تونس: التراث الشفاهي رافد من روافد الذاكرة الثقافية الجماعية

تونس: التراث الشفاهي رافد من روافد الذاكرة الثقافية الجماعية

يكتسي التراث اهمية بالغة في المحافظة على الهوية الوطنية وصيانتها واحيائها ويتجلى ذلك خاصة من خلال مزيد الاهتمام بالمخزون الحضارى بمختلف اشكاله من ضمنها تكثيف العناية بالتراث الشفاهي بما فيه الألسن كمحمل للتراث الثقافي اللامادى الذى تتناقله الأجيال بصفة متواترة ويشكل شهادة على الهوية الجماعية كما يمثل التراث الثقافي اللامادى الذاكرة العريقة لمعارف الجماعة وصنائعهم ومخيالهم ومعتقداتهم وحذق معارفهم التقليدية ومختلف تعابيرهم عن حياتهم اليومية وتعيد المجتمعات والمجموعات بعث هذا التراث طبقا لتاريخها ولمعطيات مجالها وتفاعل هذا مع الطبيعة وهو بذلك يكسبها الاحساس بالهوية والاستمرارية ويسهم في تعزيز احترام التنوع الثقافي والابداعية الانسانية وهو التعريف الذى اطلقته منظمة اليونسكو على التراث الثقافي اللامادى والذى يبقى التراث الشفاهي من ابرز مكوناته ويغطي التراث الشفاهي كل ما تنقله الذاكرة بلسان العامة حول الطقوس والمعارف الشعبية من أغان وشعر وقصص وملاحم وسير فضلا عن الاحاجي والنكتة واغاني هدهدة الاطفال وذلك استنادا لما بينه الاستاذ عبد الرحمن أيوب الباحث في التراث الثقافي اللامادى في المعهد الوطني للتراث ويحمل التراث الشفاهي المكتسبات اللسانية بشكل مستمر متعلقة بظواهر تراثية وممارسات ويزيل في الوقت نفسه ما لم يعد متداولا بين الناس وخارجا عن الاستعمال ويتأكد في هذا السياق تواتر الذاكرة الشفاهية وتنقلها من جيل إلى آخر باعتبارها الرابط بين الاجيال من حيث تواصلها والتعبير عن ذاتها الثقافية خاصة وعن معارفها بصفة أشمل. ويفيد المصدر ذاته أنه لا توجد جهة في تونس تتميز عن غيرها بثراء زادها التراثي الشفاهي لكن كل جهة تعرف بصنف من هذا التراث اكثر من غيرها على غرار الجهات القائمة على ضفاف البحر التي تطغى عليها الثقافة الشعبية البحرية"اغان واشعار عند الصيد ومعتقدات حول البحر". وتتنزل في هذا الاطار أغاني الحصاد التي تردد في المناطق الفلاحية في الشمال الغربي وتراث الترحال حيث توجد المراعي بين الوسط والجنوب"اغان ومعتقدات شعبية نجدها ممثلة في باب القول كالأمثلة الشعبية". ونظرا للدور الإيجابي الذى يضطلع به التراث الشفاهي في الحفاظ على الذاكرة الثقافية الجماعية فتحت الجامعة التونسية منذ عدة سنوات مجال تدريس هذا التراث ضمن قسم التاريخ كما تناوله بالدرس أساتذة جامعيون وأخصائيون من تونس وخارجها في إطار لقاءات تونس الدولية الأولى 2007 للتراث الثقافي اللامادى والذى أفرده المعهد الوطني للتراث بنواة بحثية مختصة في التراث. ومن بين الباحثين الذين اهتموا بهذا الموضوع الاستاذ محمد الجويلي الذى جمع الحكايات الشعبية في كتاب يحمل عنوان "انتروبولوجيا الحكاية الشعبية" كما أعد دراسة حول "المعمار في الحكاية الشعبية وهندسة القيم الاجتماعية". وتحدث فيها عن تداول العمارة والمعمار خاصة في الحكايات البلدية لتونس الحاضرة حيث يضطلع المعمار بدور وظيفي في نسيج خيوط الأحداث وفي نحت جماليتها وغاياتها الأخلاقية في حكايات نسوية تصور البيت العربي التونسي التقليدى كما اتجهت العناية بالكائنات البائنات في الحكاية الشعبية التونسية اى الحكايات التي يروى فيها عن الهيئات والصور الغريبة مثل الغولة والمارد والعفريت وهو موضوع بحث أعده العادل خضر وأشار فيه إلى ان الحكاية بصفة عامة تمكن السامع من مواجهة مخاوفه وترويضها من خلال تشكيلها في حكاية غير أن ما يميز الحكاية الشعبية عن سائر أنواع الحكايات هو تطويعها لتلك المخاوف بطريق فريدة وطريفة في آن واحد ولعل من الجوانب الطريفة في تناول مكونات الحكاية الشعبية عنصر الحب الأسرى من خلال هذه الحكايات والذى خصه الاستاذ نور الدين الليالي بدراسة بين فيها ان الحكاية الشعبية تعتبر من وسائل التنشئة الاجتماعية فهي تحافظ على تماسك المجتع من خلال وجود قدر مشترك من القيم والعادات والتقاليد والاتجاهات والأفكار بين اعضاء الاسرة ويتجلى في هذا السياق دور المخيال الاجتماعي في تجسيد الحب الأسرى وذلك بالعودة إلى حكايات لا تزال عالقة في الأذهان منذ الطفولة على غرار حكايات عبد العزيز العروى الذى يعد مدرسة في مجال الحكايات الشعبية يتجاوز تاثيرها البلاد التونسية الى ليبيا والجزائر والمغرب. وفي سياق متصل تحدثت الاستاذة دليلة شقرون في بحثهاعن "الصبية الشقية في الحكاية الشعبية" وذلك من خلال سرد لمقاطع من هذه الحكايات وتفسيرها وإبراز صورة البطلة وتحكمها في النسيج الفني للحكاية الشعبية مثل "حبة الرمان" و"المراة ذات الاجنحة" وبالتالي حضور المرأة الفعلي في كل هذه الحكايات سواء لحظة الرواية او اثناء الأحداث وعلى هذا الاساس فان الحكاية الشعبية مهما تعددت انتساباتها الجغرافية والتاريخية تبقى في رأي العديد من الباحثين تعبيرا من تعبيرات الذاكرة الجماعية ورافدا من روافد الإرث الثقافي.
إنشرها

أضف تعليق