أخبار اقتصادية

ماذا يمكن أن تتعلم الولايات المتحدة من السعودية؟

ماذا يمكن أن تتعلم الولايات المتحدة من السعودية؟

ماذا يمكن أن تتعلم الولايات المتحدة من السعودية؟

في آذار (مارس) 2005، أي قبل سنة من وصول سوق الأسهم السعودية إلى الذروة، دعت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) المنتدبين المسؤولين عن أعمال البنوك إلى مقرها الأنيق في الرياض. وكانت المؤسسة تشعر بالقلق من أن المستثمرين كانوا يشترون الأسهم دون اعتبار للأساسيات الاقتصادية، وحذر مسؤولو "ساما" البنوك من تمويل المضاربات المفرطة في الأسهم. ويعود الدكتور محمد الجاسر، نائب محافظ "ساما"، بذكرياته إلى تلك الأيام ويقول: "في ذلك الحين اتُّهِمنا بأننا كنا نحاول بسط سيطرتنا على كل صغيرة وكبيرة. وقالوا إن مؤسسة النقد كانت تتدخل فوق الحد، حين طالبت المستثمرين بالتروي والحذر، أما الآن فإنهم يريدون تقبيل جباهنا تعبيراً عن الشكر". في الوقت الذي نرى فيه أن كلاً من واشنطن وول ستريت فَقَدَ يقينه، فإن أفضل سبيل أمام العاصمتين (عاصمة السياسة وعاصمة المال) هو النظر إلى ما فعلته "ساما". في مايلي مزيداً من التفاصيل: في آذار (مارس) 2005، أي قبل سنة من وصول سوق الأسهم السعودية إلى الذروة، دعت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) المنتدبين المسؤولين عن أعمال البنوك إلى مقرها الأنيق في الرياض. وكانت المؤسسة تشعر بالقلق من أن المستثمرين كانوا يشترون الأسهم دون اعتبار للأساسيات الاقتصادية، وحذر مسؤولو "ساما" البنوك من تمويل المضاربات المفرطة في الأسهم. #2# ويعود الدكتور محمد الجاسر، نائب محافظ ساما، بذكرياته إلى تلك الأيام ويقول: "في ذلك الحين اتُّهِمنا بأننا كنا نحاول بسط سيطرتنا على كل صغيرة وكبيرة. وقالوا إن مؤسسة النقد كانت تتدخل فوق الحد حين طالبت المستثمرين بالتروي والحذر، أما الآن فإنهم يريدون تقبيل جباهنا علامة على الشكر". هذه الأيام يبدو على المسؤولين السعوديين في "ساما" أنهم يتمتعون ببعد النظر بسبب هذا الموقف المحافظ بالضبط. يقول الجاسر إن ساما لم تتوقف لحظة عن الاقتناع بأن "التنظيم يجب أن يكون جزءاً من الأسواق المالية، المصلحة الخاصة للمصرفيين يجب أن تدار مثلما تدار حركة المرور، لا بد من تطبيق القواعد للحؤول دون الإفراط في اتخاذ المخاطر". هذا الموقف الذي اتخذته "ساما"، حين نقارنه بمواقف البنوك المركزية الأخرى، فإنه يبدو موقفاً صارخاً تماماً وفي تباين حاد معها، خصوصاً في الولايات المتحدة، "حيث كان هناك فشل ذريع من قبل الأجهزة الرقابية والتنظيمية"، كما قال الجاسر في مؤتمر في الرياض عقد في الشهر الماضي. في الوقت نفسه تبدو الفلسفة الاستثمارية لساما تتسم أيضاً ببعد النظر. وفي حين أن كثيراً من البنوك المركزية من الصين إلى قطر كانت تنشئ الصناديق لتحقيق عوائد أعلى على قسم من احتياطياتها على الأقل، فإن ساما لم تفعل ذلك. أصمت ساما آذانها عن أغاني الإغراء التي كانت تتغنى بفضائل الاستثمارات البديلة واستمرت بكل يقين بشراء سندات الخزانة الأمريكية، مستخدمة عائداتها النفطية المقومة بالدولار لفعل ذلك. حين ننظر إلى الأمر الآن، وحين نرى أن كثيراً من صناديق التحوط هبطت قيمتها بنسبة 50 في المائة، ونرى أن غالبية الشركات المملوكة من قبل شركات الأسهم الخاصة تبلغ قيمتها الآن أقل بكثير مما كانت قيمتها عند الذروة قبل سنتين، فإن خيارات ساما تبدو الآن أنها علامة على الذكاء الشديد أكثر مما هي علامة على التفكير الممل. في الوقت الذي نرى فيه أن كلاً من واشنطن وول ستريت فَقَدَ يقينه، فإن أفضل سبيل أمام العاصمتين (عاصمة السياسة وعاصمة المال) هو النظر إلى ما فعلته ساما. في الماضي، كانت الولايات المتحدة هي التي تصور نفسها على أنها الأنموذج المثالي الذي يجب على بقية العالم أن يحذو حذوه. وكانت الأجهزة الرقابية والتنظيمية الأمريكية تعتقد أنها أفضل الأنظمة من نوعها في العالم، من حيث قدرتها على تخصيص رأس المال بكفاءة، ولأن المؤسسات المالية الأمريكية كانت تعد مرسملة على نحو طيب ومدارة على نحو سليم. وكانت الأموال تتدفق من مختلف بلدان العالم إلى الولايات المتحدة، وتضيف بذلك إحساساً بالرضا عن النفس والتهاون لدى الأمريكيين. أما اليوم فإن الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها أن تأخذ هذه الافتراضات على محمل التسليم. إذا كانت المملكة العربية السعودية في وضع طيب نسبياً، فإن الفضل في ذلك يعود إلى حد ما إلى الحقيقة التي تقول إنها اختارت أن تقيد مشاركتها في الأسواق المالية العالمية. حين ننظر إلى المملكة اليوم ونقارن وضعها السليم نسبياً بالظروف السائدة في الولايات المتحدة، فإن من الممكن أن نستنتج أن الأسواق المالية يمكن أن تكون متطورة فوق الحد وفي الوقت نفسه متطورة دون الحد، وأن زيادة التعقيد لا تعني دائماً زيادة في الحكمة والتعقل، وأن الديون الثقيلة التي لا حد لها من تمويل القروض بالقروض، والتي خلقتها آلة التوريق المالي، هي في أغلب الأحيان خطرة على صحة مستثمري المملكة العربية السعودية، نتيجة لمنهجها السليم في الأنظمة الرقابية وإدارتها المتأنية لاحتياطياتها، فإنها الآن في وضع أفضل بكثير من معظم جيرانها في المنطقة. هؤلاء الجيران الذين اتبعوا سياسات استثمارية أكثر طموحاً وكان أقل حصافة من حيث الرقابة والتنظيم. والآن، حتى مع أن سوق الأسهم السعودية وسعر النفط منخفضان إلى درجة كبيرة، إلا أن بإمكان السعوديين وفي مقدورهم اتخاذ إجراءات قوية مضادة للدورة لمساندة الاقتصاد السعودي، وذلك بفضل المنهج الاستثماري الحذر الذي اتبعته ساما. هذا العام ستعاني السعودية عجزا في الميزانية، ولكن على خلاف كثير من الدول، فإن بإمكانها القيام بذلك دون أن تتأثر، لأن الدين الحكومي لا يشكل إلا 13 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. يقول السيد الجاسر: "في الأوقات الطيبة، أعدنا بناء احتياطياتنا، وسددنا ديوننا، وبالتالي تمكنا من وقاية الاقتصاد وإنفاق أموال تفوق دخلنا في الأيام العصيبة. والآن ستنخفض احتياطياتنا". ربما يكون هناك قدر كبير من التشاؤم حول برامج التنمية السعودية الطموحة، ومدنها الاقتصادية، والجامعة الجديدة (التي تتمتع بواحد من أكبر صناديق المخصصات في العالم). ولكن أثناء مؤتمر عقد في الرياض في الأسبوع الماضي، كان الحضور يشعرون بقوة بأن الولايات المتحدة لم تعد هي الدولة التي لديها جميع الأجوبة. وفي ندوة حول العولمة المالية، كانت أعلى جولة من التصفيق من نصيب الشيخ صالح كامل، رئيس مجلس إدارة المجلس العام للبنوك الإسلامية، الذي قال: "لم نرتكب الأخطاء. الأمريكيون هم الذين فعلوا". "فايننشيال تايمز" ـ خاص بـ "الاقتصادية"
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية