Author

"الجنادرية".. أبعد من عرس ثقافي وطني سنوي

|
للثقافة في السعودية عرس سنوي وطني عمره قرابة ربع قرن، تشهد فيه الرياض افتتاح فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي تبدأ دورته الـ 24 اليوم، حيث يضم في فعالياته الحفاوة بالتراث ومأثوراته الشعبية من صناعات وحرف تقليدية إلى رقصات وأغنيات وعروض ومجسدات عينية من مفردات المناسبات الاجتماعية القديمة في اللباس، الحلي، الزينة، طرز العمارة، الفرش والنقش إلى أنواع المآدب، وما تفتقت عنه ذائقات الأجداد من فنون الطهو والأشربة والحلوى قادمة من جميع مناطق المملكة، وإلى جانبها مجسدات منجزات حضارة التنمية ممثلة في أجنحة الجهات الحكومية وأبرز الشركات والمؤسسات. في خط مواز لهذا العرس الميداني على أرض الجنادرية ليل نهار، هناك برنامج ثقافي حافل بالندوات، الأمسيات الشعرية والقصصية، المحاضرات وكذلك هناك خيمة الشعر ولقاءات أروقة المهرجان بين جموع ضيوف المهرجان من كل أنحاء العالم العربي وبعض بلدان العالم أيضا. كما أن هناك خطا موازيا ثالثا يتمثل في معرض الكتاب الذي تشارك فيه مختلف دور النشر العربية والوطنية، كما تعقد على هامشه فعاليات ثقافية، فيما يقدم المعرض بأجنحته الكثيرة زادا معرفيا لذخيرة كثيرة متنوعة من الكتب والإصدارات في مختلف فروع الأدب والفكر والفن. أسبوعان مفعمان بحيوية الثقافة وفعالياتها، تتجاور فيها ثقافة العصر وحداثت مع ثقافتنا العربية واصداراتنا المحلية وإلى جانبها يضيء تراثنا التليد حاضرنا عبر مقار المناطق وأجنحة الجهات، وعروضه وتجسيداته للمأثور والمنجز. الإقبال الكثيف الذي تشهده أرض الجنادرية من الحضور، وتشهده قاعات الفعاليات المنبرية، وتشهده أجنحة معرض الكتاب، من الرجال والنساء، الكهول والفتيان، يقدم الدليل الناصع على أن جذوة الثقافة ليست خابية، كما قد يذهب ظن البعض، وإنما هي متقدة في الأعماق لا تكشف عن نفسها ولا تسفر عن وهجه الساطع إلا حين يأتي هذا الموسم، ما يعني أن الشهية للثقافة مفتوحة لكنها مما يصعب رصده وملاحظته بهذا الوضوح في غير هذا الأوان.. الأمر الذي يطرح سؤالاً موضوعياً عن الكيفية التي يمكن من خلالها جعل الحفاوة بالثقافة والاهتمام بها شأناً دائماً وليس موسمياً. لعل السؤال نفسه يشي بالإجابة، إذ أن تعدد المناسبات الثقافية على مدار العام كفيل بأن يجعل ذلك ممكناً، وأن يتحول الاهتمام المؤقت إلى سلوك وعادة وجزء من نظام حياتنا .. لأن تواصل الأنشطة الثقافية في كل مدينة وفي جميع المناطق، وكذلك إشاعة رفقة الكتاب وصحبه القراءة تحيل كلها إلى تكوين عادات ثقافية لا تكتفي بالفرجة على المناسبة الثقافية والرغبة العابرة بالقراءة، وإنما بالولع بالثقافة والارتباط بها كمتعة ونوافذ جذابة للإطلال منها على العالم وعلى النفس.. وبالتالي معرفة كيف نسمو بأنفسنا ونسمو بالوطن.
إنشرها