Author

الاستثمار الجماعي في الحقوق التجارية الآجلة في الميزان

|
تناولت في المقال السابق المقصود بالاستثمار الجماعي في الحقوق التجارية الآجلة، وتمييزه عن التوريق وعن شراء الحقوق أو الفكتورنج، وأتناول في هذا المقال أهم ميزات الاستثمار الجماعي في الحقوق التجارية الآجلة وعيوبه. إذ يحقق هذا النوع من الاستثمار العديد من الميزات لأسواق الائتمان والتجارة والمال، منها أنه يساعد على توفير السيولة المالية ونقل المخاطر؛ ذلك أن مؤسسات الائتمان والبنوك تكون دائماً في حاجة ماسة إلى السيولة النقدية لمواجهة أعبائها المختلفة والمتمثلة بصفة أساسية في الوفاء بحاجات طالبي الائتمان، ولهذا تلجأ إلى أدوات معينة تستطيع من خلالها توفير حاجاتها من السيولة النقدية، منها نظام الفكتورنج، الذي يؤخذ عليه أن الطابع الجماعي له يلزم الدائن أن يقدم إلى مؤسسة الفكتورنج جميع الفواتير الدالة والمثبتة لديونه لدى دائنيه، ومن ثم فإنه لا يستطيع أن ينتقي منها أنواعاً معينة يرغب في تعجيله ويؤجل الباقين؛ أي أن إرادة الدائن ليس لها أي دور انتقائي في عملية تحصيل الديون أو الحقوق. ومن آليات التمويل التي تلجأ إليها البنوك والمؤسسات المالية والتجارية زيادة رأس المال بإصدار أسهم جديدة، ويعيب هذه الوسيلة أنها وإن كانت تضخ أموالاً جديدة للبنك، إلا أنها تؤدي إلى انخفاض ربحية الأسهم؛ كما أن دخول مساهمين جدد يمكن أن يؤثر في توازن المصالح داخل الجمعية العامة ما يؤثر في اتجاهات إدارة المؤسسة. ولهذا تلجأ المؤسسات المالية إلى ما يعرف بأدوات تعبئة الحقوق أو الاقتراض من بنوك أخرى أو إصدار سندات مديونية تمثل ديناً طويل الأجل يتم عن طريق الاكتتاب العام ويكون مضموناً بضمانات شخصية أو عينية، ويعيب هذه الوسائل أنها لا تؤمن الدائن من مخاطر عجز مدينيه عن الوفاء في مواعيد استحقاق الديون؛ إذ يظل مسؤولاً عن الوفاء في حال عجز المدينين عن الوفاء. ومن هذا يتضح أن نظام الاستثمار الجماعي في الحقوق الآجلة يمثل أداة جديدة وفاعلة تستطيع بها البنوك والمؤسسات المالية أن تحقق أهدافها وخاصة تعجيل حقوقها على مدينيها والتخلص من مخاطر عدم الوفاء، أي أنها تستطيع من خلال تلك الوسيلة أن تحقق السيولة المالية اللازمة لها لإدارة عمليات الاقتراض, وفي الوقت نفسه تنقل مخاطر الائتمان إلى الغير. كما أن هذا النظام يُحقق ميزة أخرى تتمثل في زيادة معدل النشاط الائتماني؛ إذ تفرض لوائح البنوك المركزية عادة على البنوك الالتزام بحدود قصوى للائتمان، حيث لا تستطيع تجاوزها، وهو ما يُعرف بالسقوف الائتمانية، الأمر الذي يحد من قدرة البنوك على الاستجابة لمتطلبات عملائها الراغبين في الاقتراض، أما في حال قيام البنوك باسترداد حقوقها وديونها لدى عملائها المقترضين من خلال نظام الاستثمار الجماعي في الحقوق الآجلة، فإن ذلك يوفر لها الأموال التي تستطيع استخدامها في تلبية حاجات عملائها الجدد بإقراضهم من تلك الأموال. كما يساعد نظام الاستثمار الجماعي في الحقوق الآجلة على فتح مجالات وأنشطة جديدة للبنوك؛ إذ تجيز معظم النظم القانونية للمنشأة الوسيطة أن تعهد لمانح الائتمان بالاستمرار في إدارة محفظة الحقوق موضوع اتفاق الحوالة أو جزء منها، وذلك على الرغم من خروجها من ذمته المالية، ويتم ذلك بعد إعلام المدين بمضمون الاتفاق الذي تم بين الدائن والمحال إليه، وهذا من شأنه أن يفتح أمامه مجالات جديدة للعمل. فضلاً عن أن نظام الاستثمار الجماعي في الحقوق التجارية الآجلة يحقق ميزات للتجار، حيث يوفر لهم مصدراً جديداً من مصادر التمويل يتسم باعتماده في المقام الأول على نوعية الحقوق المحالة إلى المنشأة الوسيطة والضمانات المتصلة بها، كما يتسم أن مقابل التمويل الذي تحصل عليه المنشأة الوسيطة يقل كثيراً عن المقابل الذي تحصل عليه البنوك في حال منحها الائتمان المصرفي. بل يحقق هذا النوع من الاستثمار ميزات للأسواق المالية؛ حيث يحصل المستثمرون على الأرباح التي تحققها محافظهم، كما أنهم يستردون قيمة المحفظة ذاتها بحلول الأجل المحدد لذلك، ويسهل لحاملي صكوك الاستثمار في الحقوق التنازل عنها في أسواق المال بالطرق المعروفة لتداول الأسهم والسندات؛ ويحقق هذا النظام كذلك للمستثمرين ضمانات تحمي حقوقهم تتمثل في وجود نظام قانوني مُحكم بين أطراف عملية الاستثمار، ووجود تأمينات شخصية وعينية لصالح المستثمرين. وأخيراً فإن نظام الاستثمار الجماعي في الحقوق الآجلة يُحقق ميزات للاقتصاد الوطني للدولة تتمثل، من ناحية، في وقايته من التعرض للوقوع في أزمات مالية واقتصادية مثلما يحدث في حالات زيادة عرض النقود بالإصدارات الجديدة والتي تؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم وانخفاض القوة الشرائية للنقود، كما يتمثل، من ناحية أخرى، في توسيع دائرة النشاط الاقتصادي على مستوى الدولة، وتحسين المناخ الاقتصادي والمالي الذي تعمل في ظله المؤسسات المالية والتجارية، وهذا من شأنه أن يدفع تلك المؤسسات إلى الإنتاجية. وعلى الرغم من هذه الميزات لنظام الاستثمار الجماعي في الحقوق الآجلة إلا أن هناك بعض المآخذ التي أخذت عليه، منها، أن صغار المستثمرين يصعب عليهم استثمار أموالهم في هذا النوع من الاستثمار، وذلك نظراً لعدم توافر المعلومات والمهارات لديهم لدراسة السوق ولانتقاء وشراء الصكوك التي تحقق لهم أكبر دخل بأقل مخاطر ممكنة، كما أن قلة رؤوس أموالهم لا تمكنهم من توزيع محفظة الاستثمار بين عدد كبير من الصكوك المالية لتوزيع المخاطر بينها. ولهذا فإننا نرى أن الشكل الأكثر ربحية والأقل مخاطرة للمدخرات الصغيرة هو الاستثمار الجماعي لا الاستثمار الفردي، والذي يتم من خلال تجميع المدخرات من الأفراد واستثمارها في شراء أسهم وسندات، شريطة أن تتولى ذلك جهة متخصصة في تكوين وإدارة محافظ الأسهم والسندات؛ حيث يستفيد المدخرون من ميزات الاستثمار في المحافظ المالية وفي الوقت ذاته يتجنبون مخاطر وعيوب الاستثمار الفردي، كما يتجنبون الوقوع ضحايا لمن يمارسون نشاط توظيف الأموال بتجميع المدخرات من صغار المدخرين وتوظيفها دون وجود غطاء نظامي أو قانوني يسري على تلك الأنشطة التي أثبتت التجارب المحلية وفي بعض الدول الأخرى وجود حالات من التحايل على صغار المستثمرين.
إنشرها