Author

منح الأراضي .. الرأي الآخر

|
الحديث عن حالة الأراضي في المملكة ودورها في التنمية العمرانية وحل معضلة الإسكان حديث ذو شجون. فالأراضي تمثل عنصرا رئيسا في مكونات التطوير العقاري والتنمية العمرانية، ومن بداهة القول أن أي مشروع عقاري يحتاج بداية إلى أرض ملائمة يقوم عليها. وبالنظر إلى حالة سوق العقار في المملكة، نجد أن هذا العنصر كان على الدوام العنصر المسيطر في جهود التطوير، حيث اتسمت هذه الجهود على مر السنين الماضية بالتركيز على مشروعات تطوير وتقسيم الأراضي والمضاربة فيها، مع مبادرات محدودة خجولة للتطوير والبناء على تلك الأراضي. والحقيقة، أن إحدى أهم سمات السوق العقاري في المملكة هي أن قطعة الأرض، سواء كانت خاما أم مطورة، تعد سلعة تجارية، فلم تعد الأرض قاعدة للبناء، بل أصبحت مادة للمضاربة والتربح، الأمر الذي أدى إلى تضخم غير مبرر لقيم تلك الأراضي قبل بنائها عبر مرورها بدورات متعددة من البيع والشراء وبناء الربح عبر التداول، وأدى بالنتيجة لتعطيل تنمية تلك الأراضي، ومن ثم توفير المنتجات العقارية المطلوبة لسد حاجة المستهلكين، وخاصة في قطاع الإسكان. وفي رأيي المتواضع، فإن هذه الحالة الفريدة هي نتاج طبيعي لنظام منح الأراضي الذي تبنته الدولة منذ مدة طويلة. ومع أن هذا النظام كان رافدا مهما لتنمية القطاع العقاري والسكني في الفترة الماضية، إلا أن مشكلة هذا النظام هي في ترسيخه مفهوم المتاجرة والمضاربة في الأراضي، وتأسيسه ثقافة التطوير الفردي، مع كل ما تحمله هذه الثقافة من إهدار للجودة والقيمة والوقت. وبقراءة لواقع التطبيق، فإن منح الأراضي تشكل عبئا كبيرا على أمانات وبلديات المدن، وتعد عمليا في حكم التوقف في ظل تراكم طلبات المنح المسجلة لدى المؤسسات البلدية. كما أن قطع الأراضي التي يتم منحها تقع في الغالب في مخططات غير مطورة، وفي مناطق بعيدة عن البنية العمرانية، الأمر الذي يجعل من تطويرها وبنائها وإعدادها للسكن أمرا غير ممكن. والحقيقة أن فائدة هذه المنح لا تعدو قيمة بيعها بثمن بخس لا يساوي الجهد المبذول للحصول عليها، أو استخدامها للتسجيل في القائمة الطويلة لقروض صندوق التنمية العقاري. الرأي الآخر هنا حفزته قراءتي لمقال الدكتور علي بن سالم باهمام المنشور في هذه الصحيفة يوم الثلاثاء قبل الماضي. وكاتب المقال بحق أحد خبراء الإسكان في المملكة، وعارف ببواطن الأمور في شؤون التنمية العمرانية، وكان لجهوده أثناء عمله في مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز، للإسكان التنموي كبير الأثر في إنجاح جهود هذه المؤسسة الرائدة. ولكني وجدتني أختلف معه في طرحه حول دور منح الأراضي في حل مشكلة الإسكان في المملكة. فحل مشكلة الإسكان لا يتأتى عبر إيكال المهمة للمواطنين لبناء مساكنهم، ولا عبر أنظمة فقدت جدواها وثبت قصورها، والحديث هنا يمس نظامي منح الأراضي وقروض صندوق التنمية العقاري. إن أساس حل المشكلة يكمن في تغيير شامل لثقافة التنمية والتطوير في المملكة، تكون أركانه في تعليق نظام منح الأراضي، وتوفير الأراضي للمطورين عوضا عن الأفراد، وتحويل موارد صندوق التنمية العقاري لتمويل مشروعات التطوير الشامل عوضا عن منح القروض للأفراد، ومراجعة الأنظمة والقوانين والتشريعات لتشجيع نشوء شركات متخصصة في التطوير الشامل. كما أن الوقت قد حان لتبني جهد موجه لتطوير الأراضي الفضاء داخل المدن، لزيادة مخزون الأراضي القابلة للبناء، وذلك عبر فرض رسوم على هذه الأراضي مقابل توفير الخدمات من الدولة لها، ناهيك عن تحصيل الزكاة الشرعية عليها، وأية تشريعات داعمة يمكن تبنيها في هذا الإطار، مثل منع تداول الأراضي الخام قبل تطويرها، بما يؤدي بالمحصلة إلى تشجيع تطوير هذه الأراضي الفضاء، ومنع تجميدها الذي أوقع آثارا سلبية كبيرة على التنمية العمرانية وتضخم أسعار العقارات.
إنشرها