Author

قمة الكويت الاقتصادية والتجارة العربية

|
ناقشت القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في الكويت في بداية هذا الأسبوع عدة مسائل اقتصادية تتعلق بالعمل الاقتصادي العربي المشترك في مجالات التنمية الزراعية والأمن الغذائي العربي، تنمية القدرات البشرية، التنمية الصناعية، الطاقة والنقل والأمن المائي، الاستثمار، التمويل، المؤسسات المالية، التجارة البينية العربية، الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها علي الاقتصاديات العربية، ومسألة تحويل منطقة التجارة الحرة بين الدول العربية إلى اتحاد جمركي خلال الفترة من عام 2015 إلى 2020م، ثم تحويله بعد ذلك إلى سوق عربية مشتركة. وعلى الرغم من أن تنمية التجارة العربية البينية تعد من الأهداف الرئيسة التي سعت إلى تحقيقها برامج وخطط التعاون الاقتصادي العربي المشترك منذ تأسيس جامعة الدول العربية، إلا أنها تواجه العديد من المعوقات. فقد قامت الدول العربية بعدة مبادرات لتحرير التجارة البينية أهمها توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية والجماعية؛ كان أولها اتفاقية لتسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت في إطار الجامعة العربية في عام 1953م، ثم قرار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1964م بإنشاء السوق العربية المشتركة، وفي عام 1981م، تم توقيع اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية التي تعد ترجمة لأسس استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك التي تم إقرارها في قمة عمان في عام 1980م. ولكن هذه الاتفاقيات لم يكتب لها النجاح؛ فلم تفلح البرامج التي وضعت تنفيذاً لها في الوصول إلى تحقيق التكامل الاقتصادي الذي يتطلع إليه المواطن العربي، أو حتى على الأقل تحقيق نسبة مرضية من التبادل التجاري بين الدول العربية، وذلك على الرغم من مرور عقود على إبرامها؛ إذ تشير الإحصاءات إلى أن حجم التجارة البينية العربية في عقد الثمانينيات من القرن الـ 20 كان يتراوح بين 7 و8 في المائة من التجارة العربية الإجمالية، ثم ارتفعت هذه النسبة في عقد التسعينيات قليلا لتبلغ ما نسبته 9.4 في المائة فقط من إجمالي التجارة العربية، ففي عام 1990م بلغت قيمتها 22.7 مليار دولار (حيث بلغت قيمة الصادرات منها 13.9 مليار دولار والواردات 8.8 مليار دولار). وفي عام 1994م ازداد حجم التجارة العربية البينية قليلاً فبلغ نحو9.7 في المائة من إجمالي تجارة الدول العربية بما قيمته 24.1 مليار دولار، وظلت نسبة التجارة العربية البينية خلال عقد التسعينيات حتى عام 2002م عاجزة عن تحقيق أي زيادة مأمولة؛ بل تراجعت نسبتها إلى 9.5 في المائة. لهذا فقد تبنى مجلس الوحدة الاقتصادية العربية برنامجاً طموحاً لتنمية التجارة العربية البينية يهدف إلى زيادة هذه التجارة لكي تصل إلى نسبة 20 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية العربية خلال خمس سنوات بدأت من عام 2003م وانتهت في عام2007م؛ ومع ذلك فلم تصل بعد إلى تحقيق هذه النسبة. والحقيقة أن ذلك يرجع إلى معوقات عديدة عرقلت إنشاء تكتل اقتصادي عربي تكون لديه القدرة على تحقيق التكامل الاقتصادي العربي؛ يمكن ردها إلى عاملين أساسيين هما: العامل الأول: العامل السياسي المتمثل في الخلافات السياسية أو غياب الإرادة السياسية التي تكفل التغلب على المشكلات الاقتصادية التي تواجه إقامة السوق العربية المشتركة، هذا فضلاً عن التأثير السلبي للخلافات والأجواء السياسية بين الدول العربية في التعاون الاقتصادي. والدليل على أن هناك تأثيرا مباشرا للعامل السياسي في التكامل الاقتصادي أن عقد الثمانينيات من القرن الـ 20 شهد مساعي لقيام تكتلات اقتصادية عربية إقليمية ذات بعد جغرافي، حيث تأسس مجلس التعاون الخليجي في عام1981 م بين ست دول بهدف إقامة منطقة تجارية حرة بين دول المجلس؛ كما تم تأسيس مجلس التعاون العربي في عام 1988م بين أربعة دول هي: الأردن ومصر والعراق واليمن، وفي عام 1989م تم تأسيس اتحاد دول المغرب العربي بين خمس دول هي: الجزائر، المغرب، موريتانيا، تونس، وليبيا، بهدف توحيد التعرفة الجمركية الخارجية. فمن المعلوم أن العوامل السياسية لعبت دورا أساسيا في فكرة إقامة هذه التكتلات والمضمون الذي استندت إليه والنتائج التي توصلت إليها، إذ إن الأحداث التي مرت بها المنطقة العربية أدت إلى عدم تحقيق اتحاد المغرب العربي أهدافه لأسباب في مقدمتها الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء؛ وكان للخلافات السياسية أيضاً أثرها السلبي في مجلس التعاون العربي الذي لم يتم تفعيله على أرض الواقع، وعلى العكس من ذلك كان للتوافق السياسي بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي أثر إيجابي في تحقيقه نوعاً من النجاح الملحوظ في مجال التكامل الاقتصادي وهو في طريقه لتحقيق الوحدة النقدية مع حلول عام 2010م. وتظهر الأرقام التي أشرنا إليها آنفا الصورة غير المأمولة للعلاقات الاقتصادية العربية ومدى الحاجة إلى توافر رغبة سياسية صادقة في زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري العربي في وقت أصبح فيه للتكتلات الاقتصادية والسياسية دور مؤثر عالميا، وخاصة الاتحاد الأوروبي الذي يُعد نموذجاً في هذا المجال. أما العامل الثاني فيتمثل في الرسوم الجمركية: إذ إن العديد من اقتصاديات الدول العربية يرتكز إلى إيرادات الجمارك لسد احتياجاتها المالية والتنموية، وهذا من شأنه أن يعوق التعاون الاقتصادي العربي. ولهذا فقد اتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي قراراً في عام 1997م بانتهاج مبدأ التدرج في تطبيق تخفيض التعرفة الجمركية بين الدول العربية وصولا إلى التحرير الكامل. كما أن انضمام العديد من الدول العربية إلى اتفاقيات منظمة التجارة العالمية من شأنه أن يسهم في تخفيض الرسوم الجمركية ومن ثم التقليل من الآثار السلبية لهذا العامل، ومع ذلك فإن الإجراءات التي تتبعها بعض الأجهزة الإدارية المختصة ذات الصلة بحركة التجارة الدولية العربية، وخاصة إدارات الجمارك ما زالت دون المستوى المطلوب، ومن ثم نرى أن الوصول إلى تحقيق أهداف التكامل الاقتصادي العربي يتطلب إعادة النظر في العديد من السياسات الإدارية والاقتصادية من الناحية الواقعية والتطبيقية. ولذا فإنه كان من المتوقع أن تركز قمة الكويت أعمالها على إيجاد حلول حقيقية وواقعية لجميع التحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاديات العربية، حيث يتم تطبيقها تدريجياً خلال مرحلة محددة، ولا تكتفي القمة بمناقشة الآمال الاقتصادية للأمة العربية المتوقعة حتى عام 2020م.
إنشرها