FINANCIAL TIMES

الحِلم السعودي يوشك أن ينفد.. فتداركوه

الحِلم السعودي يوشك أن ينفد.. فتداركوه

العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز تحدث باسم كل العرب والمسلمين، في قمة الكويت: المبادرة ظلت على المائدة، إلا أنها لن تظل كذلك إلى الأبد. وسبق للفيصل وزير الخارجية السعودي أن قالها أمام مجلس الأمن الدولي: إذا لم يتم التوصل إلى تسوية عادلة، فإننا سندير لكم ظهورنا. طوال عقود من العمل العام، لطالما دفعت بقوة عملية السلام العربية - الإسرائيلية. وخلال الأشهر الأخيرة، جادلت بأن خطة السلام المطروحة من قبل السعودية في الإمكان تطبيقها في ظل إدارة أوباما, إذا ما قبل الإسرائيليون والفلسطينيون معاً الحلول الوسطية الصعبة. لقد ذكرت لمستمعي أن الأمر يستحق بذل الجهد من قبل الإدارة المقبلة، ذلك أنه كما قال الدبلوماسي الهندي الراحل فيجاي لاكشمي نهرو بانديت: كلما بذلنا العرق في السلام، قل الدم المراق في الحرب. ولكن عقب شن إسرائيل هجومها الدموي على غزة، فإن تلك الدعاوى من أجل التفاؤل والتعاون تبدو الآن بعيدة عن الذاكرة. خلال الأسابيع القليلة الماضية، لم تكتف قوات الدفاع الإسرائيلية بقتل أكثر من ألف فلسطيني، بل شارفت على قتل آفاق السلام نفسها. وما لم تتخذ الإدارة الأمريكية المقبلة خطوات حاسمة، لمنع أي استطراد في المعاناة ونحر الفلسطينيين، فإن عملية السلام والعلاقات الأمريكية – السعودية، والاستقرار في المنطقة يمكن أن تواجه المخاطر. لقد صرح الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أمام مجلس الأمن الدولي، أنه إذا لم يتم التوصل إلى تسوية عادلة: فإننا سندير ظهورنا لكم. كما تحدث الملك عبد الله بن عبد العزيز باسم كل العرب والمسلمين، عندما قال خلال القمة العربية في الكويت, أنه على الرغم من أن المبادرة ظلت على المائدة، إلا أنها لن تظل كذلك طويلاً (إلى الأبد). إن غالبية العالم تشاطرنا هذه المشاعر، وأي حكومة عربية ستفاوض إسرائيل اليوم, ستكون عرضة بحق للشجب من قبل مواطنيها. إن اثنتين من ضمن أربع دول عربية لها روابط رسمية مع إسرائيل, قطر وموريتانيا, علقتا كل العلاقات معها، فيما استدعى الأردن سفيره. إن أمريكا ليست بريئة من هذه الكارثة. إن إدارة بوش لم تكتف بترك إرث مقزز في المنطقة، من قتل مئات الآلاف من العراقيين، إلى مشاهد الإذلال والتعذيب لهم في سجن أبو غريب، بل إنها، وعبر موقف متغطرس تجاه المجزرة في غزة, ساهمت في ذبح الأبرياء. إذا كانت الولايات المتحدة تريد مواصلة لعب دور القيادة في الشرق الأوسط, فإن عليها الحفاظ على سلامة تحالفاتها الاستراتيجية, وبالذات - "العلاقة الخاصة" مع السعودية - وعليها مراجعة سياساتها تجاه إسرائيل وفلسطين, بحزم وبعزم. إن الإدارة الأمريكية المقبلة سترث "سلة ملأى بالأفاعي" في المنطقة، إلا أن هناك ما يمكن فعله للإسهام في إخمادها. أولاً, على الرئيس باراك أوباما أن يعالج الكارثة في غزة وجذورها. وحتماً سيشجب إطلاق الصواريخ من قبل حماس تجاه إسرائيل. وعندما يفعل ذلك فإن عليه أن يدين كذلك فظائع إسرائيل ضد الفلسطينيين، وأن يساند تطبيق مقررات الأمم في ذلك الصدد, بأن يندد بقوة بالممارسات الإسرائيلية التي أفضت إلى هذا النزاع، من بناء المستوطنات في الضفة الغربية إلى حصار غزة، وإعلان نية أمريكا العمل من أجل شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، وبناء مظلة أمنية للدول الموقعة ومعاقبة تلك غير الموقعة، والدعوة إلى انسحاب فوري للقوات الإسرائيلية من مزارع شبعا في لبنان، وتشجيع المفاوضات السورية – الإسرائيلية من أجل السلام، وتأييد القرار الأممي الضامن لتكامل التراب العراقي. على السيد أوباما أن يدفع بقوة مبادرة الملك عبد الله للسلام، التي تدعو إسرائيل إلى نهج مسار مطروح في عديد من المقررات والقواعد الدولية، بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة في 1967، والقبول بالحل العادل المتفق عليه جماعياً لمشكلة اللاجئين وفقاً لقرار الأمم المتحدة (194), والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وبالقدس الشرقية عاصمة لها. وفي المقابل, سيتم إنهاْء حالة العداء ما بين إسرائيل وكل الدول العربية, وتحصل إسرائيل على علاقات دبلوماسية كاملة وطبيعية. في الأسبوع الماضي، كتب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خطابا إلى العاهل السعودي، مقراً بوضوح بأن السعودية هي زعيمة العالمين العربي والإسلامي، وداعياً جلالته إلى اتخاذ مواقف أكثر صدامية تجاه هذه "البشاعة الجلية وقتل أطفالك" في غزة. لقد كان ذلك الخطاب بالغاً في دلالته، لأن الاعتراف الفعلي بالصدارة السعودية، من قبل واحد من أكبر خصومها رسوخاً، يكشف عن المدى الذي لعبته تلك الحرب في توحيد كل المنطقة. حتى هنا, فإن السعودية قد قاومت تلك المطالب، لكن ضبط النفس ذلك، يصبح من الصعب صونه، يوماً تلو يوم. فعندما تتعمد إسرائيل قتل الفلسطينيين, وتصادر أراضيهم، و تدمر مساكنهم، وتقتلع مزارعهم وتفرض عليهم حصاراً غير إنساني، يرثي العالم من جديد لمعاناة الفلسطينيين، يهتف كل ذوي الضمير في كل أرجاء العالم مطالبين بالتحرك. وفي الخاتمة، فإن السعودية لن تكون قادرة على منع مواطنيها من الانخراط في الانتفاضة العالمية ضد إسرائيل. بات كل سعودي اليوم مواطناً غزياً, وهنا نتذكر جيداً مقولة للعاهل الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز "آمل أن تغفروا لي تدفق مشاعري، ولكن ما إن أفكر في أن مسجدنا المقدس في القدس بات عرضة للغزو والتدنيس، فإني أدعو الله أنه طالما أننى لم أعد قادراً على الجهاد المقدس، فإنه لا ينبغي لي أن أعيش ولو للحظة أكثر". فلندع جميعاً أن يمتلك السيد أوباما البصيرة، الإنصاف، والعزم لكبح النظام الإسرائيلي، وأن يفتح صفحة جديدة في هذا النزاع الأكثر تعقيداً وتشابكاً. الأمير تركي الفيصل هو رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية، الرياض. عمل رئيساً للاستخبارات السعودية, وسفيراً لدى كل من المملكة المتحدة، وآيرلندا، وسفيراً لدى الولايات المتحدة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES