Author

أن يرى والديهِ قبل أن يموت!

|
* أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة"، رقم289، أرجو أن تنالَ رضاكم. *** * قضية الأسبوع: العملُ الخيريُ من واقع المعاناةِ الشخصية: وهي ظاهرةٌ انتشرت في الغرب بكثرة، فيحدث للواحدِ أو الواحدة منهم أمرُ مؤذٍ يصيبه أو يصيب أحد أفرادِ عائلته، ثم يقوم بتعميمها بنشاطٍ جمٍّ ولا يخلو من تضحيةٍ بالوقتِ والجهدِ والمال من أجل المجموع، وهذه صفةٌ من أرقى صفات الفرد المدَني في مجتمعِه المحيط، وأسماها نفعاً.. وكنتُ في مدينة الجبيل الصناعية الأحد الماضي ضيفاً على صالون "أحدية الفردوس" لصاحبها السيد الكريم والمثقف "خالد التقيتو"، حين شُجِّعتُ أن أبادرَ بالمجيءِ باكراً للاطلاع على ما قام به السيدُ سامي الصويغ وهو من كبار تنفيذيي "سابك"، وزوجته السيدة "خلود الدبيكل" من أجل مجتمعهما في إقامةِ مركز حديثٍ للأبناء والبناتِ المصابين بِـ"متلازمةِ داون"، وكان الباعثُ لهذا العمل الآخذ للقلبِ (حرفياً) هو معاناتهما الشخصية، ومع أنهما لم يعدا يحتاجان إلى المركزَ للمسألة الخاصةِ بهما، إلا أنهما أصرّا أن يُفيدا مجتمعَهما، وتجشـّما صِعاباً ليكون الحلمُ إنجازاً على الأرض، وهو عملٌ لا بد أن نقف له احتراما لزوجين أكثر من رائعين، يحملان قلبين ينبضان بالخير وبنكران الذات، والإخلاص لمجتمعهما الكبير. ولا يقف الزوجان المُنجزان عند ذلك وفريق العمل الذي تشكل معهما، فهم يُعِدّونَ لإنشاءِ مركزٍ أكبر وقـْفاً للمشروع، ويعدني السيدُ الصويغ لو أنه اكتمل فسيعمّ نفعَهُ على كل المنطقةِ الشرقية، ولكنهم بحاجةٍ لدعم ماليّ أكبر بعد أن وفرا حتى الآن 15 مليونا لمشروع ستبلغ قيمته أكبر من ضعف المبلغ المتاح لاكتماله أنموذجياً، وهنا نهيبُ بألا يتعرض هذا المركزُ الأملُ للتوقفِ أو عدم الاكتمال، ولو، لا قدّر اللهُ حدَث، فإن اللهَ سيكافئ العاملين عليه، ولكننا كمجتمع سنـُساءَلُ، وسنعاني، من عدمِ اكتمالِه. *** * ويكتب السيدُ نجيب عصام يماني محتجاً وغاضباً في جريدة "عكاظ" في يوم الثلاثاء 3 الجاري مقالاً بعنوان" السباحة والسياحة"، وغضبه الاحتجاجي انصبّ على الكاتب زميلنا في الجريدة هنا، الدكتور "خالص جلبي"، وغضَبُ الأستاذ نجيب الذي لا نملك إلا أن نقول عنه مبرَّرَاً، أن الدكتورَ "جلبي" في مقالٍ لهُ بعنوان "فلسفة السباحة" كان قد قدمها بالآية الكريمة: ( والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا، فالمدبرات أمرا) ويعلق الأستاذُ نجيب أن الدكتورَ جلبي:" قرَّ في عقلـِهِ أن السباحةَ التي في الآيةِ الكريمة هي السباحةُ بالماءِ، وهذا خطأ.."، ويردف "يماني" أن التفسيرَ حسب قول المفسّرين، أنه قسَمٌ بمخلوقاتٍ ذات صفاتٍ عظيمةٍ، فالسابحاتُ صفةٌ من السبح المجازي، ,و" ليست سبح خالص جلبي" كما كتب "يماني" متابعا:" والمرادُ به الملائكة السائرون في أجواءِ السمواتِ وآفاق الأرض، وقيل خيل الغزاة حين الهجوم، وقيل إنها النجوم..". وبالفعل فإن السابحات لم يُقصَد بها أبداً السباحة بالماء في الآيةِ الكريمة، بل إن صفتها المشهدية الخلابة، وبلاغتها اللغوية الأخاذة هي الاستعارة، وإعادة تحريك الكلمة لمعنىً واسع يستملك بعظمتِهِ وجلال تأثيره على الأذهان.. ويحق لنجيب يماني طبعاً الاحتجاجَ والاستنكارَ فهذا قرآنٌ لا مجال فيه للتفسير الخطأ، بلـْه أن يكون لكاتبٍ ذائعٍ يقرأه ويُعْجَبُ به كثيرون ويصدّقون، وربما يستشهدون، بما يقول.. على أن من يعرف الدكتورَ "جلبي" يستغربُ جدا أن يقع بخطأٍ بهذا الحجم لا يقعُ به مبتدئٌ، خصوصا أن التفاسيرَ متاحة لمن أراد أن يطلع ويعرف، وعندي أن للدكتور ربما تفسيرا لم يظهر، أو جملةٌ سقطتْ فأضاعتْ ترابط الفكرةِ، وهنا نتوخى من الدكتور التفسير، وإن كان سهواً، وجلّ من لا يسهو، فلا أظن إلاّ أن الدكتورَ جلبي سيقدم اعتذارَه عن السهو، متأكداً أن هذا من صفاتِ أخلاقِه، ومن صفاتِ أي كريم عالي المعرفةِ لا يعاندُ أو يجادل في الخطأ. *** * ويكتبُ الأستاذَ "ثامر عدنان شاكر"، في جريدة "عكاظ" مقالاً عن الدكتورة "سلوى الهزاع"، بعنوان "السيدة الذهبية"، وكان قد استضافَ الدكتورة الهزاع في صالونه الذي طار بالآفاق الشيخُ "عبد المقصود خوجة"، ولفتتني قصةٌ رائعة، ومحركة لعواطف القلب، تفصح عن إنسانية الدكتورة الهزاع الصافية كالذهبِ فعلاً، وعن إنسانيّةِ الكاتب الناقل الأستاذ "ثامر" في التقاطه للصورة المشهدية المؤثرة والعميقة الدلالة علمياً وإنسانياً، مقتبساً من كلماتِهِ الجميلة، وهو يخاطبُ الدكتورة سلوى:" بإصراركِ على علاج طفل الإيدز المسكين المصاب خطأً أثناء عملية نقل دم، الذي ينتظره الموتُ في أية لحظة، لتصافحيه في جرأةٍ أخجلـَتْ الآخرين، مصرّةً أن تـُعيدي إليه النظرَ حتى يتمتع برؤيةِ والديه ولو ليومٍ واحد.. قبل أن يموت!"، وهذا درسٌ يخفى على كثيرين، فمريضُ الإيدز لا يعاني المرضَ فقط، وإنما معاناة أخرى قد تكون أقسى، وهي نُبذ مجتمعه له وكأنه مشع قاتلٌ، وهي معاناةٌ نفسيةٌ فظيعة تفوق معاناةَ آلام الجسد، ودرسٌ علميٌ بأن "الإيدز" لا ينتقل بالتواصل المدروس مع المريض، فهو لا ينتقل إلا بتماس السوائل كالدم واللعاب ( وحتى اللعاب شكّكَ به بعضُ الأطباءِ) والتواصل الزوجي، أو الحميم.. لقد قدّمَ في جملةٍ واحدةٍ السيدُ "شاكر" أجملَ ما في هذه الطبيبةِ المفخرة، وجمالاتـُها كثيرة، ومعها درسٌ لا بد أن يعيه الناسُ في معاملةِ مريض الإيدز. *** * وأخيراً: فإن أي شخص لا يحصل على مراتبِ التشريف في المنصاتِ ولا الإعجاب من قبل الناس، ولا يوضَع في سجل تاريخ الأعمال الإنجازيةِ الإنسانيةِ، عندما فقط يأخذ، ولا يستحق كل ذاك إلا عندما يُعطي! في أمان الله..
إنشرها