Author

الإنجاب والتغيرات السكانية في المملكة

|
هناك تفاعل عجيب بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والتغير السكاني من جهة أخرى. فانخفاض نسب الأمية وارتفاع عدد المتعلمين يؤديان إلى تغيرات في الإنجاب، ووفيات الرضع، والصحة العامة. ونتيجة للقفزات التنموية التي شهدتها المملكة، برزت تغيرات سكانية كثيرة تستحق الرصد والتأمل. ومن أبرزها التغيرات في معدلات الإنجاب التي حدثت في المملكة خلال العقود الماضية؛ فتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن الإنجاب لدى المرأة السعودية شهد انخفاضاً تدريجياً خلال السنوات الماضية. لقد كانت المرأة السعودية تنجب سبعة أطفال في المتوسط في منتصف السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، ولكنها الآن تنجب – في المتوسط -أقل من أربعة أطفال بقليل، بل تشير بيانات المسح الديموجرافي الذي نفذته مصلحة الإحصاءات العامة في عام 1428هـ (2007م) إلى أن متوسط عدد المواليد الأحياء للمرأة السعودية يراوح بين ثلاثة وأربعة مواليد. على أية حال، لقد نتج عن هذا التغير في الإنجاب انخفاض في معدلات النمو السكاني من أكثر من 3 في المائة خلال العقود الماضية إلى أقل من 2.5 في المائة في الوقت الحاضر. كما انخفضت نسب صغار السن السعوديين (دون 15 سنة) من 49 في المائة في عام 1413هـ إلى 39 في المائة في عام 1425هـ، ثم إلى 37 في المائة في عام 1428هـ، أي أن السكان دون سن الـ 20 يمثلون قرابة نصف إجمالي السعوديين في تلك السنة. ومن جهة أخرى، لا بد أن يتبع ذلك تغيراً في نسب كبار السن (أي السكان الذي تزيد أعمارهم على 65 سنة). وقد يبرز في ذهن القارئ تساؤل عن أسباب هذا التغير؟ والإجابة أن هناك كثيراً من العوامل تشترك في تفسير ذلك، مثل: ارتفاع مستويات التعليم في المملكة، وزيادة مشاركة المرأة في قوة العمل، وما تبع ذلك من تأجيل للزواج، وكذلك زيادة في استخدام وسائل تنظيم الأسرة. فالإحصاءات الأخيرة في عام 1428هـ تشير إلى أن نسبة السعوديات المتزوجات حالياً (المعرضات للحمل والإنجاب) اللائي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة تصل إلى نحو 26 في المائة، ولكن من المتوقع أن تكون النسبة أعلى من ذلك بكثير. ويعود انخفاض النسبة إلى حساسية هذا السؤال عن استخدام وسائل تنظيم الأسرة وكونه كان موجهاً للزوج بدلاً من الزوجة! وتجدر الإشارة إلى أن النساء من ذوي الدخل المنخفض ينجبن عدداً أكثر من الأطفال مقارنة بالنساء في الأسر الغنية، أي أن الإنجاب ينخفض كلما ارتفع مستوى الدخل. كما أن المرأة الريفية أكثر إنجاباً من المرأة التي تقطن في المدن الكبيرة. والقول نفسه يصدق على المرأة غير المتعلمة مقارنة بالمتعلمة. لعل القارئ الكريم يتساءل الآن: ما تأثير هذه التغيرات في الإنجاب؟ إن التغير في الإنجاب – كما هو معروف - هو العامل الرئيس المؤثر في التركيبة السكانية، وخاصة فيما يتعلق بتوزيع الأعمار، ولا يقل عن ذلك أهمية تأثيره في مستقبل النمو السكاني. وإذا استمرت الأمور في هذا الاتجاه، فمن المتوقع أن يشهد الوضع السكاني في المملكة تغيرات كبيرة تمس القوى العاملة وكبار السن وغيرهم. ومع هذه التغيرات المتوقعة أن عدد سكان المملكة سيستمر في النمو خلال العقود المقبلة، ليصل إلى 45 مليون نسمة عند منتصف هذا القرن، وذلك بناء على توقعات الأمم المتحدة. وهذا يعني أن معالجة القضايا السكانية ستبقى ملحة في المستقبل المنظور، بل ستبرز على الساحة قضايا سكانية جديدة، مما يحمل الجهات ذات العلاقة، ومنها وزارة الاقتصاد والتخطيط واللجنة الوطنية للسكان، ووزارة العمل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، مسؤولية كبيرة، ويزيد من الحاجة إلى وجود سياسة سكانية وطنية واضحة المعالم والأبعاد تعتمد على دراسات سكانية معمقة.
إنشرها