Author

حتى لا نصبح جداراً قصيراً (2 من 2)

|
خلال الأيام الماضية تطرق عديد من الكُتاب إلى حملة للرفق بالإنسان تبنتها إحدى الشركات الإعلانية، وحظيت برعاية مادية وإعلامية كبيرة، بحيث انتشرت إعلاناتها في معظم القنوات الفضائية، ومجمل الحملة يرسخ في الذهن أن المواطن السعودي يمارس اضطهادا للعمالة الأجنبية ويقوم بأعمال غير إنسانية ضد هذه العمالة. ولو كانت هذه الحملة الإعلامية منفذة خارج المملكة، ومن جهة أجنبية لتوقعنا أن هناك جهة ما تقف خلف هذه الحملة، ليس لأن الإنسان السعودي منزه عن الخطأ وعن وجود من يتعامل بشكل سيئ مع هذه العمالة، ولكن لأن الحملة التي نشرت على مستوى العالم عبر وسائل إعلام واسعة الانتشار حملت تعميماً ورسخت صورة المواطن والمواطنة بأنهما يمارسان الظلم على هذا الإنسان الضعيف البسيط الطيب الذي يبحث عن مصدر رزق. وبالطبع لا يمكن أن نطالب الحملة التي لم تُبن على دراسة أو حقائق علمية بأن تتحدث عما تقوم به بعض هذه العمالة من جرائم، وما تنشره الصحف عنها، فهذا الأمر لو تبنته الجهة الإعلانية التي قامت بالحملة لما وجدت من يدعمها. ومن المؤسف أن هذه الصورة السيئة التي صُور بها المواطن التقطها عديد من وسائل الإعلام الأجنبية لتدلل على صدق ما تقوله عن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة. وهذه الحملة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لأنه سبقتها عمليات تشويه إعلامي للمواطن السعودي، فمن تصويره في بعض الإعلانات بأنه غبي يهجم على رفوف أحد المراكز التجارية ليشتري كل ما على هذه الرفوف من سلعة يُرَوَج لها في الإعلان، إلى تصويره يتراجع عن موقفه حين يشم رائحة أكلة فيندفع إليها كالمسعور، إلى تصوير رجال الأمن بأنهم يخشون مواجهة المواقف عبر مشاهد تمثيلية تهدف لإضحاك الناس حتى ولو على حساب سمعة رجل الأمن, الذي هو محل تقدير ويشهد له الجميع بالكفاءة، أو عبر مسلسلات تستهزئ برجل متدين أو تسخر من تصرفات الأطباء السعوديين وتقلل من كفاءتهم وتصورهم على أنهم لا يفهمون شيئا في مجال تخصصهم وما يهمهم هو تسريحات شعورهم. إن ما يؤسف له أن هناك منظمات حقوقية ترعى الحوادث الفردية وتسارع إلى تبنيها، في حين أن تشويه مجتمعٍ كامل والسخرية من منجزاته ومن إنسانه أصبح أمراً طبيعياً لا يثير فينا مشاعر الغضب. والسؤال: أليس من الواجب ألا يُطرح أمرٌ يتعلق بنا كدولة وشعب بناء على اجتهادٍ فردي هدفه مادي بحت، وإنما بعد أن يمر على جهات تتأكد من هدف هذه الحملة ومن يقف وراءها ومن يمولها والنتائج المتوقعة منها؟ ثم هل تستطيع هذه الجهة الإعلانية أن تُعد إعلانات مماثلة عن دول لها فيها مصالح دون أن تخشى أن تتأثر مصالحها، أو عن عمالة اشتهرت بكثرة جرائمها دون أن تخشى أن ترفع عليها قضايا من قبل تلك العمالة أو من قبل دولها؟ يجب أن يدرك من يعمل في هذه القطاعات التجارية أن الوطن والمواطن ليس جداراً قصيرا يتسلقه كل باحث عن شهرة، أو يستطيع من يشاء أن يثري على حساب سمعته، بل هناك حدود أخلاقية قبل كل شيء يجب ألا يتم تجاوزها.
إنشرها