Author

مسائل حرجة في التقاعد

|
ما يعنيه التقاعد يختلف من شخص إلى آخر, فشخص يترقب هذه المرحلة ليتخلص من القيود اليومية التي يفرضها العمل, وشخص آخر ينتظر هذه المرحلة ليتفرغ إلى أعمال وهوايات يحبها ولم يجد الفرصة في السابق لممارستها, وآخر ينظر إلى التقاعد على أنه فرصة للسفر والتجول وزيارة أماكن ودول كان يود زيارتها ولكن ظروف العمل كانت تحد من قدرته على القيام بذلك. وهناك من عنده خوف من الوصول إلى مرحلة التقاعد لأنها تعني له الفراغ والخروج من الأجواء التي ألفها, وربما الابتعاد عن الأشخاص والأصحاب الذين اعتاد العيش معهم. وهناك كثير من الناس ممن يشعر بالقلق من الوصول إلى هذه المرحلة, وهذا القلق مشروع, ولكن المطلوب أن نوظف هذا القلق بشكل إيجابي, وذلك من خلال التخطيط لهذه المرحلة والاستعداد لها لا باعتبارها فترة زمنية زائدة في حياة الإنسان, بل هي محطة عمرية فيها إمكانات كثيرة يجب أن تستثمر لمصلحة ذلك الإنسان المتقاعد ولمصلحة مجتمعه. التخطيط لمرحلة التقاعد مسألة مهمة, ولكن المسؤولية هنا لا تقع على المتقاعد وحده فقط, بل يجب على المجتمع وكل المؤسسات الاجتماعية أن تشارك المتقاعد في تحمل هذه المسؤولية. وهناك عدة أمور يجب أخذها في الحسبان عند التخطيط لمرحلة التقاعد, منها أمور تختص بحياة المتقاعد نفسه وأمور لها علاقة بدور المتقاعد في المجتمع وكيفية جعل هذا الدور إيجابيا على الصعد كافة. الشأن المالي وضمان الموارد المالية الكافية للعيش بشكل مستقر يأتي في مقدمة اهتمامات المتقاعد. وضمان هذا الأمر يتطلب إعدادا مسبقا له. الراتب التقاعدي, الذي هو من حق المتقاعد, يجب أن يراعى فيه عدة أمور اقتصادية, منها مسألة التضخم والمستوى الاقتصادي العام وما قد يستجد من أمور اقتصادية تمس حياة الإنسان اليومية. ويجب أن تكون هناك مؤسسات مالية تقدم المساعدة المختصة للمتقاعد على كيفية الادخار والتخطيط المالي لمرحلة التقاعد. فالراتب التقاعدي قد لا يوفر كل مستلزمات حياة الإنسان المتقاعد ولا بد أن تكون له مصادر أخرى, وهذا في حاجة إلى تخطيط وإعداد مسبق. وهناك المسألة الصحية للمتقاعد, وهي تحظى باهتمام كبير من المتقاعد, وعلى المجتمع أن يقدم كل أنواع المساعدة التي تعين المتقاعد على المحافظة على صحته, فيجب أن تكون هناك جهات حكومية ومدنية تتكفل بتوعية المتقاعد بالمتطلبات الصحية في هذه المرحلة من العمر. هناك كثير مما يمكن فعله في هذا المجال, وكلما ازداد الإنسان المتقاعد وعيا بالأمور الصحية فإن هذا سيعود بكثير من المنافع عليه وعلى مجتمعه. ومن حق المتقاعد على المجتمع أن يساعده على كيفية قضاء وقته وفراغه بالشكل المريح والمنتج. ففي قطاع السياحة يجب أن تكون هناك برامج سياحية موجهة للمتقاعدين, وهذا ما نفتقده في مجتمعنا. وعلى صعيد النشاط الاجتماعي هناك حاجة إلى نواد صحية واجتماعية تهتم بشريحة المتقاعدين. وهناك خبرة وتجارب ناجحة في المجتمعات الأخرى وعلينا أن ندرس مثل هذه التجارب ونحلل كيفية الاستفادة منها في مجتمعنا, فالنوادي الاجتماعية تستطيع أن تقدم للمتقاعد من الخدمات ما لا تستطيع الأسرة أن توفرها له. وهناك مجال مهم في موضوع المتقاعد وهو دعم المتقاعدين العمل التطوعي, فكثير من المتقاعدين ما زالوا قادرين على العطاء ولديهم من الخبرات التي يمكن الاستفادة منها في مجالات كثيرة. علينا أن نتوجه إلى المتقاعدين وأن نعد لهم الظروف المناسبة التي تتناسب وأوضاعهم للمشاركة في أعمال تعود بالخير على المجتمع, وفي الوقت نفسه تتيح الفرصة لهم لقضاء أوقاتهم ونقل ما عندهم من خبرات لمن سيأتي بعدهم. إننا اليوم نعيش في فترة يزداد فيها عدد المتقاعدين ومن بينهم كثير ممن عندهم خبرات جيدة في مجالات مختلفة, وبالتالي فمن الضروري أن نجد المؤسسات التي تساعدهم على الانخراط في أعمال اجتماعية تطوعية تساعد المجتمع على تنمية نفسه. العمل التطوعي له اليوم دور كبير في بناء المجتمعات المتطورة وللمتقاعدين دور مهم ويجب تفعيل هذا الدور في مجتمعنا. التقاعد محطة عمرية تستحق أن نخطط لها على المستوى الشخصي والاجتماعي, فالمتقاعد لا يعني تقاعده عن العمل توقف مسيرته في الحياة والعطاء لمجتمعه. هناك حاجات للمتقاعد يجب أن يهتم المجتمع بها, وهناك عند المتقاعد طاقات يجب الاستفادة منها, وبالتالي فمن مصلحة المتقاعد والمجتمع أن تشاع ثقافة التخطيط والإعداد المسبق لمرحلة التقاعد لمصلحة المتقاعد والمجتمع.
إنشرها