Author

جورج ميتشيل .. هل ينجح في فلسطين كما فعل في إيرلندا؟

|
زار المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط المنطقة في الأيام الماضية، وكما وعد أوباما، فإن مهمة المبعوث في هذه الرحلة هي الاستماع للأطراف المتنازعة, وقد رحب الفلسطينيون والإسرائيليون بتعيين ميتشيل، مع بعض التحفظات لدى بعض المنتسبين للطرفين. يحمل ميتشيل من بين مؤهلاته تجربة ثرية ومهمة، وهي أنه كان المبعوث الخاص لإيرلندا الشمالية، واستطاع إقناع الفرق المتناحرة بالحضور لطاولة المباحثات. سلك ميتشيل عدة سبل أسهمت في نجاح مهمته في إيرلندا. فقد عقد غالبية الاجتماعات في لندن، بعيداً عن الأجواء المشحونة في إيرلندا الشمالية، ولإعطاء فرصة لأطراف النزاع للتعرف على بعضهم كأشخاص وليسوا ممثلين للطرف المعادي فقط. وقد نجح في ذلك، وقاد اتفاقية بيلفاست للسلام عام 1998 لينهي أكثر فترات إيرلندا الحديثة دموية, وبذلك استحق ميدالية الحرية في عام 1998، والميدالية الرئاسية للحرية عام 1999. المعروف أن ميتشيل ولد لأب إيرلندي وأم لبنانية، وهو يصنف نفسه على أنه أمريكي – عربي. ولكن تاريخ خدمته في الكونجرس الأمريكي لا تحفل بمواقف داعمه للعرب. فقد نشرت صحيفة "لوس أنجوس تايمز" بتاريخ 24 كانون الثاني (يناير) أنه باستعراض تاريخ تصويته في الكونجرس، فإن ميتشيل لم يشارك أبداً في أي نشاط لدعم أي موقف عربي، بل إنه كان دائماً من المؤيدين لوجهة النظر الإسرائيلية، وكان يصوت دائماً لصالح المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وضد صفقات بيع الأسلحة للدول العربية. ولكن، على الرغم من كل ذلك، يشاع أنه معتدل في تناوله لصراع العربي الإسرائيلي. فحين أرسله الرئيس الأسبق كلينتون لتقصي الحقائق بعد اندلاع أعمال العنف في الفترة 2000 – 2001، كتب ميتشيل تقريراً يوصف في الدوائر الأمريكية بالاعتدال، ألقى فيه باللائمة على طرفي النزاع، وركز على استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة, ولم يرض التقرير أي من الطرفين، وهذا مؤشر جيد في حد ذاته. واليوم زادت التحديات التي تواجه ميتشيل عن تلك التي كانت موجودة قبل ثماني سنوات, فاليوم هناك انقسام فلسطيني، وهناك حكومة فلسطينية لا تعترف بالمفاوضات مع إسرائيل، وحكومة إسرائيلية لا ترغب في التفاوض مع الحكومة الفلسطينية. وهناك عدوان استمر 22 يوماً، ليحصد أرواح أكثر من 1300 فلسطيني، ويصيب الآلاف، ويدمر كثيرا من الممتلكات. وهناك تغلغل إيراني. وهناك انتخابات في إسرائيل تجري الأسبوع المقبل ربما تسفر عن فوز بنيامين نتنياهو مما يزيد تأزم الوضع في المنطقة. تشير التقارير المنشورة والمسربة في الفترة الأخيرة إلى تزايد وتيرة بناء المستعمرات، وهي العقبة الرئيسية أمام أي مفاوضات سلام، وهي الفيصل في نجاح المفاوضات من فشلها. تشير صحيفة "التايم" في عدد هذا الأسبوع إلى أن تقريراً سرياً تم تسريبه من وزارة الدفاع الإسرائيلية يفيد بأن 75 في المائة من البناء في المستعمرات تم من دون تصريح، وأن غالبية هذه البنايات تمت بشكل غير قانوني على أراض فلسطينية خاصة. بل إن وتيرة البناء في المستعمرات زادت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، فالتقرير السنوي الأخير لمنظمة "السلام الآن" تشير إلى أن عمليات البناء في المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية زادت في عام 2008 بنسبة 60 في المائة عما كانت عليه في عام 2007، وأن عدد المقيمين في المستعمرات في الأراضي المحتلة في عام 2008 بلغ 285800. وقد تم منح 1184 تصاريح بناء جديدة في القدس الشرقية في عام 2008، مقارنة بـ 793 تصريحاً في عام 2007. ومع أن الحكومة الإسرائيلية أصدرت قراراً يمنع مصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة، إلا أن السلطات الإسرائيلية استحوذت على 275 دونما في عام 2008 من فلسطينيين، وأدخلتها من ضمن ممتلكات الدولة، في محاولة التفاف على القرار السابق. كل هذه تحديات تواجه ميتشيل الذي جاء ليستمع, والسؤال المهم: هل الأطراف الأخرى جاهزة لتستمع أيضاً؟ أم أنها تريد أن تتحدث فقط؟ نجح ميتشيل في حل القضية الإيرلندية التي يزيد عمرها على القضية الفلسطينية، وتوصل لتسوية كانت ترى أنها مستحيلة بين طرفي النزاع الرئيسيين الحكومة البريطانية وأحزاب إيرلندا الشمالية، وطرف ثالث هو جمهورية إيرلندا. فهل يتمكن ميتشيل من إعادة هذا النجاح في منطقة تعاني فقدان مهارات الاستماع لدى طرفي النزاع؟ إن مما يحسن وضع ميتشيل أنه قد لا يضطر لأن يبدأ من الصفر، فهناك مبادرة سلام عربية، توصف بأنها معتدلة لدى غالبية دول العالم بما فيها الولايات المتحدة. بل إن حكومة أولمرت نفسها اعترفت بأن هذه المبادرة تملك فرصة حقيقية للنجاح، وأنها يمكن الاعتماد عليها كأساس في مباحثات السلام العربية الإسرائيلية. هذا عامل مساعد مهم لدى ميتشيل ينبغي أن يستخدمه ليحقق السلام المنشود، الذي تنتظره شعوب المنطقة بفارغ الصبر.
إنشرها