Author

من ووترجيت إلى ناسداك: مواجهة الغش قضية عالمية

|
قد تكون فضيحة "ووترجيت" أشهر قضية غش أطاحت برئيس أكبر دولة في العالم وذلك عندما تورط الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في قضية تجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى "ووترجيت"، فتفجرت أزمة سياسية هائلة واستقال الرئيس الأمريكي على أثر ذلك في آب (أغسطس) عام 1974 ثم تمت محاكمته بسبب تلك الفضيحة. توالت عمليات الغش لتضرب السياسة والاقتصاد الأمريكيين على حد سواء حتى حدثت قضية تورط شركتي إنرون وورلدكم ومعهما عدد لا بأس به من الشركات الأمريكية الكبرى في قضايا التلاعب بالقوائم المالية وتضليل السوق وتورطت مكاتب المراجعة في هذا لتنتهي بسلسلة من إعلانات الإفلاس والتهم بالغش الإجرامي. أسفرت هذه القضايا المالية الهائلة عن تدهور "وول ستريت" وتعرضت "ناسداك" إلى موجة تصحيح للأسعار تجاوزت الألف يوم. ولتفادي تأثير هذه الأزمة على تدفق الاستثمارات العالمية، أكدت الولايات المتحدة التزامها بسلامة السوق المالية والمعلومات المتاحة للمستثمرين بإعلان قرارات "ساربنس أوكسلي" والهيئات الجديدة لتطوير قدرات السوق المالية وأدوات المراجعين الخارجيين لكشف التلاعب والغش. لكن جاءت أواخر عام 2003 محبطة مع اتهام لجنة متابعة سوق الأوراق المالية والسندات الأمريكية شركة بارملات الإيطالية بالخداع, وذلك في أعقاب إعلان رئيس هذه الشركة الإيطالية العملاقة أنه تلاعب في أموال للشركة تقدر بمئات الملايين من الدولارات. استمرت الولايات المتحدة برغم هذا في عمليات الإصلاح لتصدر عددا من المعايير الجديدة لتطوير أدوات المراجعة الخارجية والداخلية لكشف الغش والمخاطر المحيطة بالأعمال ثم تفجرت الأزمة المالية لتعلن مشكلة قياس محاسبية في تقويم الأدوات المالية لتعصف بالولايات المتحدة والعالم معها في "تسونامي" إفلاس المؤسسات المالية المرعب. توقع العالم أن تخف وطأة أعمال الغش والتلاعب لكن الأمر يبدو كمهنة تتطور وتزداد تعقيدا لتهز وول ستريت - مرة أخرى - فضيحة غش جديدة مع إعلان محكمة نيويورك ومكتب التحقيقات الفيدرالي توقيف برنارد مايدوف المستشار الاستثماري ورئيس مجلس إدارة سابق في بورصة ناسداك بتهمة فساد ضخمة تصل إلى 50 مليار دولار. في هذه القضية زاد عدد ضحايا الغش واتسع نطاقهم الجغرافي من الولايات المتحدة إلى أوروبا مرورا بآسيا، من مؤسسات مصرفية وصناديق استثمارية إلى أصحاب الثروات الخاصة. لم تسلم من هذه القضية وفي هذه الظروف المالية العاصفة بالعالم مصارف كبيرة مثل "بي. إن. بي. باريبا" في فرنسا و"اتحاد البنوك السويسرية" في سويسرا وبنك "سانتاندر" في إسبانيا. كل هذا يشير إلى أن عمليات الغش تتطور وتزداد تعقيدا وخطورة وتتم عن طريق المستويات الإدارية العليا التي تستطيع تجاوز أنظمة الرقابة, بل وإيقافها إذا سمحت لها الفرص وهو الأمر الذي سيؤثر بشكل خطير في سلامة النظام الاقتصادي العالمي ككل ويحتاج من جميع الأسواق المالية إلى التعامل معه بجدية. يجب تطوير أساليب الحوكمة والمراجعة الداخلية والخارجية على حد سواء إضافة إلى أنظمة المراقبة الداخلية وإعطاء هذه الإجراءات التطويرية أولوية وأهمية خاصة لتشكل جميعا قوة متحدة أمام هذا المد العاصف من غش رؤساء مجالس الإدارات والإدارات العليا. يجب أن يضمن النظام المالي العالمي الجديد مواثيق دولية في هذا الجانب ومساهمات ولجان مشتركة لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتفشى في العالم وتزداد ضراوة.
إنشرها