Author

نحن نبشر بعصر لم يأت بعد

|
هناك كثير من الأمور المختلطة عند الشباب، ويسألني الكثير عن موضوع الجهاد في سبيل الله ومتى يحررون القدس؟ وهل إذا تعرض أحدنا لشقي وغد ألا يقاومه؟ والجواب على هذا قد بحثته كثيرا، ومن يقرأ ما كتبت، يتحرر من أوثان القوة، وأصنام الأسلحة إلى حد كبير.. هذا لمن أراد أن يفتح أذنيه ويراجع نفسه، ومنها مشكلة كارثة غزة في شتاء 2009م. ولهذا فطبيعة الأسئلة الثلاثة يمكن الإجابة عنها بسرعة، وهي في فهم آليات المقاومة السلمية، وأنها كانت ستكون أنفع بكثير للفلسطينيين لو اعتمدوها، وهذا يحتاج للفهم وقراءة التاريخ وتدريب الشباب عليها. ونحن نتفاءل أن يأتي من الشباب من هو أزكى وأنشط وأفهم منا فيعتمد هذه الطرق للمقاومة الإنسانية، التي يخرج منها كلا الطرفين صحيح الروح معافى البدن إلى حد كبير، بدل القتل وسفك الدم والتحطيم والتراوما (الصدمة) النفسية.. وهي كلها عجز وإفلاس أخلاقي وجنون وجريمة من أي طرف في أي مكان وزمان... والرسول صلى الله عليه وسلم وغيره في التاريخ كانوا مثل مطافي الدفاع المدني ليسوا لشن الحروب بل لإطفائها وهو ما تحاوله الأسرة الدولية ولكن بعجز وقرف لحين ولادة العالم الجديد.. فالأنبياء والرسالات جاءت بأمرين هما تحرير الإنسان من الطغيان الداخلي ضمن الدولة الواحدة، وإيقاف الحروب وسفك الدم بين مربعات الدول.. فوجب التفريق.. والجهاد ليس بيد حزب وطائفة وتنظيم، بل هو دعوة لإقامة حلف عالمي لرفع الظلم عن الإنسان أينما كان ومهما دان... وحروب الأرض المقرفة كلها صراعات على الامتيازات وفي رأسها السلطة.. مع أن وصية نبي الرحمة ألا نتسابق في هذا فهي متعة في الأول ولكنها كارثة في النهاية، كما هو الحال مع ما يحدث في غزة هذه الأيام، وآلام الناس من يخلقها هي القيادة السياسية.. ولكن يبدو أن البشر لا يتعلمون من كلماتنا الجوفاء البلهاء بل من نار المحنة والمعاناة، ولذا فالناس هذه الأيام فقدوا عقولهم صم بكم عمي فهم لا يفقهون.. حتى يبرد الدم فيقولون هل إلى مرد من سبيل.. والحروب هي في العادة بين الدول، ويجب أن توقف، وأن نكون نحن في صفوف من يدعو إلى إيقاف هذه الحروب المجنونة بداءة وانتهاء.. ولكن بيننا وبين الوصول إلى هذه العتبة مسافة ثلاث سنوات ضوئية. ونحن نبشر بعصر لم يأت بعد كما قال الشاعر التركي ناظم حكمت: أجمل البحار.. ذلك الذي لم نره بعد.. أجمل الأطفال .. ذلك الذي لم يكبر بعد.. أجمل أيامنا .. تلك التي لم نعشها بعد.. أجمل الكلمات.. التي وددت قولها لك.. هي تلك التي لم أقلها بعد.. امنح ثقتك قبل الأشياء للإنسان.. امنح حبك للسحب والكتب .. لتشعر كآبة الغصن الجاف.. والكوكب الخامد .. والحيوان المقعد ولتستشعر أولا اكتئاب الإنسان لتحمل لك الفرحة كل طيبات الأرض.. ليحمل لك الفرحة الظل قبل الضوء.. لتحمل لك الفصول الأربعة والخريف المنهار والشتاء الصقيع.. ولكن ليحمل لك الإنسان أو فرحة فزغرد طربا يا إنسان..
إنشرها