Author

التشاؤم صوره وموقف الإسلام منه

|
عزيزي القارئ نحن نعيش الآن في شهر صفر أحد أشهر الله تبارك وتعالى التي ذكرها في كتابه، حيث قال: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم). ذكر الله هذه الأشهر إجمالا ولم يأت تخصيص شيء منها بفضل سوى رمضان وعشر ذي الحجة وفي الجملة لم يأت الشرع بذم شيء منها البتة إلا ما حرم فيها من القتال في الأشهر الأربعة الحرم (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) وديننا الإسلام دين السماحة واليسر دين التوحيد الخالص "ألا لله الدين الخالص". ولذلك نجد قول الحق تبارك وتعالى حينما ذكر (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) بين تعالى أنه حرم على العبد ظلم نفسه فيها بالتعنت والشدة، نعم هذا الدين قام على الإيمان الصحيح وعلى التوحيد الكامل, يحذر من الخرافات والشعوذات والخزعبلات بجميع صورها وأشكالها، ومن تلك الخرافات التشاؤم بشهر صفر أو بيوم الأربعاء منه أو بغيره من أجزاء الشهر، يتوهم كثير من الناس أن في هذا الشهر تكثر فيه الدواهي وحصول المصائب وعدم التوفيق. فلا يعقدون فيه نكاحا ولا يشرعون فيه سفرا ولا يبدأون فيه عملا. والتشاؤم والتطير مما جاءت الشريعة الغراء بنفيه والنهي عنه، قال تعالى (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا). ومن السنة فقد نهى، صلى الله عليه وسلم، عن التشاؤم والطيرة فقال، عليه السلام: ("لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر". ومن صور التشاؤم، نجد أن موضوع التشاؤم قد أخذ في عصرنا هذا بعدا آخر فصار كثير من الناس اليوم المبتلين بذلك يذهبون إلى الكهان والسحرة والمشعوذين, ويستفسرون ما سيكون لهم وما عليهم إذا حل هذا الشهر من خير أو شر, وهذه صورة أولى من صور الخرافات والخزعبلات. ومن الصور كذلك، ما يعتقده بعض الناس في الأبراج ويعلقون آمالهم عليها فمن ولد في برج كذا فهو كذا إما حسنا وإما سيئا, ومن ولد في برج كذا أو تزوج في برج كذا فهو كذا إما حسنا وإما سيئا. فيعلقون على ذلك مستقبل حياتهم. ولا شك أن هذه من الخرافات التي نهى ديننا العظيم عنها. ومن الصور كذلك ما هو ملاحظ اليوم عند كثير من الناس فتجد أنك لو دخلت على شخص ما في مكتبه أو معمله أو متجره ونحوه، فجأة تراه يقول لك (خير يا طير) وهي كلمة ينطق بها كثير من الناس ولا يفهمون ما تضمنته من باطل, فيجب اجتنابها. ومن الصور كذلك أن بعض الناس يتشاءم بمن يشبك بين أصابعه أو يكسر عودا في مجلس عقد النكاح, ويعتقد أن ذلك يفسد النكاح. ومن الصور كذلك، أن بعض الناس إذا تزوج لا يكسر للذبيحة عظم ونحوه اعتقادا منه أن هذا الزواج قد ينكسر ويحصل الطلاق. بقي عزيزي القارئ بعد أن تعرفنا على كثير من صور التشاؤم في هذا العصر تعال للننظر ما موقف الإسلام من هذه الأمور: فأولا، موقف الإسلام موقف المرشد وموقف الناصح وموقف المبين أن الذي ينبغي أن يقال إن النافع والضار هو الله ليس غيره, وأن ما سواه من البشر لا ينفع ولا يضر بشيء قال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير). وقوله، عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيءقد كتبه الله عليك). فالنافع والضار والرازق والمفقر والمغني هو الله، وقد روي عنه، عليه الصلاة والسلام، أنه قال (الطيرة ما أمضاك أو ردك). وثاني الوقفات، أن التشاؤم في نظر الإسلام من الأوهام والسخافات والخيالات التي يجب محاربتها واجتثاثها من جذورها وأصلها، قال، عليه الصلاة والسلام: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر). أخرجه الشيخان. والنفي هنا للحل والتأثير بمعنى أنه لا تأثير لتلك الأمور بذاتها البتة في جلب نفع أو دفع ضر. أضف إلى أن الطيرة من الشرك المنافي لجناب التوحيد وكمال العقيدة ولذلك، قال، عليه الصلاة والسلام: (الطيرة شرك الطيرة شرك)، ويكون الأمر أدهى وأمَر إذا اعتقد الإنسان هذا الشيء المتطير به هو فاعل بنفسه ومؤثر دون الله، عز وجل، فهذا من الشرك الأكبر، إذ إنه جعله شريكا مع الله في الخلق والإيجاد. ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل، ومقصود كلام ابن مسعود رضي الله عنه، وما منا من شخص إلا ويقع في قلبه شيء من ذلك على ما جرت به العادة وقضت به التجارب لكنه لا يقر فيه بل يحسن اعتقاده أن لا مدبر سوى الله، فيسأل الله الخير ويستعيذ به من الشر ويمضي على وجهه متوكلا على الله، عز وجل.
إنشرها