Author

غازي القصيبي وحكايته الغرائبية!

|
سماها حكاية فأراح واستراح، أراح النقاد والقراء واستراح من النقد والتقييم. هذه هي ملحمة "الجنية" كما كتبها شاعرنا الكبير ومفكرنا الخطير الدكتور غازي القصيبي، ملحمة مثل "فاوست" لـ "جيته" تناقش أهم ما في حياتنا من قواعد ثابتة وأساطير ومعتقدات وزواج وجنس ومال وصراع، لكنها لا تناقش كل هذا من خلال تقارير باردة وإحصاءات، إنها تناقشها من خلال "فانتازيا" رائعة، وحوارات عالية الخصوبة، بين الإنس والجن، وبين الواقع والخيال، وبين الظن واليقين. إننا أمام عمل فكري ضخم، من أمتع ما قرأت، أخشى أن أقول إنني لا أستطيع فك طلاسمه، واستكناه معناه.. ولكني على يقين أنه يريد ألا نثق كثيرا بالميتافيزيقا, وأننا يجب أن نكتفي من الجان والشياطين والسحر بما جاء في الكتب السماوية وألا نذهب أبعد من ذلك، أو نصدق غير ما جاء بها. ورغم أن التلخيص يضر بالعمل الفني فإننا نضطر إلى التلخيص لنضع القارئ في الصورة ويعرف عمن نتحدث وماذا نتحدث، والحكاية أن نفرا من الإنس تزوج من "نفرة" من الجن، إذا صحت اللغة، شاب عربي مسلم في طريقه إلى الولايات المتحدة، ليكمل دراسته، وتشاء ظروف السفر أو ظروف القدر أن ينزل في المغرب، وفي المغرب تبدأ حكايته المدهشة أو الغريبة أو الغرائبية فقد تزوج هذا الشاب المسلم من فتاة أحبها اسمها فاطمة الزهراء شافعي، يغادرها بعد ليال من المتعة الحارقة إلى الولايات المتحدة وعندما يعود إليها ويلقاها مرة أخرى يجدها كما هي بكل تفاصيلها ولكن باسم عائشة قنديش، وبأنها تنتسب إلى العالم السحري الماورائي، أي أن هذا الشاب المسلم أصبح زوجا لجنية التي تحمل الحكاية اسمها. ومن صفحة 87 من الحكاية يدخل البطل أو المؤلف في بحوث فقهية مطولة، في أكثر من 70 كتابا أهمها أحكام المرجان في أحكام الجان للشبيلي، وتعود أهميته إلى أنه يناقش العلاقة الجسدية بين الإنس والجان وهل هي ممكنة، وهل مناكحة الجن ممكنة، والشبيلي يرى أنها ممكنة. ولكن دعنانعود إلى الحكاية فالبطل واسمه ضاري يريد أن يعيد زوجته الجنية فقد فقد كل رغبة في المرأة وصادق عشرات من الأمريكيات فلم يضع يده في يد واحدة منهن. الضلع الثالث في هذه الحكاية جني اسمه "قندش" وهو يقول عن فاطمة أو عائشة إنها خالته، ومع قندش يخوض ضاري محاورات معمقة حول الجن والإنس. ويقول قدنش لضاري إنه لا يستطيع استعادة زوجته الجنية إلا أن يتزوج مرة أخرى من إنسية، ويتزوج ضاري من "آبي" وهي أمريكية فاتنة زميلته في الجامعة ويفشل تماما في التواصل الجنسي معها، ويطلقها على خلفية فشله الجنسي، ولكن بعد ذلك يلتقيان فيعرف أن "آبي" مصابة ببرود جنسي نتيجة اغتصابها طفلة، وانتهاكها في الجامعة وهي شابة، فلم يكن فشل العلاقة بسببه وحده. رائحة الجنس تفوح في الحكاية، ولكن ممارسة الجنس غائبة، تماما كما تنكسر زجاجة عطر في غرفة، الزجاجة غير موجودة ولكن العطر يملأ المكان، والحديث عنه لا ينتهي، ويقول "قندش" للبطل إنه قام ببحث على مستوى العالم (جنى بقى) فاتضح له أن الرجال في كل مكان يبحثون عن الجنس بنسبة 40 في المائة وعن المال بنسبة 35 في المائة وعن السلطة بنسبة 25 في المائة. ومضطرا أقفز صفحات كثيرة ماتعة، فالمساحة تضيق وليس عندي جني ولا جنية تمنحني مساحة أخرى. ويتزوج ضاري من جنية من أقارب فاطمة أو عائشة وينجب منها، وأقول ببساطة إن هذه الحكاية الغرائبية المدهشة ما هي إلا بحث من الإنسان (إنثروبولجي) في شكل فنتازي ماتع، لم يكتبها غازي القصيبي ولا ضاري القصيبي ولكن حاوي القصيبي، وياما في الجراب يا حاوي. أما أشعار إبراهيم ناجي الجميلة فهي عزف على الناي كالموسيقى التصويرية في الأفلام.
إنشرها