررين بنات بلدنا من قيود كثيرة مفروضة عليهن سواء من حيث مناهج التعليم الجافة البعيدة عن الواقع, والمبتعدة عن إنجازات العالم المعاصر الذي يتقدم بالقدر نفسه الذي به نتأخر .. تجديد المناهج وتخليصها من الحشو واللغو سيكونان فيما أعتقد مهمتك الأولى, ثم وضع مناهج جديدة تستمد من العالم المعاصر أساسياتها". وأقول: بل مهمتك الأولى أن تكوني عند حسن ظن من اختارك في هذا المكان, أعني خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ الذي حملك مسؤولية عظيمة في القيام بشؤون الفتاة السعودية والمعلمة السعودية على نحو يرضي الله ـ عز وجل ـ التي من ضمنها القيود الشرعية ـ لا الأخطاء الاجتماعية ـ التي تحفظ للمرأة كرامتها وعفتها وصلاحها, تلك الضوابط التي تمناها عدد من المثقفات الأجنبيات غير المسلمات, فضلا عن غيرهن, التي تحدثن عنها في وسائل الإعلام المختلفة. دون شك نحن جميعا نريد التنوير والتقدم والعلم لبناتنا, ولكن فيما يرضي الله أولا ثم فيما يخدم مصلحة الوطن ثم المجتمع, ولن يتحقق ذلك إلا بمسيرة عصرية تتمسك بالثوابت ومن خلالها تنطلق في المعاصرة النافعة, بعيدا عن التقليد الأعمى لمن لا يؤمنون بثوابتنا ولا يعترفون بخصوصيتنا كمجتمع استطاع خلال الحقب الماضية أن يساير العالم فيما ينفعه, ملتزما بالضوابط الشرعية، ولا أدل على ذلك من ميدان العمل في المدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها من المؤسسات التي أبدعت فيها المرأة السعودية, دون إخلال بثوابتها. فأي ابتعاد عن إنجازات العالم النافعة تلك التي يتحدث عنها الكاتب؟ لقد طلب الكاتب باجبير من الدكتورة نورة الفايز أن تحرر المرأة من قيود كثيرة مفروضة عليها, وكأن المرأة السعودية في سجن وأن الإسلام لم يعطها حقها, أو أن المجتمع حين يحافظ عليها ـ وفق الشريعة ـ قد قام بجريمة كبيرة لأنه حافظ على عفافها, وهنا أذكر الكاتب بقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ "كمال الحرية من كمال العبودية"، فإذا أكمل العبد عبوديته لله تعالى فسيجد الحرية التي ينشدها. وقد ختم الكاتب باجبير جملته السابقة بقوله: "ثم وضع مناهج جديدة تستمد من العالم المعاصر أساسياتها". ولا أدري إن كان الكاتب يظن أن المناهج أمر يمكن لفرد أن يتخذ فيه قراره دون إقرار من الجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة, التي تراعي خطورة العمل في المناهج, وارتباطها الأصيل بالشرعية التي نص عليها النظام الأساسي للحكم, وآثارها الكبيرة في مستقبل الأجيال. تمنيت لو أن الكاتب قرأ في آلية تعديل أو تغيير المناهج في الدول التي يريد أن تستمد أساسيات المناهج منها, ليعرف كيف يتم اتخاذ القرار في تعديل شيء منها, فضلا عن وضع مناهج جديدة, وكيف تراعي ثوابتها وأسسها الوطنية وخصائص مجتمعاتها. وأخيرا لا أعلم إذا ما كان باجبير يريد الفتاة السعودية أن تكون عالمة ذرة أم لاعبة رياضية؟ وهذا القفز بين طلب العلم والرياضة يشير إلى التناقض والحيرة فيما يطلبه من الدكتورة نورة الفايز, وما لفت نظري في مقالة باجبير عدم المعرفة عندما قال: "إن وجود النساء شرط لدخول الألعاب الأولمبية والمسابقات العالمية, فهذا غير صحيح, وأعتقد أنه لم يطلع على ميثاق دورات الألعاب الأولمبية وإلا كيف دخلت المملكة وبعض دول الخليج دورات الألعاب الأولمبية السابقة؟ ولكن هذا الأسلوب متبع عند بعض الكتاب ليصلوا إلى ما يريدون الوصول إليه من أمور هي أبعد ما تكون عن أولوياتنا الإصلاحية, فضلا عن ثوابتنا الشرعية. وأختم مقالتي هذه بتذكير عبد الله باجبير وبعض زملائه الكتاب بقول الشاعر: كتبت وقد أيقنت حين كتابتي بأن يدي تفنى ويبقى كتابها فإن كتبت خيرا ستجزى بمثله وإن كتبت شرا عليها حسابها د. عبد العزيز العساف [email protected]
إنشرها

أضف تعليق