Author

ساعات القدر في تاريخ البشرية

|
كتب العقاد ساعات بين الكتب فأجاد. واتبعت مكتبة الملك عبد العزيز تقليدا جميلا في استدعاء المثقفين لرواية تجربتهم مع الكتاب، وعلى المرء أن يتبع تقليدا مثمرا في حياته، ألا يمر عليه أسبوع إلا وقرأ كتابا، واطلع على موضوع مثير، وهذا يعني أن يزور المكتبات كما يزور الناس أيكيا للمفروشات، والمولات للتسوق والانتفاخ بالهامبورجر والآيس كريم. وتضييع الوقت سهل، ومن الصعب على شعب ثرثار التنبه لوقع أقدام الوقت الهارب. وأعظم رأسمال هو الوقت. وهو عند البعض يعني المال، ولكنه أعظم من المال فهو رصيد الجنة أو النار. والإنسان كمعادلة هو مجموع لحظات الجهد الواعي، مع ملاحظة الاستجمام بين لحظات الإنتاج، وليس العكس فتكون الحياة كسلا وبطرا وغيبة وأكلا وجماعا، مع لحظات نادرة للنمو المعرفي، فهذه هي حياة الكافرين، الذين يتمتعون ويلهيهم الأمل ويأكلون كما تأكل الأنعام. وأنا أعرف ضعف المكتبات وندرة الكتب الجيدة، وأزعم لنفسي أنني اصطدت خلال أربعين سنة من حياتي 400 كتاب، يمكن أن توصل الإنسان إلى سدرة المنتهى في التحصيل العلمي، الذي ليس له سقف وقرار وعمق، وفوق كل ذي علم عليم، ولكنها جزر في محيط لا شواطئ له. وفي هذا الأسبوع انتهيت من كتاب (ساعات القدر في تاريخ البشرية) للروائي النمساوي ستيفان زيفايج، واطلعت على كتاب (كيف تقرأ كتابا) لفان دورن وآدلر، وكذلك (ينبوع الشباب) لروبرت سيباستيان، وكلها كتب رائعة ينصح بالاطلاع عليها لمن عنده صبر القراءة. كتاب زيفايج 14 محطة في التاريخ الإنساني، يزعم فيها الروائي أن تاريخ الجنس البشري فيه تغير وحسم، وهو ينهج نفس نهج كتاب سبع معارك فاصلة، أو ذلك الذي صنف أهم مائة وسبعة عشرين كتابا في تاريخ العقل، أو (مايكل هاردت) الفلكي الأمريكي الذي سرق كتابه كاتب عربي، ورصع اسمه عليه، بعنوان المائة الأعظم في تاريخ البشر أولهم محمد ص، ووضع الثاني إسحاق نيوتن. ونحن نفخر بالأول، ولكن الثاني تحكم؟ وزيفايج يذكر قصصا عجيبة عن باب منسي (كيركا بورتا ) في السور الداخلي سمح للعثمانيين بولوج سور القسطنطينية. وأعظم شعر كتبه جوتة من لحظة قبلة من أولريكه فون فولستوف بنت 19 ربيعا وهو ابن 74 عاما، وشيشرون أبو الجمهورية كيف أضاع اللحظة الخالدة، بعد مقتل قيصر في استعادة الجمهورية فدلفت روما للحرب الأهلية. وودرو ويلسون صاحب المبادئ الـ 14 لعصبة الأمم كيف تمكن منه السياسيون كليمنصو وأشباهه في 15 نيسان 1918 في مؤتمر الصلح في باريس؛ فذهبت مبادئه أدراج الرياح، وسلم الراين والألزاس لذئاب السياسية الفرنسيين ففتح الباب للحرب العالمية الثانية. وكيف ضاعت واترلو من يد نابليون، بحماقة الجنرال غروشي الذي أضاع الفرصة الخالدة بالاتباع الحرفي للأوامر؛ فضاع في غابات بوهيميا خلف الجيش البرويسي المهزوم مطاردا، والألمان كانوا في واترلو مع ولنجتون يطحنون ناي ونابيلون والجراند أرمي الجيش العظيم. وبطل اكتشاف القطب الجنوبي سكوت وهو يخط الأسطر الأخيرة لزوجته ويقول زوجتي ثم يشطب ويقول أرملتي فقد وصلوا القطب ولكن أمواتا؟ وكذلك قصة مد كابل التلغراف بين أوربا وأمريكا، في ملحمة من أعظم ملاحم العلم والتقنيات، على يد سايروس فيلد، والفشل المتكرر الذي لا يحطم إرادة العظماء؟ وقصة الغربال المشئوم في كاليفورنيا، حين اكتشف الذهب في أرض سوتر؛ فلم تبق أرضا ومات فقيرا، وهو يمتلك إمبراطورية من الذهب الخالص ولكن بيد الحرامية وليس بيده؟
إنشرها