Author

متطلبات التجارة الإلكترونية والتنظيم القانوني

|
يُقصد بالتجارة الإلكترونية: "عملية ترويج وتبادل السلع والخدمات، وإتمام صفقاتها، باستخدام وسائل الاتصال وتكنولوجيا تبادل المعلومات الحديثة عن بعد، ولا سيما الشبكة الدولية للمعلومات "الإنترنت" دون حاجة إلى انتقال الأطراف والتقائها في مكان معين، سواء أمكن تنفيذ الالتزامات المتبادلة إلكترونياً أو استلزم الأمر تنفيذها بشكل مادي محسوس". وهي لا تختلف عن التجارة التقليدية كثيراً من حيث مضمونها، وطبيعتها، وهدفها، إلا أن لها خصوصية تتمثل في وسائل أو آليات مباشرتها أو الطريقة التي تنعقد بها وكيفية تنفيذها. ويعود هذا الاختلاف إلى أنها تُجسد اقتصاداً جديداً يعتمد على الإنتاج الكثيف من المعلومات والمعرفة، وعلى التقنية المتطورة، وعلى التزاوج والمزج بينهما، ما أدى إلى ظهور سلع وخدمات لم تكن معروفة من قبل. وقد ألقى هذا التطور بظلاله، ليس فقط على التجارة في السلع والخدمات، ولكنه امتد أيضاً إلى سلوك الأفراد والقوانين المختلفة، مثل قوانين وأنظمة الضرائب، والقوانين والأنظمة الجمركية، وقوانين وأنظمة الملكية الفكرية، والسياسات النقدية، والسياسات المالية، كما ألقى بظلاله أيضاً على العلاقات الاقتصادية بين الدول، وعلى الميزات التي تحققها كل منها، لهذا تحظى التجارة الإلكترونية بأهمية كبيرة لدى الدول كافة. ولذا فإن انتشار التجارة الإلكترونية ونموها وازدهارها يتطلب توافر عدد من المتطلبات الضرورية، منها: ـ وجود شبكة اتصالات حديثة ومتطورة تقوم على حاسبات علمية، وخطوط تليفون، وتجهيزات مرتبطة بها، مع ربطها بالعالم الخارجي، وهو ما تزداد أهميته بالنسبة للدول النامية، حيث تفتقر إلى كثير من هذه العناصر الأساسية، وهذا ما أشار إليه تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للمعلومات؛ حيث جاء به أن الدول المتقدمة تمتلك نحو 95 في المائة من أجهزة الحاسبات في العالم، بينما تمتلك الدول النامية ـ بما فيها الصين ـ 5 في المائة فقط منها، كما أشار إلى أن 20 دولة متقدمة فقط تمثل 0.2 في المائة من تعداد سكان العالم تمتلك أكثر من 75 في المائة من خطوط التليفون العالمية، الأمر الذي يعكس بوضوح أن الدول النامية تفتقر إلى متطلب رئيس من متطلبات تكنولوجيا المعلومات. ـ تتطلب التجارة الإلكترونية اقتصاداً متطوراً نسبياً ومتنوعاً ومرناً، وذلك ليكون قادراً على تلبية الطلب الفاعل، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي، أي يلزم أن يكون لدى الدولة سلع تستطيع أن تصدرها، سواء أكانت سلعاً زراعية أو صناعية أو خدمات بمختلف صورها، باستخدام الوسائل الإلكترونية، كما يجب أن تكون هناك قيمة مضافة تعود على المتعاملين، وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من التعامل خلال التجارة الإلكترونية. ـ وجود قطاع صناعي فاعل في مجال صناعة الحاسبات، وكذا المدخلات المادية العديدة التي تدخل في هذا المجال، كما يتعين توافر بعض الصناعات المرتبطة بها، الأمر الذي يستلزم وجود واستمرار نشاط البحوث والتطوير. ـ ضرورة تأهيل وتدريب الكوادر الفنية، حيث تصبح قادرة على التعامل مع أجهزة الكمبيوتر، وهذا يتطلب تطويرها سنوياً بأحدث ما وصلت إليه هذه النظم في العالم، وذلك من خلال الدورات التدريبية على مستوى المصانع والشركات والمؤسسات الاقتصادية والبنوك لتدريب العاملين بها على كيفية استخدام شبكة الإنترنت والتعامل معها وتنفيذ عمليات التجارة الإلكترونية، وكذا إعداد دورات لتأهيلهم في اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة التعامل مع تلك الشبكة. ـ أهمية وجود دور فاعل ومؤثر للدولة في مجال التجارة الإلكترونية، يتمثل في تهيئة مناخ قانوني وتنظيمي مناسب يستهدف تحقيق المصالح العامة، وأن تتسم هذه القوانين والأنظمة بالشفافية والوضوح وعدم التمييز والمرونة ومراعاة التقدم التقني. ـ ضرورة اتباع سياسات اقتصادية يكون من شأنها إتاحة الفرصة للقطاع الخاص، ليقوم بالدور الفاعل والرئيس في نمو التجارة الإلكترونية، وذلك طبقاً لتفاعل عوامل السوق، مع الاهتمام بتشجيع ودعم اشتراك القطاع الخاص ومساهمته في رسم هذه السياسات. ـ ضرورة توافر الثقة المتبادلة والمصداقية بين كل الأطراف المتعاملة من خلال التجارة الإلكترونية، وخاصة في ظل غياب التشريعات الوطنية المنظمة لهذا النوع من التجارة؛ حيث يتأتى توافر تلك الثقة من خلال توفير الأمان والثقة في جميع مراحل التجارة الإلكترونية، والتأكد من إمكانية الاعتماد عليها، ومن أن جميع حلقات التعامل التجاري مؤمنة من قبل البائع والمشتري والبنوك وشركات التأمين. ـ توفير البيئة الملائمة لتقبل التجارة الإلكترونية، ويتم ذلك من خلال السياسة التعليمية التي يجب أن تتضمن معلومات كافية عن الحاسب الآلي والتجارة الإلكترونية والتعاملات الإلكترونية، من حيث مضمونها وأساليبها وأهميتها. ـ ضرورة وضع تنظيم قانوني للمعاملة الضريبية للتجارة الإلكترونية؛ حيث يكفل معاملة الرسائل الإلكترونية والتحويلات الخاصة بالتجارة الإلكترونية معاملة ضريبية محايدة وعادلة، من أجل المساعدة على خفض التكلفة وزيادة القيمة المضافة، على أن يكون ذلك متسقاً مع الأعراف الدولية المقبولة في هذا المجال. ومن الملاحظ أن السعودية قد اهتمت في السنوات الأخيرة بشبكة الاتصالات وتم تحديثها وتطويرها، مع ربطها بالعالم الخارجي، وتُعد السعودية أكبر سوق للكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط، كما انتهجت سياسة الاقتصاد الحر الذي يتميز بالتطور النسبي والمرونة، ليكون قادراً على تلبية الطلب الفاعل، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي، وتهتم بتأهيل وتدريب الكوادر الفنية، حيث تصبح قادرة على التعامل مع أجهزة الكمبيوتر، حيث خصصت نسبة مهمة من الميزانية العامة للدولة للتدريب ولقطاع التقنية والاتصالات، إلا أن نجاح التجارة الإلكترونية يتطلب تهيئة المناخ القانوني والتنظيمي الذي تعمل فيه التجارة الإلكترونية؛ فلا يكفي مجرد إصدار نظام خاص بتجريم الاعتداء على التعاملات الإلكترونية، وإنما يلزم إصدار نظام خاص ينظم التجارة الإلكترونية، على نحو ما أصدرته العديد من الدول، ونظام خاص ينظم التوقيع الإلكتروني الذي يعد إحدى الأدوات اللازمة للتعاملات الإلكترونية. كما يُلاحظ أن نظام ضريبة الدخل ولائحته التنفيذية لم يتضمنا تنظيماً للمعاملة الضريبية للتجارة الإلكترونية، على نحو ما هو متبع لدى العديد من الدول، وهذا ما سنتناوله في مقال لاحق ـ إن شاء الله تعالى ـ.
إنشرها