Author

مَن المسؤول عن إعادة إعمار غزة؟

|
بعد توقف العدوان قسرا على قطاع غزة الباسلة الصامدة والمقاومة رغم أنف المتخاذلين خلف أقنعة العقلانية والواقعية، كثر الحديث وتصاعد عن مشاريع إعادة إعمار ما تسببت فيه آلة الحرب العدوانية الصهيونية من قتل وتدمير للبشر والحجر دونما تفريق وتمييز ما بين مقر حكومي ومنزل ومدرسة ومسجد ومستشفى، بما في ذلك المدارس والمقار التابعة للأونروا الأممية، ومع أن الحديث العربي عن الإعمار كان صادقا ونابعا من الواجب تجاه أشقاء وإخوة عانوا من عدوان كأضعف إيمان ما نستطيعه تجاه محنتهم، إلا أن الحديث الدولي، خاصة منه الأوروبي، عن الموضوع نفسه فيه ما فيه من شبهات مادية ونفعية بحتة بهدف تأمين فوز شركاته بأكبر قطعة من كعكة مشاريع إعمار غزة من ناحية، ومحاولة سياسية خبيثة من ناحية أخرى لتغطية العدوان وصرف الانتباه والأنظار عن محاسبة المتسبب فيه بجعل مسألة الإعمار بجوانبها الإنسانية تطغى على أي مسألة أخرى. جريمة العدوان الصهيوني هي مما لا يجوز اختزالها فقط في الجانب الإنساني الخيري وحده، فما تعرضت له غزة لم يكن مجرد كارثة طبيعية مما يقدره الله على عباده كالزلازل والأعاصير المدمرة التي لا حول لنا معها ولا قوة، بل كارثة حدثت بفعل فاعل متقصد متعمد جاءت على شكل عدوان همجي سافر بآلة عسكرية نازية النزعة دمرت وقتلت وشردت مستخدمة أعتى الأسلحة التقليدية والمحرمة دوليا وبوحشية وصفها من في فمه ماء من مسؤولين دوليين بأنها "إفراط باستخدام القوة"!، وهذه من التعابير الدولية المطاطة، وهذا "الإفراط" تسبب في تدمير أكثر من 410 منازل وجميع المقار الحكومية تدميرا كاملا، وتدمير 17 ألف منزل جزئيا، ومقتل 1320 إنساناً نصفهم نساء وأطفال نحسبهم عند الله شهداء ـ إن شاء الله تعالى ـ و5500 جريح، منهم 400 جراحهم بالغة وخطرة، نسأل الله لهم الشفاء والعافية، وهو ما يستلزم أن تكون عملية الإعمار لما دمرته وخربته آلة العدو العسكرية جزءاً من عملية محاسبة ومعاقبة، تقره الشرائع السماوية والقوانين الدولية كافة، لمرتكب هكذا جرم، الذي يجب ألا يرتكب جرمه ويفعل فعلته ويُكتفى بمعالجة الضحية دون أن يحاسب الجلاد، وإلا نكون كمجتمع دولي بكل قوانينه وشرائعه ومواثيقه نشجع على استنساخ هولاكو أو هتلر أو بوش بين وقت وآخر يعبث بشهوة الدم والقتل والتدمير بحياة الشعوب المغلوبة على أمرها. من ذلك نقول إن إعادة إعمار قطاع غزة يجب ألا تنفصل عن عملية محاسبة شاملة وعقاب للعدو على عدوانه وخرقه لكل القوانين، وأهمها الإنسانية، وأقل حد في ذلك هو إلزامه بدفع تعويضات وتحميله تكلفة إعمار ما خربته ودمرته آلته الحربية الغاشمة، ومثل هذا الإجراء العقابي والحسابي معروف ومشروع، وهناك أمثلة عليه، فكيان العدو الصهيوني نفسه ألزم ألمانيا بدفع تعويضات مالية له نظير ما ارتكبه الحكم النازي تجاه اليهود، خاصة فيما سُمي بالمحرقة، التي ما زالت ألمانيا تدفعها حتى اليوم.. !، وألزم العراق بدفع تعويضات هو الآخر للكويت بعد غزوه ولكل من تضرر من ذلك الغزو. وبنظرة عادلة وقانونية وبشهادات موثقة فإن العدو الصهيوني ارتكب ضد الفلسطينيين، خاصة في غزة، أخيرا الأفعال العدوانية نفسها التي ارتكبها النازي ضد اليهود وأبشع من المحرقة النازية لليهود، ونفس فعل الغزو العراقي للكويت، فما المبرر القانوني والشرعي والأخلاقي الذي لا يدعو لإلزام هذا العدو بدفع تعويضات مالية نتيجة ارتكابه عدواناً تسبب في إيذاء شعب آمن كامل مثلما حدث مع ألمانيا والعراق؟ هذه دعوة لضرورة ألا يُكتفى في حملة مقاضاة العدو على ارتكابه جرائم حرب برفع مطالب لمحاكمة مجرمي الحرب من قادة العدو العسكريين والسياسيين فقط، بل لا بد من إضافة المطالبة قانونيا بتحميل دولة العدو الصهيوني تكلفة إعادة إعمار غزة ودفع تعويضات للفلسطينيين الذين فقدوا من فقدوا وروعوا وشردوا نتيجة عدوانه البربري، الذي لا يختلف عن أي عدوان آخر، وهو ما قررته عديد من المنظمات والجمعيات الدولية واصفة ما حدث بأنه جريمة حرب مما يحرمه ويجرمه القانون الدولي، فالدمار الذي تعرضت له البنية التحتية أو ما تبقى منها بسبب الحصار في غزة من مدارس ومستشفيات وجامعات ومقار أمنية وحكومية وطرق وشبكات مياه وكهرباء واستهداف المدنيين مباشرة وتعمداً، وهو ما أسقط مئات القتلى والجرحى من الأطفال والنساء. من العار على هذا المجتمع الدولي أن يدعه يمر دونما عقاب وحساب لهذا الكيان القاتل، الذي يشهد تاريخه منذ إنشائه ظلما وجورا بالعدوان وارتكاب المجازر ضد المدنيين من "دير ياسين" الفلسطينية ومدرسة "حوض البقر" الابتدائية المصرية و"قانا" اللبنانية و"جنين" الفلسطينية وحتى مجازر غزة التي شهدها العالم، خاصة المتحضر منه، وهذه مجرد نماذج لنزعة هذا العدو الإجرامية، وما يشجع على الضغط عليه قانونيا وجره إلى ساحة العدالة القضائية هو أن هناك يقظة على امتداد الرأي العام العربي والدولي جراء ما شاهده من جرائمه في غزة، ما جعله يستعيد وعيه بحقيقة عنصرية وإجرامية هذا الكيان. ما يمكن أن يقال هنا هو أن المسؤول عن إعادة إعمار غزة هو من تسبب في تدميرها وتخريبها بالعدوان.
إنشرها