Author

سياسة من سبق لبق

|
مستشار اقتصادي
لا أعرف متى بدأ هذا المثل الشعبي، ولعل زميلنا صالح الشهوان أكثر قدرة على الغوص في أعماق الثقافة ومعرفة ليس فقط التفاصيل اللغوية بل الوعاء الثقافي والموضوعي له، ولكنني وجدت فيه تطبيقاً لممارسة فعلية خاصة بربط السرعة مع المنفعة، ولما في ذلك من استحقاقات اقتصادية. إذاً، لعل هذا المثل يرسم معالم نموذج اقتصادي وكأي نموذج اقتصادي يستحسن التساؤل حوله مثل الفرضيات التي يقوم عليها ومدى صلاحيته للزمان والمكان, وهل يناسب المرحلة الاقتصادية، ولعل أقصر الطرق إلى فهم هذه السياسة يأتي من خلال الأمثلة العملية. لعل أحد الأمثلة المهمة التي لا تزال مدار جدل واسع مستحق هي الكادر التعليمي. بعد فترة سابقة من قلة المعلمين والحاجة إلى تحفيزهم مالياً شرعت الحكومة بكادر كريم ومستحق نظراً لأهمية المعلم والمعلمة ودورهما في سلم التنمية. أدى هذا الكادر إلى تسابق كبير على حقل التعليم وخاصة للبنات في ظل تغاض واضح حول صلاحية الكثير لهذه المهمة الشاقة. صاحب ذلك عادة طالما صاحبت الإدارة الحكومية: فقدان آلية واضحة للثواب والعقاب. النتائج العملية لهذه الممارسات مع الوقت أوصلتنا إلى خلل كبير على عدة أصعدة. فهناك شكوى من كفاءة الكثير من المعلمين، وهناك انزعاج من عدم عدالة واضح في انتظار البعض لمدة تصل إلى أكثر من خمس سنوات لحين الانضمام إلى الكادر الكريم، وهناك معلم سعودي ينضم إلى كادر مدارس خاصة, ولكنه بانتظار مدرسة حكومية ولذلك فهو في حالة انتظار وحتى عدم اهتمام مما يسيء لسمعة المعلم السعودي، وأخيراً هناك مدارس خاصة تحتاج إلى معلمين سعوديين أكفاء ولكن المدارس الخاصة تدفع رواتب قليلة لا تليق بالمعلم أياً كان. إعادة فتح ملف الكادر ضرورة ملحة, ولكن الحلول الجذرية التي تأخذ في الحسبان كل هذه العناصر سوف لن تكون سهلة أبداً ونتائجها مؤثرة على سياسة المملكة التنموية في المديين المتوسط والطويل. الأهمية تتعدى مصير أكثر من مائتي ألف معلم ومعلمة إلى حقل التعليم وهل ميزانية التعليم العالية نسبياً في المملكة تدار بالطريقة الأمثل؟ بمعنى هل من الأفضل تحويل أجزاء منها إلى زيادة معلمات ومعلمين أو تعديل أنظمة التقاعد مؤقتاً بالنسبة للنساء لحين التأكد من مستوى تكافؤ الفرص والعدالة بين النساء. هناك حاجة إلى صرف جزء من ميزانية التعليم على الوسائل والحوافز والمباني والبنية التعليمية من المكتبات إلى الحاسبات. هناك نشاطات موزعة لبعض هذه الأغراض, ولكن حان الوقت أن تكون سياسة التعليم مرتبطة بالميزانية بطريقة أكثر ديناميكية لخدمة قطاع التعليم التي طالما أخذت بسياسة من سبق لبق خاصة في تقصير العملية التعليمية في ظل كادر وظيفي قد يكون تعداه الزمن. لعل السر في مطالبة المعلم بعطاء أكثر مع كفالة التمييز بين المعلمين والمعلمات وتطوير البنية التحتية للتعليم. مبدأ من سبق لبق يلاحقنا في الكثير من الممارسات الاقتصادية فيطل علينا في منح الأراضي وحتى بعض الوظائف الحكومية في ظل التغاضي عن تطبيق التغيير لكل أربع سنوات. مبدأ من سبق لبق سوف يعيش ويستمر لأنه يستمد قوته من خلال عدة أركان، منها الرغبة في المألوف وعدم قدرة الجهاز البيروقراطي على التكيف مع المعطيات التنموية المهمة والطبيعية التوزيعية في الاقتصاديات الريعية. سوف يستمر الجدل حول أي كادر جديد ولكن الكف عن محاولة إيجاد بديل أفضل هو أسوأ الحلول. تكافؤ الفرص وإبراز دور الكفاءة يعطل ممارسات من سبق لبق.
إنشرها