Author

خندريس وسوزنيق!

|
التغييرات الوزارية الأخيرة التي شهدتها المملكة في منتصف شهر صفر كانت لافتة للانتباه بمعنى الكلمة لكثير من المراقبين والمحللين الدوليين. كانت خطوة كبيرة في بلد ينظر فيه للتغيير بمؤشرات تختلف عن المؤشرات التي ينظر إليها غيرنا! فالتغير سنة من سنن الحياة، فيما الجمود هو الموت بعينه. علينا أن ندرك أنه يستحيل التحدث عن التغيير بحجمه الكبير الذي حدث فيه بالتوجه والأهداف نفسيهما التي تجعل منه مفسراً ومبرراً من حيث رموز التغير نفسها، بل يستدعي التفاؤل أكثر بمستقبل واعد لهذا الوطن. صحيح أن التغيير في حد ذاته مطلب، لا لذاته، ولكن لنتائجه المتوخاة ، وتجسيد لسنة من سنن الحياة، لكن وبحكم القناعة، أرى أن تغيير الأشخاص وحده ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما التغيير المتوقع على مستوى النتائج المرجوة من هؤلاء الأشخاص في قيادة مؤسساتهم إلى الأفضل على مستوى خدمة أهداف الوطن وأهداف المواطن التي يفترض ألا تعارض بينهما. وهو ما تم تأكيده من قبل القيادة في هذا الجانب عندما جاء التغير والتغيير في الجهات التي يلاحظ بشكل مؤكد النقص والقصور في تقديمها الخدمات المطلوبة منها بطريقة تتماشى مع طموحات الجميع بمن فيهم القيادة لتتناسب مع المتوقع منها في بلد مثل المملكة لديه الإمكانات ولدينا رؤية لتحقيق الطموحات على المستوى العام، ولكن في المقابل لدينا مشكلات في تحقيق النتائج المرجوة! يبقي السؤال، رغم أن التغيير حقيقة جاءت بهدف التطوير وتحقيق الطموحات, التي هي كأهداف أعتقد أنها مقروءة بشكل واضح ولا غبار عليها أو اختلاف، يبقى السؤال هل التغيير جاء نتيجة فشل بعض المسؤولين السابقين في تحقيق الأهداف المنشودة, خصوصا أنه جاء قبل نهاية مدة تكليف بعضهم؟ وإن كان هذا صحيحاً، علينا معرفة لماذا فشلوا؟ علنا بذلك نقضي على فشل متوقع لوزراء جدد! ألم يتم اختيارهم على الأسس نفسها التي تم اختيار من قبلهم؟ ألا يستدعي ذلك مناقشة أسس الاختيار إن كان الفشل بسببهم مباشرة؟ فربما أن هناك خللا ما يؤدي إلى فشل مسؤول بعد آخر في تلك الجهات بالذات, وبالتالي يصبح التغيير المنشود صعب المنال أم ترى الخلل ليس في المسؤولين وليس في آليات اختيارهم، وإنما في مقاومة التغيير والأسلوب الذي يطرح فيه التغيير، والهياكل الإدارية المنفذة للتغير، وأسباب أخرى قد لا ندركها! أرجو ألا يفهم من كلامي أنني ضد فكرة التغيير وتجديد الدماء باستمرار. أنا ضد الاحتفاء بالتغيير لمجرد التغيير أولا! ضد الاعتقاد أن تغيير الأشخاص كفيل بحل المشكلات وتحقيق الأهداف! فكما احتفلنا قبل سنوات بالمسؤولين الذين أصبحوا اليوم يضاف إلى صفتهم كمسؤولين كلمة "سابق"، ورفعنا سقف التوقعات منهم و(عنهم)، والنتيجة لم يتغير شيء في مستويات الخدمة والمنتج النهائي لتلك الوزارات والجهات. إن كانت هناك تغيرات ملموسة، فلا ألمسها إلا في الشكل الخارجي، ولغة الحديث فقط! لكن الجوهر كما يتضح لم يتغير منه شيء! ولنأخذ وزارة التربية والتعليم على سبيل المثال لا الحصر. وقفت مثلاً على هيكل إداري لإحدى إدارات التعليم في إحدى المناطق، ولو لم أقرأ العنوان الرئيس لهذا الهيكل والإشارة إلى إنه هيكل تعليمي رسمي لإدارة تلك المنطقة لجرتني الظنون إلى أنه الهيكل الإداري للوزارة ككل! حيث إن هذا الهيكل يمثل ما لا يقل عن ستة مستويات إدارية لإدارة تعليم منطقة واحدة! والغريب أن إدارة شؤون المعلمين وإدارة شؤون المدارس تأتي في ذيل هذا الهيكل الإداري، وهما أهم أصول العملية التعليمية! يعني ببساطة مدير إدارة شؤون المعلمين وحتى تصل الرسالة إلى مدير المنطقة التعليمة علية المرور بخمسة مستويات أعلى منه! هذه ليست بيروقراطية، هذه مدرسة بيروقراطية بامتياز! إذن المشكلة هيكلية وليست في المسؤول. المسؤول الذي يتحول ويتغير ويتبدل ليكون هو المشكلة بعينها إذا لم يفهم المشكلة التي تعوق الرغبة في الإنجاز وتحقيق الأهداف. النقطة التي أود تأكيدها أن المسؤول، ودعوني أمارس شيئاً من الشفافية، وأقول الوزير نفسه، لديه هيكل إداري ضخم ومتوسع بشكل يجعل كل ما يتخذه من قرارات غير مؤثر في المنتج النهائي للوزارة سواء كان المنتج خدمة أو علاجا أو تعليما لأبناء أمة. وينتهي أنه يصبح أسير الهيكل الإداري، وليس قائدا له. المنتج التعليمي النهائي بينه وبين صانع القرار التعليمي الأول في المؤسسة التعليمية الأولى سلسة من الأوراق الروتينية المملة! أوراق كفيلة بسقوط أي وزير، حتى لو كان أعتى الوزراء وأقدرهم على التغيير والتغير! لا أشك إطلاقاً في كفاءة المسؤولين السابقين واللاحقين ورجالات الدولة عموماً, لكن تظل مشكلة عدم تحقيق التغير المنشود قائمة، وبالذات في تلك الوزارات الأكثر تعرضا للانكشاف أمام الرأي العام مثل الصحة والتعليم وحتى وزارة العمل وغيرها من الوزارات والجهات الحكومية. هل في كل تجربة تطوير جديدة نحتاج إلى أسلوب "التجربة والخطأ" حتى ننجح؟! وعلى كل الأحوال، أستطيع أن أقول إن كل القرارات التي تتخذ في المستويات العليا ليس عليها غبار لا في طبيعة الأهداف التي تصبو إلى تحقيقها ولا في طبيعة وجود الرؤية فيها، ولكن أيضا أستطيع أن أقول إنها انحرفت عن مسارها المطلوب وعن أهدافها الأصلية نتيجة عدم وجود آليات تنفيذ تبقي الأهداف واضحة دائما أمام المسؤول مهما تدنت مستوياته الإدارية بحيث نتلافى ما حدث في قصة ماء السبيل الخيالية والذي أصبح "يعاق" وليس "يدار" بجهاز إداري فاسد من الداخل وغير واضح المعالم من الخارج، رغم أن الهدف الرئيس أن يشرب الناس ماء سبيل! خندريس وسَوزنيق! وماء السبيل! والبئر! تذكروا حسين! أملي ألا نصل إلى مرحلة يكون هناك عزوف عن المناصب، لأنها تصبح محرقة لمن يتولى زمامها من المؤهلين بسبب الفشل, وبالتالي يصبح غير المؤهلين الذين يسعون إلى تلك المناصب من باب التشريف وليس التكليف هم القيادات المتصدية والساعية للمناصب وليس العكس. رسالة للمسؤولين الجدد .. لا تكرروا أخطاء من سبقكم، والغوص في وحل التفاصيل وعزلكم من خلال شريحة معينة لا تعطيكم الصورة الحقيقية. إياكم أن يمر التاريخ تحت أقدامكم، دون أن تضعوا بصمات غير بصمة التعيين! عليكم قيادة منشآتكم من خلال إبقاء الصورة الكاملة دائما أمام أعينكم في الوصول للميل الألف بشكل واضح وصريح والقفز إذا لزم الأمر فوق الحواجز. اقفزوا الحواجز .. وخطوا التاريخ .. رعاكم الله وحفظكم .. والله من وراء القصد.
إنشرها