Author

قاطعوهم.. بالجاهزية!

|
هذا هو الجزء الثالث والأخير من سلسلة مقالات "قاطعوهم"، وكنا قد اتفقنا على أن للعبارة وقعها، وأن تحريك الشعور وارد كثيراً، ولكن ماذا لو فكرنا قليلاً في عدد من لم نقرر مقاطعتهم بعد؟ مثلاً: ماذا لو خرج كاتب بريطاني برواية تسيء للعرب، هل سنتوقف عن ارتداء الشماغ؟ وماذا لو زل ياباني بسوء يمسنا، هل سنتوقف عن ركوب السيارات؟ وماذا لو طالت العدوى كوري، فهل سنحجم عن شراء أقمشة الثياب؟ وماذا لو تناوب كل هؤلاء وآخرون على الإساءة بشكل تبادلي، وهذا مجرد تخيل للموقف، فما عسانا فاعلين؟ كل هذه الأسئلة، وأكثر، أوجهها لنفسي كما أوجهها إلى القارئ الكريم! بالنسبة للمقاطعة بأدبياتها الحالية، أرى أن مشكلتنا الحقيقية تكمن في الجاهزية، فنحن، وتحديداً شعوب الخليج، شعوب مستهلكة! ولا تحظى أشباه الصناعات القائمة لدينا بما تجده في سلة صناعية كالتي في الصين أو الهند أو ماليزيا أو حتى تايلاند. وفي واقع الأمر أعتقد أن ما لدينا من صناعات تستحق الإشادة لا تتجاوز رقعة الصناعات البتروكيماوية و "درايش" الألومنيوم وبعض أنواع العصائر الصناعية التي تسكب في ورق مستورد خصيصاً للتغليف! يحضرني هنا اليوم ما مرت به صناعة السيارات الأمريكية في مطلع الثمانينات من تراجع ملحوظ في المبيعات على أثر بزوغ نجم السيارات اليابانية هناك، وكان قد سعى عدد من الـ "يانكيز" من ساكني النطاق الشمالي لأمريكا المكتظ بالنشاط الصناعي، إلى إعادة الهيبة للفاخرة الأمريكية بعد أن تفوقت عليها اليابانية الاقتصادية. وبدأ البعض يناهضون النشاط الاستيرادي لتلك السيارات بحجة أنها تهدد فوقيتهم الاقتصادية وما سينتج عنها من خسران الأمريكان لبعض وظائفهم بسبب تراجع المبيعات. المسألة لم تجد استجابة شعبية، لأن الناس وجدوا في السيارة اليابانية ضالتهم المنشودة، فتفتق العقل الأمريكي عن أكبر مغالطة صناعية في حينها، وهي صناعة سيارات أمريكية صغيرة بمحرك من أربع أسطوانات، وكانت التجربة فاشلة بكل المقاييس، إذ كانت البضاعة رديئة وتبعث على السخرية، وتكبدت الشركات الكبرى بسببها خسائر مهولة! إلا أن تدخل الحكومة أنقذ الموقف من خلال حل ذكي وعميق في رؤيته الاقتصادية. فقد مارست الحكومة الأمريكية ضغوطاً على السلعة اليابانية بأن رفعت أسعار الجمارك ورسوم الاستيراد على السيارات التي سكنت قلوب صانعي الكاديلاك، فارتفع سعر اليابانية الاقتصادية لدرجة يتعذر معها الشراء! فما كان من العقل الياباني إلا أن بادر بافتتاح مصانع للسيارات من كل علامة تجارية يابانية في أمريكا. ولم تملك الحكومة الأمريكية إلا أن تبارك هذه الخطوة، لأنها ستكفل لآلاف المواطنين الأمريكيين وظائف في هذه المصانع، وعادت السلعة اليابانية إلى موقع الصدارة في عقر دار أنجح مطوري اختراع السيارة. ما المغزى من كل ما قيل؟ المسألة بسيطة للغاية، فالمجتمع الاقتصادي والصناعي الأمريكي كانت لديه الأهبة والجاهزية للمقاطعة السلمية. أولاً: بسبب وجود البديل، حتى وإن كان غير مرغوب فيه! وثانياً: بسبب وجود العقل الاقتصادي القادر على تطويع الظرف الحرج للصالح العام. في المقابل، ما وصفة جاهزيتنا للمقاطعة بجميع اتجاهاتها؟ الجواب: نسخة مع السلام لكل من، التشريع التجاري وأخوه التطوير الصناعي، وآمل موافاتنا بـ "الرسمة" الكفيلة بإضفاء القيمة على "الوصفة"!
إنشرها