Author

هل حان وقت المبادرة بإطلاق جوائز تقديرية في قطاع الطاقة؟

|
شدني خلال الأسبوع الماضي إعلان في إحدى القنوات الإخبارية العالمية عن موعد توزيع الدورة الأولى من جائزة الشيخ زايد لطاقة المستقبل. ووفقا للإعلان ستتم تسمية الفائزين الثلاثة بالجائزة خلال حفل تكريمي خاص يقام في أبو ظبي يوم 19 كانون الثاني (يناير) الجاري على هامش "القمة العالمية لطاقة المستقبل" World Future Energy Summi. وتهدف الجائزة التي أعلن عنها ولي عهد أبوظبي في كانون الثاني (يناير) 2008 ضمن مبادرة "مصدر" إلى تحفيز جيل جديد من المبتكرين في قطاع الطاقة لتطوير حلول غير تقليدية للتحديات التي تواجه القطاع في الوقت الحاضر. وتمنح الجائزة للأفراد، والحكومات، والمؤسسات، والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على تقديم عطاء متميز له أفق عالمي في عدد من المواضيع ذات الصلة بمستقبل قطاع الطاقة. وتشمل مجالات الجائزة الستة: التغيرات المناخية، مصادر الطاقة المتجددة، أنظمة ترشيد الطاقة، كفاءة استخدام مصادر الطاقة التقليدية (الناضبة)، سياسات واستراتيجيات الطاقة، وسائل الاتصال والتوعية الشعبية. وتبلغ القيمة الإجمالية للجائزة 2.2 مليون دولار ستوزع على الفائزين الثلاثة بواقع 1.5 مليون دولار للفائز الأول و350 ألف دولار لكل من الفائزين الثاني والثالث لتمكينهم من تطوير ابتكاراتهم ونقلها إلى حيز التنفيذ. هذه المبادرة الجديرة بالإشادة والثناء تبرز إلى الواجهة السؤال الذي اخترته عنوانا لهذه المقالة. وفي سياق الإجابة عن هذا السؤال سيتم في هذه المقالة التعريف بأثر الجوائز التقديرية في تشجيع الإبداع والابتكار عموما في القطاعات الاقتصادية وفي المقدمة منها قطاع الطاقة في المملكة. لماذا الجوائز التقديرية؟ بداية قد يكون من المناسب تحديد أهم الدوافع الكامنة وراء انتشار ظاهرة الجوائز التقديرية في عديد من دول العالم التي في تقديري تعود في الدرجة الأساس إلى حدة التنافس الذي غدا سمة من سمات عصرنا الراهن، ونتيجة لذلك أضحى الأفراد والمؤسسات في حاجة إلى الحافز الذي يشحذ الهمم ويرفع مستوى تحدي الذات لتقديم مزيد من العطاء والتميز. ويتمثل هذا الحافز في التقدير والتكريم الذي يجب أن يتناسب وحجم الإنجاز، سواء كان مادياً أو معنوياً. وبعبارة أخرى فالجوائز التقديرية هي بمثابة مكافأة لكل من يسعى إلى تقديم عطاء متميز يكفل له موقع الريادة في مجال عمله ويضمن للمنشأة التي يعمل فيها موقعا متقدما في بيئتها التنافسية. والجوائز التقديرية نوعان: إما أن تكون تشجيعية وإما تكريمية، فالأولى نخص بها في العادة الجهات والمنشآت والأفراد الذين يقدمون عطاء متميزا في مجالات الإبداع والابتكار الذي يعود بالنفع على المجتمع سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والثانية نخص بها من أعطوا كثيرا ولم يبق لديهم ما يقدموه كالمتقاعدين أو الشهداء أو من رحل عن عالمنا ممن قدم لمجتمعه ووطنه ما يستحق التكريم. وبالنسبة للفئة الأولى من المنظمات والمؤسسات والأفراد المتميزين في مجالات الإبداع والابتكار على وجه التحديد، فمن الثابت أنه لا يوجد ما هو أكثر تحفيزاً على المزيد من التفوق والتميز مثل تقدير المجتمع لعطاء المبدعين. فالإنسان بطبيعته ـ وبغض النظر عن مكانته الوظيفية أو الاجتماعية ـ يسعد عندما يخصه الآخرون بالثناء على تميز عطائه وتقديرهم لحسن صنيعه. وهذا الأمر ينسحب أيضا على المؤسسات بغض النظر عن حجمها أو مجال عملها. والشاعر العربي يقول في هذا المفهوم: ولو كان مستغن عن الشكر سيد لعزة ملك أو علو مكان لما أمـر الله العبـاد بشكـره فقال أشكروني أيها الثقلان هذا المفهوم يتجسد بصورة واضحة في الوقت الحاضر في مجتمعات الدول الصناعية التي تحرص على إشاعة روح المنافسة بين أفراد المجتمع والمؤسسات العاملة فيه في شتى المجالات. وهو ما يجسده انتشار ظاهرة جوائز الإبداع التقديرية التي تغطي مختلف الأنشطة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، التي تتحدد قيمتها المادية والمعنوية بحسب نوعية الإبداع في النشاط المعني. ويلاحظ خلال السنوات الأخيرة انتقال هذه الظاهرة إلى الدول النامية مع دخولها في سباق مع الزمن لتحقيق التنمية الاقتصادية التي يشكل القطاع الصناعي حجر الزاوية فيها. لكن وظيفة الجوائز في هذه المجتمعات تبدو مختلفة تماماً وخارجة عن المفهوم أعلاه، فهي تتخذ منحى توجيهياً أو تشجيعياً إن صح التعبير لندرة الابتكار والإبداع الحقيقي في مجتمعات الدول النامية. واقع ودور الجوائز التقديرية محليا وإقليميا ولا يختلف الحال كثيراً في المملكة والدول الخليجية، فالجوائز ـ في المجالات العلمية والتقنية تحديداً ـ قليلة ويغلب عليها صفة التشجيع أكثر منها استحقاقا للإبداع والابتكار. والمتتبع لما لدينا من جوائز وعلى سبيل المثال لا الحصر جائزة الملك فيصل العالمية، يلاحظ أن العلماء الأجانب فازوا بالغالبية الساحقة من جوائز العلوم التطبيقية خلال جميع دوراتها الـ 30 الماضية، فيما اكتفى العرب (وضمنهم السعوديون ) بجوائز العلوم الإنسانية والشرعية. ولعل الاستثناء الوحيد هو فوز العالم العربي أحمد زويل بجائزة الملك فيصل في الكيمياء في عام 1989 والذي فاز بعدها بعشر سنوات بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999. وهذه الحقيقة تعد في ذات الوقت مؤشراً إلى المستوى الرفيع الذي تتمتع به هذه الجائزة التي صارت تعد في الأوساط العلمية بمثابة بوابة الترشيح لجائزة نوبل، حيث إن تسعة من الحائزين على جائزة الملك فيصل العالمية حصلوا عليها قبل سنوات من حصولهم على جائزة نوبل تثمينا للأبحاث والإنجازات العلمية التي حصلوا بموجبها على جائزة الملك فيصل العالمية. ويدعم هذا الطرح أيضا أن أربعة من العلماء الستة الذين فازوا بجوائز نوبل في مجال الفيزياء والكيمياء عام 2001 كانوا قد حصلوا على جائزة الملك فيصل في العام نفسه. وتدني نصيب العلماء العرب من الفوز بالجائزة الأخيرة في مجال العلوم التطبيقية ينسحب على جوائز نوبل التي كان نصيب العلماء العرب منها محدوداً، حيث لم يفز بها سوى ثلاثة من بينهم أحمد زويل، إضافة إلى العالمين: بيتر مدور الذي حصل على جائزة نوبل في الطب عام 1961 وإلياس خوري الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1990، وكلاهما يتحدران من أصول لبنانية ويحملان الجنسية الأمريكية. وغني عن القول أن أيا من هؤلاء العلماء لم يكن لينال تلك الجوائز لو لم يهاجر إلى الولايات المتحدة، حيث توافرت لهم البيئة المناسبة للإبداع والابتكار! وهذه بلا شك دلالات على أن ما ينقصنا ليس افتقار علمائنا إلى قابلية الابتكار والإبداع التي تعد من أساسيات العلوم التطبيقية، بل للأسف عدم توافر التربة الخصبة لإنبات العقول المبدعة والخلاقة ومدها بما يشجعها على الإبداع والابتكار في مجتمعاتنا العربية. وهذا الأمر يرتبط بعدم اهتمامنا بتشجيع البحث العلمي في عديد من حقول المعرفة وفروعها، وبالذات تلك التي تختص بمجال التطبيق العلمي التجريبي ذي الصلة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وهو ما يجسده غياب أو محدودية الجوائز التقديرية المخصصة لتكريم وتقدير المبدعين والمبتكرين لدينا. القطاع الخاص والجوائز التقديرية لكن على الرغم من هذه المعطيات، بدأنا في السنوات الأخيرة نلاحظ اهتماما وتشجيعاً متناميا للتميز والإبداع في المجتمعات الخليجية عامة وفي المجتمع السعودي خاصة. ويتجلى هذا الاهتمام في إطلاق عدد من الجوائز التقديرية في مجال العلوم التطبيقية في عدد من الدول الخليجية. ويلاحظ في هذا السياق أن تقديم تلك الجوائز لم يعد مقصوراً على الحكومات الخليجية بل برز دور واضح ومتنام للقطاع الخاص في هذا المضمار تجسيدا عمليا "للوظيفة العامة للمال الخاص". فهناك اليوم فعاليات علمية ترعاها مؤسسات القطاع الخاص الخليجية رامزة إلى مساهمة إيجابية منها في الشأن العلمي. وتأتي في طليعة هذه الجوائز: جائزة الملك فيصل الخيرية، وجوائز مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وهي جوائز سنوية تقدم في حقول الطب والعلوم التطبيقية على التوالي. وتجربة المؤسسة الأخيرة التي أنشئت عام 1976 تستحق التوقف عندها، فهي تجسيد لإسهام القطاع الخاص في تمويل نشاط البحث العلمي محليا وإقليميا. فالمؤسسة تقدم الدعم للبحوث العلمية الأساسية والتطبيقية وتمول أنشطتها من خلال استقطاع 2.5 في المائة من صافي الأرباح السنوية للشركات المساهمة الكويتية. ويشمل نشاط المؤسسة تقديم المنح الدراسية والتدريبية والحوافز التقديرية للباحثين المتمثلة في جائزتين سنويتين واحدة للكويتيين والثانية للعرب في مختلف مجالات العلوم: الأساسية والتطبيقية، والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية. ولم تقتصر مساهمة القطاع الخاص الخليجي على الشأن العلمي بل تعدته إلى المجالات الثقافية. فهناك في الوقت الحاضر فعاليات ثقافية ترعاها مؤسسات من القطاع الخاص مثل مؤسسة جائزة عبد العزيز البابطين وجائزة سلطان العويس وكلتاهما تمثلان لمحة عصرية جديرة بالإشارة والثناء. وعند ذكر هذه الجوائز يتداعى إلى الذاكرة أن ضخامة الفعل العلمي والثقافي في الدول الصناعية تعود في أهم رموزها إلى مساهمات خاصة في طليعتها جوائز نوبل السويدية وغيرها من الجوائز في الدول الغربية. جائزة سعودية عالمية للطاقة الدور الرئيس الذي يلعبه النفط في الاقتصادين السعودي والعالمي على حد سواء في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور، يجعل الاستثمار في مجال تطوير وامتلاك التقنيات المتعلقة باستخراجه وتكريره واستخدام مشتقاته وتقليص تأثيراتها الضارة للبيئة مجزياً من منطلق استراتيجي واقتصادي في الوقت نفسه. وإحدى أهم أدوات غرس ثقافة الإبداع والابتكار لدى المؤسسات والأفراد العاملين في هذا القطاع الاستراتيجي في منظومة الاقتصاد الوطني تكمن في المبادرة بإطلاق جوائز تقديرية عالمية متخصصة لتكريم المبدعين والمبتكرين في هذا القطاع، فهي من المفاتيح المهمة في مسيرة تحولنا من استهلاك التقنيات إلى إنتاجها. وهذه خطوة واحدة في هذه المسيرة التي تتطلب إشاعة ثقافة الجوائز التقديرية في المؤسسات العاملة في هذا القطاع الاستراتيجي لكي نصبح عناصر فاعلة في المجتمع العالمي، لها إسهامات قيمة في مجال التقدم التقني في هذا القطاع. وهذه المهمة تحتاج إلى عمل مؤسسي وجهد جماعي لتحديد الرؤية الواضحة والأهداف من وراء مبادرة من هذا النوع لضمان استمراريتها وتبوئها مكانة لائقة تتناسب مع المكانة الريادية للمملكة على صعيد صناعة الطاقة العالمية. ومبررات هذا الطرح عديدة يأتي في مقدمتها: ـ تصحيح الصورة النمطية التي رسمت لنا في الخارج كدولة ومجتمع لا يتعدى دوره إمداد الدول الصناعية بالمواد الخام دون إسهام علمي أو فكري يذكر. ـ بيان دور المملكة الريادي في هذه الصناعة ومسؤولياتها تجاه القضايا ذات البعد العالمي مثل ابتكار حلول للاختلالات البيئية ( تقليل الانبعاثات الكربونية) وتشجيع تبني مبادرات وسياسات الإنتاج النظيف، وكفاءة الطاقة، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. ـ على الصعيد العالمي تتحمل المملكة مسؤولية تأمين إمدادات الطاقة التي تعد عصب الحياة للاقتصاد العالمي, وهذا الأمر يتطلب الاستثمار في إيجاد حلول للتحديات القائمة من خلال تشجيع الابتكارات في مجال تطوير تقنيات جديدة أو تحسين تقنيات الإنتاج المستخدمة بما يساعد على زيادة عمر الاحتياطيات النفطية. فمثلا يبلغ معدل استخراج النفط من المكامن عالميا في الوقت الحاضر نحو 35 في المائة وأي تطوير لتقنيات الإنتاج يقود إلى رفع هذه النسبة إلى مستوى 50 في المائة أو أكثر يعني زيادة الاحتياطيات النفطية عالميا بمقدار مئات المليارات من البراميل النفطية. ـ على الصعيد الداخلي، مثل هذه الجوائز ستعمل على إشاعة ثقافة الابتكار والإبداع التي تركز على تكريم المبدعين من الأفراد والمنشآت لخلق بيئة تنافسية داخل مؤسساتنا الوطنية بما ينعكس على تحسين إنتاجيتها وتحسين تنافسيتها عالميا وبما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. من هنا فإن إطلاق مثل هذه الجوائز التقديرية يجسد مزاوجة بين مصلحة اقتصادية وطنية ومسؤولية عالمية تستشعرها المملكة. ومن هذا المنطلق، فإنه من المهم أن تصبح المملكة مركزا لإحدى أهم الجوائز العالمية السنوية المخصصة لأبرز الابتكارات والإنجازات من قبل الأفراد أو المؤسسات في قطاع الطاقة. ولما تملكه "أرامكو السعودية" من سجل حافل في مجال المسؤولية الاجتماعية إضافة إلى ما لديها من كفاءات بشرية مميزة وخبرات تنظيمية متراكمة، فإن الدور الذي من الممكن أن تلعبه الشركة في بلورة رؤية وأهداف واضحة للجائزة وإطلاقها سيكون بلا شك دورا محوريا. ولإعطائها وزنا دوليا مرموقا قد يكون من المناسب أن تقرن هذه الجائزة باسم خادم الحرمين الشريفين لما يعكسه ذلك من اهتمام المملكة على أعلى المستويات بالجائزة وأهدافها أسوة بجائزة الشيخ زايد لطاقة المستقبل.. وقد يكون من المناسب أيضا أن توزع تلك الجائزة خلال منتدى الطاقة السعودي الذي تنظمه دوريا وزارة البترول والثروة المعدنية أو خلال حفل خاص ينظم لهذا الغرض. لكن الأهم من كل ذلك أن تكون تلك المبادرة مبنية على منهجية علمية وباستخدام معايير عالمية مرموقة لضمان نجاحها في تحقيق أهدافها. يبقى من المهم القول إن الجوائز ـ في عالم اليوم أصبحت المنافسة قانونه وديدنه ـ تشكل أوسمة على هامات الباحثين والمبتكرين المبدعين من شأنها أن تنطلق بهم إلى مدارات أوسع من التفوق والنجاح بما يعود بالفائدة على مجتمعاتهم وبلدانهم. وهي في الوقت ذاته ترفع من شأن المجتمعات والدول التي تمنحها، ولذا فالأمل كبير أن تكون المملكة مركزا لإحدى أبرز الجوائز العالمية التي تمنح لمن يبتكر حلولا للتحديات التي تواجه صناعة الطاقة عالميا. وفي ذات الوقت لنا أمل أن تعمم جوائز الإبداع والتميز على مختلف الفعاليات في مجتمعنا وبإسهام أكبر من مؤسسات القطاعين العام والخاص، وعلى وجه التحديد نتمنى أن تعمم ثقافة الجوائز التقديرية ضمن المنشآت الاقتصادية الخاصة التي تسعى إلى تعزيز أعمالها الرائدة ومواقعها في بيئة عملها التنافسية بما يسهم مستقبلا في تعزيز إسهامات مؤسسات القطاع الخاص المتنامية في الاقتصاد السعودي وصولا إلى تعزيز وإعلاء صرح البناء الذي وضعت أساساته حكومتنا الرشيدة.
إنشرها