Author

المجتمع والشركات: مَن الذي يجب أن يتحمّل المسؤولية تجاه الآخر؟!!.. (3 من 3)

|
الاقتداء بالنماذج الناجحة في المسؤولية الاجتماعية: برز في مجتمعنا بفضل الله عديد وكثير من النماذج المشرقة والمؤثرة للشركات التي تفهم وتتبنى برامج المسؤولية الاجتماعية بإطارها الصحيح.. ومنها الشركات المساهمة العامة والشركات العائلية والشركات المتوسطة ذات المسؤولية المحدودة والمؤسسات الفردية بمختلف أحجامها وكافة تخصصاتها.. وفي تقديري أنّ هذه الحالات يجب أن توثق وتُدرس بحيث تكون نماذج يمكن لبقية الشركات الاستفادة منها مِن مُنطلق المسؤولية الاجتماعية، ومن منطلق التكامل والتعاون لتنمية المجتمع.. هذا وقد اطلعت على بعض الكيانات الخاصة في تسجيل وتوثيق تجربتها في خدمة المجتمع بغرض نشرها وهي خطوة جيدة.. مؤكداً أنه من خلال تجاربي المتواضعة في هذا المجال لمْ يظهر لي وجود تعارضٍ بين المصالح أو إضرارً بخصوصيات الشركات أو تأثيرً في التنافس المشروع.. لأنّ حاجة المجتمع إلى الآن أكبر بكثير مما يمكن أن تتصدى له الشركات. وهنا علينا أن نؤكد أهمية دراسة عناصر التميز في التجارب الناجحة محلياً وعالمياً بغرض تطبيقها.. وهذه أهم تلك العناصر: أولاً: المبادرة تجاه المجتمع مِن خلال تخصّص المنشأة وكفاءاتها التنافسية: هناك عديد من المجالات التي يمكن كثير من الشركات والمؤسسات أن تتبناها خاصة إذا كانت ذات إمكانات مالية كبيرة، إلا أنّ التجارب الناجحة تشير إلى التميز في تبني برامج خدمة المجتمع التي تتقاطع وتتماثل مع المميزات الخاصة بالمنشأة، مثل أن تقوم شركات التدريب بتنفيذ وتقديم برامج ومحاضرات عامة في مجالات تهمّ المجتمع بالتعاون مع الغرف التجارية وغيرها، أو تقوم المستشفيات الخاصة بإلقاء محاضرات توعوية صحية داخل المستشفى أو خارجها، وتقوم بإعداد وتقديم برامج خصومات خاصّة للفقراء ومنسوبي الجهات الخيرية وعائلاتهم والمستفيدين من خدماتهم. من الأمثلة المعلنة قيام شركة الأولى العقارية بإعلان إنشاء جمعية عربية للعقار والسياحة، وإطلاق جائزة للإبداع العقاري. ويندرج تحت هذا العنصر تقديم الخدمة على أساس ارتباط المنشأة بمنطقة جغرافية محددة، مثلما فعلت شركة أسمنت العربية التي تبنتْ تطـوير مركز اجتماعي ثقافي رياضي في مدينة رابغ، مساهمة منها في توفير مرافق حضارية لخدمة أهالي المحافظة، كما تحرص الشركة على توظيف أبناء المناطق التي تتم فيها عمليات الشركة. وفي المقابل فلا يعني ذلك عدم العناية بالقرى والأحياء الفقيرة التي لا توجد بها جهات خاصة. ثانياً: مبادرات تتناسب مع حجم المنشأة: يقع رجال الأعمال وتقع بعض الشركات – كما يقع المجتمع- في مقارنات ومنافسات خاطئة عند المقارنة بين جهود شركة مساهمة مفتوحة أو مصرف عملاق، وبين جهود شركة محدودة أو مؤسسة فردية حتى من ذوات الحجم فوق المتوسط.. وهذه المقارنات الخاطئة تُسبب إحباطاً لدى بعض الإدارات ومتخذي القرار، كما أنها تصرف نظر وسائل الإعلام عن المبادرات التي تبدو صغيرة ومحدودة. في النماذج الناجحة عالمياً ومحلياً تدرك كلّ منشأة حجمها الذي يجب أن تعمل من خلاله وتنافس الآخرين. ومن عناصر التميز في التجارب الناجحة أيضاً الاهتمام بالربط بين الحجم المالي وبرامج خدمة المجتمع في كلّ منطقة جغرافية تُقدم الشركات خدماتها فيها أو في كلّ خطّ أعمال (مركز تكلفة وعائد).. فلا يُعقل أن يكون حجم الشركات بالمليارات ولا تُقدم سوى مئات الآلاف لخدمة المجتمع، كما أنه لا يُعقل أن يحقق أحد فروع المنشأة الخاصة خسائر متتالية ثمّ يُطالب بالإنفاق المستمرّ على برامج المجتمع في منطقته. ثالثاً: التنسيق والتكامل بين إدارة المنشأة الخاصة والجهات غير الربحية: في كثير من الأحيان تجد لدى عددٍ من الجهات غير الربحية (حكومية وخيرية وتطوعية) مشاريع إنمائية جاهزة ومهيأة للتنفيذ تتطلب فقط دعماً مالياً، أو معرفياً، أو بالكفاءات.. في التجارب الناجحة يتمّ عقد تحالف بين الجهتين بحيث تتولى الأخرى نواحي التنفيذ والمتابعة، وهو ما يحقق رسالة كلّ الجهات. فمثلاً قدمتْ شركة صافولا عديدا من الخدمات التي تبرز هذا العنصر بشكل رائع، منها الاتفاق مع (شطر الطالبات في جامعة الملك عبدالعزيز) لمساعدة طالبات التخرج على تنفيذ عملٍ فعلي من خلال مشروعٍ أكاديمي يقمن به ويكسبهنّ الخبرة العملية ويمنحهنّ الفرصة للتدريب ويعود بالفائدة عليهن، ومنها عقد برنامج (بعد التخرج إلى أين) بالتعاون مع (مركز السيدة خديجة بنت خويلد) في الغرفة التجارية بجدة، ومنها تبني مشروع (شباب مكة في خدمتك) بالتعاون مع (جمعية مراكز الأحياء بمكة)، وتبني برنامج (إبصار صافولا) بالتعاون مع (جمعية إبصار الخيرية) التي تؤهل المستفيدين ليعتمدوا على أنفسهم تماماً، كما تبنت بالتعاون مع (جمعية مكة للتنمية والخدمات الاجتماعية) تمويل إعداد أوّل نظام إلكتروني يربط جميع الجمعيات الخيرية في المملكة عبر شبكة الإنترنت، ويوفر جميع المعلومات والخدمات عن نشاطات الجمعيات الخيرية على الشبكة الدولية، ويساعد المهتمين والمتبرعين والجهات التنظيمية في الحصول على معلومات وخدمات الجمعيات بيسر وسهولة. رابعاً: وجود أهداف واضحة ومجالات محددة لخدمة المجتمع: العمل الاجتماعي بلا أهداف ولا خطط كالسير في الصحراء بغير خريطة ولا بوصلة ولا دليل.. في التجارب الناجحة هناك استراتيجيات وأهداف، وخططُ عمل ومسؤوليات محددة، وأنظمة وبرامج وسياسات، وهناك تقارير موثقة.. من النماذج العالمية شركة ماركس سبنسرز التي تجد عند دخولها شريطاً يحدد مائة هدف تُنفذ خلال خمس سنوات في مجال المسؤولية الاجتماعية ومنها منح 15000 طفل في أوغندا تعليماً أفضل، وتوفير إعادة تدوير 48 مليون علاّقة ملابس، وزيادة مبيعات الطعام العضوي ثلاثة أضعاف..إلخ. ومن النماذج الرائعة الواضحة في مجتمعنا برامج الشركة الرائدة عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع التي تشمل التدريب وتقديم الدعم المادي والمعنوي لأصحاب المشروعات الصغيرة وتبني مفهوم الأسر المنتجة.. في جُهد منظم علمي مؤسسي يحقق صفة الاستمرار والنجاح بتوفيق الله، وقد أشاد بهم سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز حين قال: "كان يمكن «لعبد اللطيف جميل» أن تخصّص مبلغاً من المال كمساعدة سنوية للمحتاجين وينتهي الأمر، ولكنهم اختاروا الطريق الأصعب وحملوا العبء التخطيطي والإداري وتشعبوا في مجالات شتى لخلق كوادر منتجة وليس مجرد محتاجين للمساعدة المالية".. وعلى حدّ علمي فهذه الشركة الرائدة لديها قرابة أربعمائة موظف متفرغ لنشاط خدمة المجتمع في برنامج تويوتا للتعليم الفني، وبرنامج مساعدي الفنيين، حيث أنشأت الشركة المعهد العالي السعودي الياباني للسيارات في جدة، وأسّست المعهد السعودي للخدمات الصحية ومعهدا للسمكرة والدهان، ولديها برنامج لتمليك سيارات الأجرة للشباب، وبرنامج لدعم المشاريع الصغيرة وبرنامج الأسر المنتجة، كما أن هناك برنامجاً للتطوير الإداري والقيادي يهدف لمساعدة الشباب في الحصول على درجة الماجستير. خامساً: تحديدُ الفئات المستهدفة التي ستقوم المنشأة بخدمتها: هناك عديد من الفئات والاحتياجات كما سبقت الإشارة في هذا المقال.. وإذا لم تحددّ المنشأة الخاصة شريحتها التي ستخدمها بدقة فإنها ستجدُ نفسها مشتتة.. ولا تستطيع أن تُنجز شيئاً. إن من أهمّ عناصر التميز في التجارب الناجحة حرصها على اختيار فئات محددة، والحرص على خدمة الشرائح التي ليس هناك أي جهات أخرى تتولى مسؤوليتها، أو أنّ الحدّ الواجب لسدّ الاحتياج لم يتمّ إشباعه بعد. مِن أمثلة الشرائح التي لم تُقدم لها خدمات كافية مِن قِبل الشركات الخاصة النساء المتعففات والأطفال النجباء الذين لا يملك أهلهم فرصة تعليمهم بسبب الفقر.. وأعرف مراكز أهلية متخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة أغلقت بسبب عدم قدرة أهالي أغلب الطلاب على دفع الرسوم، وعدم قدرة أصحاب المراكز على تحمّل مزيد من الخسائر المتتالية.. مع أنهم افتتحوا المراكز وكلّ هدفهم أن تغطي تكاليفها ولا يطمحون إلى الربح من ورائها. سادساً: المبادرات الإبداعية: التجارب الناجحة تركز كثيراً على أهمية تبني المبادرات الإبداعية في فكرتها وأساليب تنفيذها لما لذلك من آثار إيجابية كبيرة في المجتمع.. ولأنها أيضاً تحقق السّبق لاسم المنشأة في مجال المسؤولية الاجتماعية. الأمثلة كثيرة ومن أبرزها نموذج شركة دلة البركة عندما تبنتْ حملة التوعية بنظافة الفم والأسنان تحت شعار (تبسمك في وجه أخيك صدقة) والتي تضمنتْ الكشف الطبي وتحويل الحالات المستعصية إلى (مستوصف دله لطب الأسنان) لمعالجتهم مجاناً، وتوزيع خمسين ألف سواك ومعجون وفرشاة أسنان وغير ذلك، وتمّ ذلك بمشاركة (جمعية زمزم للخدمات الصحية) و(جمعية مراكز الأحياء) وبمشاركة الشركة المنتجة لمعجون الأسنان، وأيضاً برز الإبداع حين قامتْ بتدريب خمسين طالبة موهوبة من محافظة جدة على أيدي متخصصين في برمجة الروبوت (الإنسان الآلي) للمشاركة في المسابقة العالمية. فئات المجتمع التي يمكن خدمتها من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية: تتعدد الفئات المستهدفة بتعدد الاحتياجات والرغبات الموجودة في المجتمع.. وبتعدد الخدمات والمنتجات والأنشطة التي تمارسها شركات ومؤسسات القطاع الخاص.. ولذا فلا يمكن أن تجد أي جهة خاصّة عذراً أو صعوبة في تقديم برنامج على الأقل لفئة من فئات المجتمع تُسهم به في التنمية.. وهنا سنضرب بعض النماذج والأمثلة التي تنطلق من (مدخل الفئة المستهدفة): الفئة (1): الطلاب والطالبات وفق المراحل الدراسية أو وفق نوع التعليم.. فيمكن مثلاً استهداف طلاب المرحلة الثانوية ببرنامج عملي للتحذير من التدخين والمخدرات، واستهداف طالبات المرحلة المتوسط بحملة للتثقيف حول مرحلة البلوغ. أو عمل برامج تأهيل لسوق العمل مثل برنامج (إنجاز) المشترك بين عدة جهات خاصة. الفئة (2): الشباب والشابات وفق اعتبارات عديدة منها الهوايات العامة، والظروف الاجتماعية، وسنّ التخرج والبحث عن وظيفة.. فهناك الشباب المدخنون، وهناك العاطلون عن العمل، وهناك المقبلون على الزواج وبناء أسرة..إلخ الفئة (3): الفقراء والمساكين والعاطلين بغرض مساعدتهم على تأسيس مشاريع أو توظيفهم بطريقة تحقق نفعاً مشتركاً. الفئة (4): كبار السنّ والعجزة وقاطني دور الرعاية الاجتماعية والذين يمكن تحويلهم في أغلب الأحيان إلى مصدرٍ معرفي ومنحهم الفرصة لقضاء أوقات ممتعة ونافعة بدلاً من تركهم مصدراً للشكوى وعبئاً على القطاع العام. الفئة (5): المجموعات المهنية مثل المعلمين والمعلمات وأساتذة الجامعات، والذين يمكن تقديم عديد من البرامج التنموية لهم لمساعدتهم على تحقيق رسالتهم على الوجه الأكمل، مثل قيام شركة سابك بتنظيم ورشة عملٍ للمختصين عن مخاطر سوسة النخيل الحمراء في برامج التنمية الزراعية. الفئة (6): المطلقات والأرامل واليتيمات والمسجونات والعوانس وغيرهن من الطاقات النسائية التي يمكن أن تقدم للمجتمع الشيء الكثير.. إذا وجهت الشركات إليهنّ شيئاً من الجهود المنظمة. الفئة (7): المرضى وذوي الظروف الخاصة الذين يحتاجون إلى التعليم الخاص والوظائف الخاصّة والأجهزة الخاصّة وغير ذلك ليكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم. الفئة (8): الجهات الخيرية باعتبارها أنشطة تنموية متخصصة تتطلب دعماً مادياً وعلمياً وعملياً..إلخ. الفئة (9): اختيار الفئة المستهدفة على أساس جغرافي، مثل خدمة المجتمع المحلي المجاور لأنشطة الشركة أو نفس المدينة، ومثل اختيار مناطق جغرافية صغيرة تفتقر إلى خدمات أساسية مثل الماء والتعليم وغيرها. الفئة (10): الأسرة والعائلة وفق عدة مداخل تنموية، حيث يمكن خدمة الآباء والأمهات، ويمكن خدمة العائلات المرتبطة بنشاط الشركة، ويمكن استهداف العمالة المنزلية المرتبطة بالعائلات مثل السائقين والخادمات والممرضات..إلخ. الفئة (11): موظفي الشركة، ومساهميها، وعملائها، ومورديها.. وهُم أهمّ وأقرب الفئات التي يجب خدمتها. ويمكن استخدام مداخل متعددة أخرى في اختيار الفئة المستهدفة، منها التخصص كخدمة الإعلاميين مثل مبادرة البنك الأهلي لتدريب الكوادر الإعلامية على فنون صناعة الأخبار والتقارير الصحافية في مجال المسؤولية الاجتماعية بالتعاون مع (تمكين)، ومنها النشاط كخدمة الصيادلة، ومنها المدخل العلمي كخدمة الأميين أو المؤلفين، ومنها المدخل الشرعي كخدمة الباحثين في مجال العلوم الشرعية. تجميع العقول المبدعة يا رجال الأعمال لتبني برامج المسؤولية الاجتماعية: لرجال الأعمال في مجتمعنا الكريم بصمة خاصّة في سائر أعمال الخير وبرامج المسؤولية الاجتماعية بفضل الله، وللغرف التجارية جهود كبيرة في توجيه وحثّ ومساعدة التجار ورجال المال والأعمال على خدمة المجتمع، إلا أننا نأمل -ونتوقع- أن عقول رجال الأعمال إذا اجتمعت بشكل – تطوعي- بلا قيود روتينية لتبني برامج المسؤولية الاجتماعية كلّ في منطقته وضمن حدود مجتمع نشاطه التجاري المحلي.. فستُسهم هذه الجهود في إحداث نقلة إيجابية كبيرة بإذن الله تعالى في مجال خدمة المجتمع. وهناك مجالس دورية لرجال الأعمال في كلّ منطقة تقريباً تتمّ بصورة اجتماعية، وهناك شباب الأعمال وشابات الأعمال في كلّ منطقة تقريباً، وهناك مراكز سيدات الأعمال.. ويمكن أن تكون هذه التجمعات هي المنطلق والبداية. وهنا أحبّ أن أستعرض نموذجين للأعمال العظيمة التي حققت نجاحاً ملموساً خلال فترة زمنية محدودة على أيدي رجال أعمال مخلصين.. النموذج الأول: تجربة (جمعية رجال أعمال إسكندرية) والتي انطلقت ونُظّمت بحيث تقدم الأعمال التالية: أولاً, برامج التشغيل والمشروعات التنموية : 1- برنامج الإقراض: تم إبرام اتفاقية مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بغرض توفير موارد فنية ومالية للجمعية لتنفيذ مشروع تنمية المنشآت الصغيرة والحرفية، واستطاعت الجمعية أن تنوّع من البرامج التي تخدم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر مثل برنامج إقراض الحرفيين وأصحاب المنشآت الصغيرة، وبرنامج خيري "الخير لمن يعمل " يهدف إلى مساعدة العاطلين عن العمل لبدء نشاط من خلال منحة تُدفع لهم على دفعتين. كما يقدم البرنامج خدمات غير مالية تتمثل في التدريب علي بعض النواحي الفنية والنواحي الإدارية في مجالات مسك الحسابات والتكاليف والتعامل مع التأمينات والرخص، وكذلك المعاونة في التسويق من خلال المعارض ومنافذ البيع. 2- برنامج "بشاير الخير" الموجّه للمرأة الفقيرة ويعتمد على نظام الإقراض الجماعي (كل مجموعة مكونة من خمس سيدات) وتراوح قيمة القروض ما بين 100 جنيه وحتى 500 جنيه وتراوح فترات السداد ما بين عشرة أسابيع و40 أسبوعاً. 3- برنامج محو الأمية: يُصرف مبلغ 120 جنيهاً للخريج القادرْ على العمل في محو الأمية، وتقوم الجمعية بتوفير الفصول والكتب والمشرفين، ويهدف المشروع إلى العمل على محو أمية السيدات المشتركات في مشروع بشاير الخير كخطوة أولى. ثانياً, مشروعات دعم العملية التعليمية، ومنها دعم التعليم الفني في المرحلة الثانوية والاهتمام بالتدريب العملي المتخصص من خلال المصانع القائمة المتاحة، ومشروع تزويد المدارس الحكومية بالطاولات المدرسية. ثالثاً, مشروعات خدمة المجتمع، ومنها مشروع إطعام الفقير حيث تمّ الاتفاق مع وزارة الشئون الاجتماعية لتوزيع وجبات مجانية للمستفيدين من إعانات الضمان الاجتماعي وعائلات الأيتام في جمعية الرضوان الخيرية وجمعية إيلاف لكفالة اليتيم على أساس أنهم أحوج الناس، وقد استبدلوا الوجبة الجاهزة بأصناف جافة تفيد الأسرة في عددٍ من الوجبات. ومنها مشروع كفالة المريض، ومنها مشروع "الخير لمن يعمل" الذي يهدف إلى دفع مَن لا عمل لهم لإيجاد فرص عمل خاص بهم يدر عليهم دخلاً.. ويعتمد على أن يختار مشروعاً ويتم منحه مبلغ دفعة أولى، وإذا نجح في مشروعه يُمنح مبلغاً آخر للاستمرار في مشروعه. رابعاً, مشروعات لخدمة مجتمع الأعمال، منها مركز التحكيم في المشكلات التي تواجه رجال الأعمال، وخدمات لرجال الأعمال مثل الاشتراك في قاعدة بيانات منظمة ITC التابعة لـUNCTD وهي قاعدة بيانات تسويقية تقدم خدماتها بالاشتراك للمؤسسات غير الحكومية حيث تقدم معلومات مهمة أساسية عن الأسواق المختلفة يمكن إفادة الأعضاء ومجتمع الأعمال منها، كما تقدم الجمعية تسهيلات وتيسيرات لأعضائها للحصول على تأشيرات الدخول إلى البلاد المختلفة من السفارات والقنصليات.. كما تساعدهم أيضا على الحصول على تخفيضات على تذاكر السفر. ومنها الصفحة الإلكترونية التي تتضمن بياناً بأعضاء الجمعية وبياناتهم يتمّ تحديثها بصفة مستمرة، وتوفر معلومات مختلفة كفرص للتصدير والاستيراد والمناقصات والمعارض الدولية والمحلية، وتتضمن بياناً بالكتب الجديدة في مكتبة الجمعية..إلخ. ومنها دراسة مشاريع القوانين والأنظمة الجديدة مثل مشروع قانون ضمانات وحوافز الاستثمار ومشروع قانون المنافسة. النموذج الثاني: ساهم رجال الأعمال والشركات في ‏26‏ صندوقاً للإقراض متناهي الصغر تمّ إنشاؤها في جميع محافظات مصر في إطار قانون المنشآت الصغيرة وبما يعمل على إقراض الأسر المنخفضة الدخل‏، واعتُبرت صناديق الإقراض متناهي الصغر ‏آلية فعّالة لتقليل الفقر ومواجهة العشوائيات، والغريب أن هذه الخطوة قدْ تمتْ بناء على الاستفادة من التجربة التونسية التي كانت حكومية الطابع والتي رصدتْ أكثر من ‏25‏ تجمعاً فقيراً تمثل ‏90 في المائة‏ من الفقر في تونس. وعلى غرار ذلك.. فأنا أعتقد أن بإمكان رجال الأعمال السعوديين الاستفادة من تجربة محمد يونس مؤسس ومدير بنك جرامين، ويمكنهم تحقيق نجاح أكبر مما حققه لأنهم عدة عقول.. ولأن باستطاعتهم تجاوز الأخطاء التي وقع فيها بتوفيق الله تعالى. لقد أسّس هذا الرجل نوعاً منفصلاً من الأعمال الاجتماعية التي ساعدت الملايين من أفقر الناس على التخلّص من مصيدة الفقر، لأنه يؤمن بإعطاء الفقراء فرصة لتغيير حياتهم، وقام بتأسيس بنك جرامين في بنجلادش عام 1983 بعد أن فشلت محاولاته في تشجيع البنوك في مساعدة الفقراء، وهو يصف شركته باعتبارها عملاً اجتماعياً يحتوي على العديد من عناصر المسؤولية الاجتماعية التي تتبناها الشركات. وفي إشارة سريعة لما حققه فقد عمل التالي: ساعد النساء الفقيرات جداً بقروض بسيطة جداً للإنتاج وتحقيق الدخل، ولأن معظم النساء كنّ أميات ولم يرسلن أولادهن إلى المدرسة بسبب الفقر، فقد بدأ برنامج تعليمي بين المقترضين، ومنح الناس فرصة عن طريق الإصرار على تعليم أطفالهم ومنعهم من الوقوع في مصيدة الفقر مرة أخرى إذا وصلوا إلى سنّ البلوغ. ثم تفرّع قسم جرامين للأعمال من البنك وقام بتأسيس مشروع مشترك مع "دانون" للمساعدة في إطعام الفقراء من خلال بيع لبن الزبادي المعلب الذي يحتوي على كامل العناصر الغذائية الضرورية، ويتمّ استثمار أي أرباح في نفس المشروع. ثمّ قام بنك جرامين بتوقيع اتفاقية مع منظمة "فيوليا للمياه" لتوفير مياه الشرب النقية لأكثر المجتمعات فقراً، ثم "جرامينفون" أكبر شركة للهواتف المتنقلة في بنغلاديش مع 18 مليون مشترك والتي صُممت لتوفير خدمات الاتصالات للفقراء. ولأن الهواتف النقالة بحاجة إلى الطاقة فقد أسس شركة للطاقة الشمسية تدعى "جرامين للطاقة"، وكانت الشركة تهدف لبيع 100 وحدة شمسية في الشهر، إلا أنها تبيع نحو 5000 وحدة في الشهر باستخدام معايير البنك للقروض الصغيرة التي تُسدد على أساس أسبوعي. ولأنّ معدات الطاقة الشمسية بحاجة إلى الصيانة، فقد قام بتدريب النساء للمحافظة على المعدات وأطلق عليهنّ اسم مهندسات الطاقة الشمسية المعتمدات من قبل جرامين. "إنها طريقة أخرى للنظر إلى العالم.. وهي تكمن في تمكين الفقراء من تغيير عالمهم"، إن الأمر ليس تقديم صدقة.. بلْ إعطاء الناس الأمل لبدء أعمال تجارية صغيرة تحدث فرقاً حقيقياً في حياتهم من خلال الحصول على القروض الصغيرة. كيف تتأكد الشركات أنها على الطريق الصحيح لخدمة المجتمع؟ أولاً: القيم والاستراتيجية والأهداف: أن يكون توجه المنشأة لأداء المسؤولية الاجتماعية نابعاً من قيم أخلاقية راسخة تبنى عليها الاستراتيجيات والخطط والأهداف.. وبالتالي تكون تنمية المجتمع ضمن استراتيجية الشركة وأهدافها الرئيسية، ومن ثمّ يتمّ وضع الخطط لتنفيذ هذا الهدف، ووضع السياسات لتقييمها ومراجعة وتطوير ما يلزم بشكل مستمر. يجب أن تصبح المسؤولية الاجتماعية مثبتة ضمن القوائم المالية للميزانية العمومية وتطبيق سياسة الإفصاح وأن تأخذ حيزاً من توصيات مجالس الإدارة بالموافقة حرصاً على التسابق نحو تنفيذها والمشاركة الفاعلة مع مؤسسات المجتمع العام. لذا على الشركات القيام بإصدار تقاريرها السنوية غير المالية والتي تحدد فيها آليتها بوضوح في المسؤولية الاجتماعية، لتحقيق مبدأ الشفافية ومساعدة وسائل الإعلام على القيام بمسؤولياتها تجاه تلك الشركة، وإلا فستبقى المسألة ضمن أخبار التسويق وبرامج العلاقات العامة. ثانياً: الهيكلة والمسؤولية: تحديد مسؤولية تنفيذ ومتابعة برامج خدمة المجتمع وحصرها في إدارة أو قسم محدد ضمن الهيكل التنظيمي والإداري للشركة، وهذا يساعد في مساءلة ومتابعة الأداء من قبل الإدارة العليا التي يجب أن يكون دورها واضحاً في هذا الشأن لأن برامج المسؤولية الاجتماعية يجب أن ترتكز إلى دعم أعلى سُلطة إدارية في الشركة. وحتى في حالة الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.. يجب أن يتولى مسؤولية تنفيذ هذه الأهداف فريقٌ أو أفرادٌ محددون. وهنا أؤكد أن من الملاحظ جداً أن كثيراً من كبرى المصارف والشركات في مجال العقار والمقاولات على سبيل المثال.. لها خدمات اجتماعية بعشرات الملايين.. ولكنها لا تقدم هذه الأعمال من خلال إدارات وأقسام متخصصة. ثالثاً: تبني برامج ناشئة من حاجة المجتمع ومتوافقة مع تخصص الشركة: أن تحرص الشركة على فهم المجتمع المحيط بها والظروف التي يعيش فيها والاحتياج القائم فعلياً، ويمكن أن تعقد إدارة الشركة حلقة نقاش وعصف ذهني بمشاركة العاملين وعينة من أفراد المجتمع المحيط للوصول إلى قائمة من الأفكار التي يمكن للجهة تنفيذها، ثمّ يتم فرز تلك الأفكار بناء على كفاءات الشركة، وتحديد أولويات التنفيذ. كما أنه من المهم جداً الحرص على الأعمال ذات الصلة بأهداف ونشاطات الشركة، والأخذ بمبدأ التعاون والتنسيق والتشاور مع المؤسسات الأخرى ذات العلاقة للقيام بمشاريع مشتركة ذات أهداف تخدم المجتمع، وألا تكون برامجها غير مركزة ولا مجرّد استجابة للضغوط، ولا وفق هوى متخذ القرار دون رابط فعلي مع كفاءات الشركة. رابعاً: القدرة على التنفيذ مالياً وإدارياً: أن تحرص الشركة على تنفيذ الأفكار مع التأكد من تفعيل طاقات المجتمع "تنمية المجتمع باستخدام موارده الذاتية" الذي يرتكز علي النواحي الإنسانية والمواهب الفردية والعلاقات الاجتماعية التي تعد المحرّك لنشاط المؤسسات وشبكات العلاقات غير الرسمية في المجتمع. ونقترح هنا الاستفادة من الكفاءات والإمكانات النسائية لهذه المهام, حيث لوحظ تميزهن في توجيه دفة أعمال المسؤولية الاجتماعية في عدد من الشركات. خامساً: التدرج وتطوير الإمكانات والمكتسبات: من المهم للشركات – ورجال الأعمال– البدء ببرامج تدريجية في تنفيذ مشاريع المسؤولية الاجتماعية يسهل عليهم تنفيذها لضمان النجاح وتطوير إمكاناتهم الداخلية مثل تدريب الموظفين والرعاية الاجتماعية لأسرهم والاستفادة من نتائج وتبعات المكتسبات الجديدة الناشئة عن تقديم البرامج للمجتمع والارتباط به بشكل أكبر، ومن ثمّ تبني الاستمرارية وفقاً لقدرات المنشأة مع العمل على تنمية بعض هذه المشاريع لتصبح على المدى الآجل كيانات مستقلة. من النماذج في ذلك ما ذكره نائب رئيس مجموعة عبد اللطيف جميل المحدودة أن برنامجهم لخدمة المجتمع بدأ صغيراً بعشر سيارات (أجرة)، ثمّ توالت البرامج وتوسعت، وقال «إننا كلما تعمقنا في العمل الخيري وجدنا المسؤولية أكبر وأعمق»، مشيراً إلى أنه ليس كل المحتاجين يحتاجون إلى مساعدة مالية، بل هناك من يحتاج إلى عمل منتج. قطاعات الاستثمار الخاصة التي يتطلع المجتمع إلى خدماتها نحن لا نستطيع بطبيعة الحال استقصاء كافة القطاعات والتخصصات.. ولكننا نعلم أن لدينا في كافة قطاعات الاستثمار الكبرى عدداً من الشركات الاستثمارية اللامعة جداً.. ومع ذلك لا تكاد تُذكر عند الحديث عن المسؤولية الاجتماعية!! ولا نتذكر سوى اسم أو اسمين قاموا بتبني جهوداً منتجة في كلّ قطاع.. بلْ ولا نبالغ أننا سنلاحظ عدداً من قطاعات الاستثمار ولا نكاد نتذكر اسم شركة واحدة لها جهد بارز تجاه خدمة المجتمع في هذه القطاعات: البنوك والمصارف وشركات التأمين والتقسيط والخدمات المالية. وكلاء شركات السيارات العالمية وشركات المعدات الثقيلة. المستشفيات الكبرى والمراكز الطبية المتخصصة. شركات التطوير العقاري والمقاولات. شركات الاتصالات وتقنية المعلومات والحاسب الآلي. الفنادق والمطاعم الكبرى وقاعات المناسبات والاحتفالات. الشركات التجارية وخاصة كبار وكلاء الشركات العالمية المختلفة. المصانع المتنوعة وخاصة المصانع المرتبطة بالمنتجات النفطية والمنتجات الغذائية. شركات النقل البري والبحري وخطوط الطيران الجوية. مدارس التعليم الخاص والمدارس العالمية والكليات والجامعات والمعاهد الأهلية. الأسواق والمراكز التجارية وسلاسل السوبر والهايبر ماركت. العائلات التجارية العريقة ورجال الأعمال الذين ارتبطت أسماؤهم بمجالات الأعمال منذ عقود. كلمات أخيرة .. للمجتمع .. وللشركات هذا المقال المفصّل في موضوع المسؤولية الاجتماعية تتكامل فيه الخبرة والحالات التطبيقية والمعايشة الميدانية للمجتمع ورجال الأعمال، إضافة إلى القراءات المتنوعة والاطلاع على تجارب المجتمعات التي قطعتْ شوطاً جيداً في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات وتجاربنا المحلية .. والنتيجة التي أريد أن أصل إليها هي تقديم رسالة واضحة بأنّ قضية المسؤولية الاجتماعية ليستْ عملية يتبناها القطاع الخاص فقط .. وإنما يجب أن تتكامل الجهود ويتحمل المجتمع بكل عناصره مسؤوليته أيضاً. كما أنّ هذا المقال يهدف إلى الإسهام في الجهود الكبيرة لنشر ثقافة خدمة وتنمية المجتمع التي يبذلها عديد من المؤسسات العامة والخاصة والخيرية، ويهدفُ إلى دعوة الشركات الخاصة - التي تأخرتْ - إلى الاهتمام وتبني البرامج الاجتماعية التي تتناسب مع تخصصها وإمكاناتها، ويهدفُ إلى مساعدة بعض الشركات مِن خلال تقديم أفكارٍ عملية للبدء بطريقة صحيحة، ويهدفُ إلى التعاون مع كافّة المهتمين والمتخصصين في مجتمعنا لإثراء أدبيات هذا الفكر من خلالِ خبرات محلية، ويهدفُ أخيراً إلى دعوة كبريات الشركات إلى تركيز جهودها وتبني نشرِ معرفتها والتنسيق فيما بينها لإحداث فرق وتغييرٍ إيجابي في المجتمع .. وقد اكتفيت بذكر أمثلة محدودة لشركاتنا الرائدة، مع تأكيدي على وجود خدمات كبيرة من عديد من الشركات التي لم أستطع الإشارة إليها .. وأقلّ واجب على كلّ من اطلع على تلك الجهود هو ذكرها والإشادة بها.
إنشرها