Author

رئيسي متعجرف .. ماذا أصنع؟

|
كثيرا ما تتردد الشكوى من عجرفة الرئيس في موقع العمل. ويقصد بالعجرفة مجموعة التصرفات التي يمارسها الرئيس تجاه مرؤوسيه التي بها ينتقص من حقوقهم النظامية ويتسلط عليهم ويهمش إنسانيتهم, وسواء كانت الشكوى حقيقية بمعنى أنها تصف تصرف الرئيس المستديم على نسق تجاه جميع مرؤوسيه أو أنها تعبير انطباعي ناتج عن سوء العلاقة الإشرافية بين رئيس ومرؤوسه, فإن التعجرف يمارس في كثير من مواقع العمل, ويمارس بصورة إرادية, تختلف دوافعه من شخص لآخر وفي جميع الحالات يمثل التعجرف عائقاً لتعظيم الأداء الفردي والجماعي بما يمثله من سلوكيات سلبية تبعث وتنمي مشاعر الإحباط والخشية لدى المرؤوسين. التعجرف ليس سمة لدى فرد دون الآخر فهو سلوك مكتسب يمثل حالة ذهنية يرى المتعجرف في سلوكها وسيلة يحقق بها غاياته , لذا يمارسها بوعي وإدراك ويكتسب من المداومة على ممارستها وتتبع أثرها في المرؤوسين مهارة ودراية, وكلما برع في فنها شغف بممارستها وباتت طبيعة نشاطه الإداري والإشرافي. والمتعجرف لا يفتقد القناعة الأخلاقية التبريرية لتصرفاته المتعجرفة, فهو يرى فيها وسيلة فاعلة لبلوغ الأهداف التي يرسمها, ويؤسس معظم المتعجرفين في موقع العمل سلوكياتهم على منهج فكري تعرف عليه المفكر دوجلاس مكروجر Douglas McGregor واصطلح على تسميته بنظرية إكس X ومضمونه "إن الإنسان بطبعه كسول ويحتال للتخلي عن العمل وتجنب المسؤولية , لذا لا بد من رقابته بصورة مباشرة والاعتماد على المحفزات الملموسة والمتمثلة بالثواب والعقاب للتغلب على طبيعته تلك", لذا كثير ما يحتج المتعجرفون بأن المرؤوسين يميلون إلى الخمول والتراخي عندما يعتادون تصرفات الرئيس الطيب ويستهينون بهيبته ويأمنون صولته مما يفقده السيطرة ويضعف من سلطانه. حيث إن هناك كثيرا من المشرفين المتميزين الذين يؤمنون بمفهوم النظرية X ويتقنون استعمال المحفزات الملموسة لا ينطبق عليهم وصف الرئيس المتعجرف نظراً لوعيهم بتأثيرات المحفزات الملموسة على أداء الموظفين وقدرتهم على التحول بين محفز سلبي وآخر إيجابي حسب مقتضى الحال ولكن المشرف المتعجرف يميل إلى استخدام المحفزات السلبية بصورة دائمة. والتعجرف يسود في بيئة العمل التي تفتقد النمطية في الإشراف وتفتقر إلى احترام الأنظمة واللوائح والتقيد بالإجراءات, فالمتعجرف نتيجة لقناعته بعدم جدوى الوسائل النظامية في ضبط العمل يلجأ إلى سلوك يستحدثه لنفسه يكون هو المرجعية في قبول ورفض أداء المرؤوسين, وهذا السلوك غير ثابت على نسق, فما هو مقبول اليوم مرفوض غداً, وما هو مسموح به للموظف فلان ممنوع عن الموظف علان, والموظف المقرب اليوم كان مبعداً بالأمس, وفي كل الظروف يجب أن تكون مواجهة الرئيس بتناقضاته خطا أحمر يجب عدم تخطيه. العمل تحت إمرة المسؤول المتعجرف مؤلم للمرؤوسين نفسياً ومحطم لكرامتهم, وبتفاوت حدة العجرفة التي يمارسها المسؤول على مرؤوسيه يتفاوت مدى تحمل المرؤوسين ذلك الواقع, ولكن المرؤوس المتميز لا يبقى كثيراً على تحمله ويقتنص فرص الخلاص إما بالانتقال لإدارة أخرى وإما الاستقالة ولا يبقى لدى المشرف المتعجرف إلا المرؤوسون الأقل كفاءة الذين يحققون ظنه بقلة الفاعلية والتواني عن الإنجاز مما يعزز لديه مفاهيمه السلبية. لذا لا سبيل إلى تخليه عن ذلك إلا بكسر حلقة التعزيز السلبية تلك, والتعجرف هو حالة إخفاق لدى الرئيس في تحقيق أهداف العمل ضمن فريق عمل متعاون متضافر, لذا عندما يتساءل المرؤوس ماذا عليه أن يفعل تجاه تعجرف رئيسه؟ يكون الجواب الأمثل هو أولا يجب التأكد من أن التعجرف الذي يمارسه الرئيس مؤسس على منهج فكري, أي أنه مستديم على نسق وليس حالة خاصة لمواجهة موقف أو ظرف ضاغط مؤقت, فإذا تأكد المرؤوس من ذلك وبان له أن رئيسه متعجرف بصورة منهجية فعليه ألا يتوانى في ترك العمل لدى ذلك الرئيس وأن يسلك جميع الطرق النظامية التي تكفل له ذلك, فكل يوم يقضيه في ذلك العذاب محطم لكبريائه وقاتل لطموحه. وهو حالة لا يستطيع معها تقديم أي جهد يستهدف الإصلاح وأي محاولة للمرؤوس لمواجهة رئيسه المتعجرف وثنيه عن سلوكه بأي حجة كانت, أمر مرهون في معظم الأحيان بتطور لا يخدم مصلحة المرؤوس, بل إنه محسوم باعتماد الرئيس معايير أشد تعجرفاً, لأنه يرى في ذلك تمردا على سلطته وانتقاصا من هيبته.
إنشرها