Author

الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية في العلاقات الاقتصادية الدولية

|
من المعلوم أن التطور التقني الذي شهده العالم، منذ بداية الألفية الثالثة، قد أحدث ثورة معلوماتية هائلة، أطلق عليها تسمية "الثورة الصناعية الثالثة" أو "الموجة البشرية الثالثة"، بعد الموجة الزراعية و"الثورة الصناعية" اللتين مرت بهما البشرية في تاريخها الطويل. ويتوقع الباحثون والمختصون في الاقتصاد أن تقود هذه الثورة المعلوماتية إلى قيام اقتصاد جديد يُطلقون عليه تسمية "اقتصاد المعلومات" Information Economics، وهو اقتصاد يختلف في نوعيته وبنيته وآلياته ونظرياته عن الاقتصاد التقليدي، ما يؤدي إلى إضافة قطاع اقتصادي جديد بجانب القطاعات الاقتصادية التقليدية المعروفة في المجالات الزراعية والصناعية والخدمية. وتوقعت دراسات قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD أن يهيمن هذا الاقتصاد الجديد (اقتصاد المعلومات) على نحو 80 في المائة من حجم النشاط الاقتصادي الإجمالي بحلول عام 2012م. وفي ظل التوقعات المتفائلة لهذا التحول من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد جديد فإن هناك دلائل وإشارات تؤيد هذه التوقعات، يُمكن بيانها من خلال التعرف على بعض الآثار الاقتصادية التي تُحققها التطبيقات العملية للتجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، والتي أضحت القوة الدافعة لاقتصاد المعلومات الجديد. وسنُوضح فيما يلي هذه الآثار في العلاقات الاقتصادية الدولية، وفي الاقتصاد الوطني أو الكلي للدولة، وفي قطاعات الأعمال، وفي المستهلك. ففيما يتعلق بآثار التجارة الإلكترونية في العلاقات الاقتصادية الدولية، أظهرت العديد من الدراسات الاقتصادية التي أجريت على التجارة الإلكترونية ما يتمتع به هذا النوع من التجارة من أهمية؛ فعلى سبيل المثال بلغ حجمها على مستوى العالم نحو 73.9 مليار دولار في عام 1998م، وبعد أربعة أعوام أي في عام 2002م ازداد إلى نحو 1234 مليار دولار. وفي ظل سعي العديد من الدول إلى الدخول في منظومة التجارة الإلكترونية وإعطاء أهمية خاصة لها، وبصفة خاصة في إطار تطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، حيث تسقط الحواجز الجمركية بين أسواق البلدان الأعضاء، تُعد التجارة الإلكترونية مفتاح التصدير للدول النامية خلال الفترة المقبلة، ما يفرض عليها الإسراع بتهيئة وتطوير نفسها للحاق بركب التجارة الإلكترونية. وعليه يُمكن القول إن التجارة الإلكترونية تُعد أحد الأساليب المهمة التي يتم من خلالها تنفيذ العمليات المتعلقة بتجارة الخدمات، وتسيطر الولايات المتحدة على الجانب الأكبر من هذه التجارة؛ إذ بلغت قيمتها لديها في عام 1998 نحو 50 مليار دولار أمريكي، ولذا سعت الولايات المتحدة من خلال مؤتمر سياتل (المنعقد في مدينة سياتل في ولاية واشنطن في الولايات المتحدة خلال الفترة من 30 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى الثالث من كانون الأول (ديسمبر) 1999م) إلى إزالة الحواجز أمام هذا النوع من التجارة، وطالبت بإعفائها من الضرائب أو تخفيضها إلى أدنى حد مُمكن بحُجة تنشيطها. وبالنظر إلى أن دول أوروبا تعد أقل تقدماًً في مجال التجارة الإلكترونية مقارنة بالولايات المتحدة، وفقاً لما أشارت إليه مؤسسة فوريستر للأبحاث، ويرجع ذلك إلى قصور القوانين الداخلية في بعض هذه الدول عن استيفاء متطلبات التعامل التجاري عبر شبكة الإنترنت، أو بسبب انخفاض المعرفة الفنية في التعامل مع أجهزة الحاسب وشبكة الإنترنت، وكذلك باعتبار أن دور الدول النامية في هذا المجال محدود للغاية، لذا فإن عددا من الدول الأوروبية والدول النامية يعارض إزالة الحواجز أمام التجارة الإلكترونية مُعارضة شديدة، ويرجع ذلك إلى أن التجارة الإلكترونية تُهدد العديد من الأنشطة التجارية التقليدية في الوقت الراهن، وعلى رأسها تجارة الكتب، وشركات تجهيز المعارض، وتأجير السيارات، وبيع الأجهزة الإلكترونية وبرامج الحاسب، ومعارض تجهيز المطاعم، وتجارة الأثاث وغيرها، ذلك أن هذه الأنشطة تحتاج إلى مساحات عرض ضخمة في أماكن متميزة وباهظة التكاليف، وقد أدى استخدام الإنترنت إلى اللجوء إلى الصور والأفلام والمعلومات وعرضها للجمهور من خلال مواقع الشركات المصنعة على الإنترنت، دون أن يتطلب ذلك انتقال الأفراد من مواقع إقامتهم إلى المعارض، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض كبير في التكاليف التي تتحملها الشركات التي تعرض منتجاتها عبر الإنترنت مقارنة بالشركات التي تعرض منتجاتها من خلال المعارض التقليدية، وينعكس ذلك سلبياً على القدرة التنافسية للشركات في الدول الأقل تقدماً في مجال التجارة الإلكترونية وخاصة في الدول النامية. ولهذا فقد أسست الشركات الكبرى في العالم مواقع خاصة بها على شبكة الإنترنت التي يتزايد أعداد مستخدموها، وتشير الإحصائيات إلى أن نحو 20 في المائة من حجم الصفقات في الولايات المتحدة ونحو 10 في المائة في أوروبا يتم من خلال التجارة الإلكترونية، ومن المتوقع أن تنمو التجارة الإلكترونية خلال السنوات الخمس المقبلة بمعدل نمو سنوي 30 في المائة. وبناء عليه فإن 28 دولة على مستوى العالم، على رأسها الولايات المتحدة، تناشد شركاءها التجاريين أن يستخدموا التجارة الإلكترونية في علاقاتهم الاقتصادية المتبادلة، لما لها من أثر في تنشيط التجارة الدولية، حيث يترتب على استخدام التجارة الإلكترونية في الممارسات التجارية ارتفاع حجم التبادل التجاري بما يؤثر في تنشيط وزيادة حجم التجارة الدولية، كما تسعى جميع دول العالم إلى تنشيط صادراتها من خلال فتح أسواق جديدة أو تطوير الأسواق القائمة بدخول سلع جدية يُمكن أن تنافس بها في الأسواق العالمية، وبصفة خاصة بعد التحول من الاعتماد على المزايا النسبية إلى الاعتماد على المزايا التنافسية. وهذا يرجع إلى ما تتميز به التجارة الإلكترونية من ميزات خاصة منها أن أداء العمليات التجارية فيها يتم من خلال تكنولوجيا المعلومات وشبكات الاتصالات، ومن ثم فهي ترفع كفاءة الأداء، وتحقق فاعلية التعامل، وتتعدى الحدود الزمنية والجغرافية. بمعنى أنها لا تقتصر على التبادل التجاري إلكترونياً، لكنها تمتد لتشمل التصنيع، والإنتاج، والتوزيع، وتتيح استجابة سريعة للسوق، وتعمل على تبسيط الإجراءات ووضوحها. وسنتناول في مقال لاحق ـ إن شاء الله تعالى ـ الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية في الاقتصاد الوطني أو الكلي للدولة، وفي قطاعات الأعمال، وفي المستهلك.
إنشرها