Author

الظاهرة الصوتية والمتاجرة بدماء الأطفال

|
تثبت كل الشواهد التاريخية والأحداث التي تلم بالأمة العربية والإسلامية أن غالبية العرب, مع الأسف, عبارة عن ظاهرة صوتية ليس إلا، وأن من يعلو صوته يكسب الرهان مع الشارع على حساب المنطق وحساب مستقبل الأمة. في مصيبة غزة التي قطعت نياط قلوبنا وجفت بها مآقينا، امتهنت فئة شاذة مهنة المتاجرة الرخيصة بدماء الأطفال وأشلاء الشهداء، ولم يألو جهدا في استغلال هذه الأزمة على حساب لحمة الصف العربي والإسلامي، حتى جعلوا من هذا المشهد مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية والخروج بأكبر المكاسب على ركام القضية الفلسطينية. الغريب في الأمر أن تلك الجهات التي علا صوتها ونحيبها تملك خيارات إستراتيجية ليس للضغط على إيقاف الحرب فحسب بل المساهمة في إنعاش القضية الفلسطينية وتحقيق كثير من المكاسب السياسية على أرض الواقع لكنها تأبى أن تستخدمها وتكتفي بالتلويح بخيارات الآخرين. أحد هذه الأطراف دولة شقيقة، أصمت آذاننا بمناداتها لعقد قمة عربية عاجلة ليس لإنقاذ غزة ولكن لإحراج الدول الإقليمية الأكثر تأثيراً, التي لا ترى قيمة للقمة ما لم تنتج قرارات فاعلة وقابلة للتحقيق وفق رؤية موحدة لجميع الأطراف تسهم فعلا في إيقاف الحرب. هذه الدولة لها أرض محتلة منذ فترة طويلة وهي لا تسمح بأن تطلق رصاصة واحدة من ترابها أو مجرد التفكير في استعادة الأرض المسلوبة, وهي تحرس الحدود أكثر مما تفعله إسرائيل، ومع الأسف إنها دأبت على تخوين الآخرين ووصمهم بأنهم في صف العدو الذي يقبع على مرمى حجر من عقر دارها. أما الدولة الإقليمية الأخرى التي لم تتوقف للحظة عن التهديد برمي إسرائيل في البحر, والتي تملك ترسانة أسلحة قد تجر إسرائيل إلى تغيير استراتيجيتها في المنطقة، فقد حذرت أي مواطن يخرج لنصرة أهل غزة ومنعت الأفراد من الذهاب إلى هناك كانتحاريين لأنها لا تريد الدخول في حسابات إقليمية معقدة فيما نعيقها ونعيق أبواقها يملأ المكان بالتعبئة الرخيصة تجاه بعض الدول الإسلامية المؤثرة التي لا تؤمن بأيديولوجيتها نفسها. أما الطرف الآخر فهو ما يسمى الحزب الإلهي الذي ما فتئ يخون كل الأنظمة العربية التي لا تتفق مع منهجه ولا تسير في نسقه, الذي جر الويل لأهله قبل الآخرين، لم نر منه ولا أمينه العام نجدة لغزة إلا الصراخ وكأنهم لا يملكون من قطمير، وحاول أن يتملص من المسؤولية أو على الأقل رد الدين لحركة حماس التي قامت بواجبها إبان حرب تموز بفتح جبهة أخرى على العدو وتحركت حينها لنصرة الحزب وتخفيف الضغط عليه، وتفرغ الأمين للبيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولتأجيج الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني وشق الصف العربي وتأليب الشعوب على حكامها لخلق الفوضى. لقد خيب الحزب ظن حركة حماس قبل الجماهير الإسلامية المتعاطفة, التي ساقتها العاطفة للتشكيك في مقولة إن هذا الحزب ولد ليكون ذراعاً عسكرية لقوى إقليمية وأنه مسيس ولا علاقة له ألبتة لا بتحرير الأراضي اللبنانية أو فلسطين, وأن هاتين القضيتين استخدمتا لكسب عقول البسطاء. لم يتحرك الحزب أبداً ولا أعتقد أنه سيتحرك، ويبدو أنهم استوعبوا الدرس وتأكدوا من حكمة ذلك البيان وأيقنوا أن أي خطوة قد تعد مغامرة غير محسوبة العواقب. أما آخر القوم وأصغرهم، فهي الدولة الشقيقة التي لا تتوقف حركة طيرانها ولا ينام مندوبوها في سبيل تحقيق مكاسب إعلامية على الأرض لرسم صورة نمطية عنها، ونسي أهلها أنهم ليسوا في حاجة إلى ذلك, وأن ما عليهم لنصرة أهلهم في غزة إلا أن يغلقوا أكبر قاعدة لوجيستية في العالم للحليف الأول والداعم الأكبر ومزود السلاح شبه الأوحد لإسرائيل. على جميع تلك الأطراف التحرك من الداخل قبل لوم الآخرين وجعلهم قرباناً على مذبح غزة وبدلاً من الركض خلف التصريحات العاطفية والحملات الإعلامية، عليهم أن يستوعبوا أن الصوت النشاز يشد الانتباه لكنه لا يطرب وأنه ما يلبث أن يخبو, وهو زبد يذهب جفاء والمستقبل كفيل بتلقينهم الدرس, وما قضية مغامرة الحزب الإلهي ببعيد. شيء يبعث على السخرية والحنق على واقع الأمة المرير والتأجيج الممزوج بحقد دفين واستغلال رخيص لأشلاء الشهداء وعلى موال نحيب الثكالى والمكلومين، التي تأبى النفس الأبية الخوض فيه أو المتاجرة به.
إنشرها