Author

محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين

|
شهدت الأيام الماضية سقوط أعداد كبيرة من الأطفال والنساء والمسنين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، ولوحظ بشاعة تلك العمليات الموجهة بصفة خاصة للمدنيين. وقد تجاوز عدد ضحايا الحرب على تلك المدينة الباسلة الأبية، عند كتابة هذا المقال نحو 1200 شهيداً، فضلاً عن أكثر من ثلاثة آلاف من الجرحى, 30 في المائة من القتلى أطفال ونساء، تحت رعاية طبية بائسة، لم تسلم من نيران الصهاينة، الذين يقودهم ويوجههم عصابة من المجرمين القتلة، الذين كانوا يترأسون عصابات شتيرن والأرغون والهاغاناه. وقد ارتكبت إسرائيل منذ بدء هذه الحرب العدوانية التي شنتها على المدنيين منذ ‏27‏ /12/ ‏2008‏م وحتى تاريخه جميع أنواع وأبشع الجرائم الموجبة لمحاكمة قادتها جنائياً أمام الحكمة الجنائية الدولية، تلك الجرائم التي حصرتها المادة الخامسة من نظام تلك المحكمة في أربعة أنواع من الجرائم هي: جريمة العدوان، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية. فجريمة العدوان قائمة من خلال العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي شنته القوات العسكرية على قطاع غزة، الذي أطلقوا عليه تسمية الرصاص المصبوب، حيث أطلقت المقاتلات الإسرائيلية من طراز إف ـ ‏16 ومن الأباتشي في اليوم الأول فقط ما يزيد على ‏50‏ صاروخا في هجمات مفاجئة ومكثفة في وسط مناطق مأهولة بالسكان ووقت خروج الأطفال من المدارس، واستمر العدوان حتى الأسبوع الثالث دون توقف، ما أسفر عن مجزرة استمرت حتى تاريخه راح ضحيتها‏ مئات الشهداء وأصيب أكثر من ‏ثلاثة آلاف‏ معظمهم في حالات حرجة، ولم تكتف بذلك بل قامت بتنفيذ ما أسمته الاجتياح العسكري البري الشامل لقطاع غزة، وأعلن قادتها أن حدود القطاع مناطق محظورة، وهذه الأعمال الوحشية كلها تخالف ميثاق الأمم المتحدة الذي يلزمها بالامتناع عن اللجوء إلى التهديد بالقوة أو استخدامها ضد الأراضي المحتلة، ولكنها ضربت بهذا الميثاق وبالاتفاقيات الدولية الموقعة عليها عرض الحائط، بل إنها تعد نفسها في حالة دفاع شرعي! أما جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد غزة وأطفالها فعديدة يصعب حصرها وأهمها: تدمير الأهداف المدنية من مساكن ومبان تدميراً شاملا بلغت أعدادها حتى تاريخه أكثر من ‏400‏ هدف مدني مكتظاً بالسكان المدنيين‏,‏ وكذلك تدمير كامل للبنية التحتية لجميع مظاهر ومقومات ومرافق الحياة بالقطاع من محطات الكهرباء وشبكات الإمداد بالكهرباء والغاز والطرق، وهذه الأعمال تخالف ما ينص عليه الباب الرابع من بروتوكول جنيف الأول لعام 1977م؛ وخاصة ما يتعلق بالحماية العامة للأعيان المدنية وللمدنيين وأماكن العبادة والمواد التي لاغنى عنها لحياة السكان المدنيين التي نصت عليها المواد ‏54.52‏ من هذا البروتوكول. كما أن إسرائيل لم تلتزم بمبدأ أساسي من مبادئ الحرب، وهو مبدأ التناسب في استعمال القوة، والذي بمقتضاه تلتزم الدول المتحاربة عند استخدام القوة المسلحة للرد على عمل عسكري أن يكون ذلك بالقدر المناسب وليس بالمبالغة الزائدة عن الحد، فالغارات الجوية المدمرة التي تشنها القوات الإسرائيلية على قطاع غزة وسكانه من المدنيين العزل وعمليات الاجتياح البري الذي قامت به تلك القوات قد تجاوزت كل الحدود المتناسبة في استعمال القوة‏، ولا تتناسب مطلقا مع ما تقوم به المقاومة الفلسطينية من دفاع عن نفسها وعن أرضها المحتلة.‏ أما الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية فيصعب حصرها ومنها على سبيل المثال لا الحصر تدمير المستشفيات والمراكز الطبية، ووسائل النقل الطبي، وعربات وفرق الإسعاف الطبية، وتدمير المساجد ودور العبادة أثناء أداء المصلين لشعائر الصلاة، وتدمير المدارس والمنشآت التعليمية والجامعة الإسلامية تدميراً كاملاً، وحصد أرواح الأطفال والنساء والتمثيل بهم، واستخدام أسلحة وقنابل محرمة دولياً، ومنع منظمة الأونروا من القيام بمهامها الإنسانية في تقديم المساعدات الإنسانية، بل وقيام القوات الإسرائيلية بقصف مقارها عمداً على الرغم من أن تلك المنظمة قدمت للقادة الإسرائيليين خرائط توضح جلياً أماكنها، وعلى الرغم من وجود شارات وأعلام ظاهرة تميز مقارها. وكذلك قيام قوات الاحتلال بإغلاق المعابر ومنع مرور الإمدادات والمعونات الإنسانية من مواد طبية وغذائية وإسعافات طبية للجرحى والمصابين من سكان القطاع، الأمر الذي ينذر بوقوع كارثة إنسانية. وتعد إعاقة أعمال الإغاثة للمدنيين والمصابين من جراء الغارات والهجمات الإسرائيلية انتهاكا لالتزاماتها كدولة احتلال يجب عليها أولاً القيام بأعمال الإغاثة وعدم إعاقة المنظمات الدولية في القيام بواجبها الإنساني وبذلك تكون قد خالفت التزاماتها الدولية وخاصة ما تقرره المادة ‏70‏ من بروتوكول جنيف الأول. ولا يخفى أيضاً أن ما ارتكبته آلة العدو الإسرائيلي من قتل متعمد للمدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ يشكل جريمة إبادة جماعية. ومن هذا يتضح جلياً للعالم أجمع أن قادة إسرائيل قد ارتكبوا الأربعة أنواع من الجرائم التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بالمحاكمة عنها، هذا فضلاً عن مخالفتهم أحكام اتفاقيات جنيف الأربع، على الرغم من أن إسرائيل موقعة ومصدقة عليها وعلى بروتوكولي جنيف الملحقين بها عام‏1977‏م، ما يحملها المسؤولية القانونية الكاملة عن تلك الجرائم؛ حيث إن تلك الاتفاقيات والبروتوكولين الملحقين بها تشكل قواعد القانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق أمام تلك المحكمة حسبما تنص المادة (21) من نظامها الأساسي. ولكن هل تكفي تلك النصوص التي يتضمنها القانون الدولي الإنساني من اتفاقيات دولية وبرتوكولات وقرارات صادرة من مجلس الأمن لتقديم حماية كافية للمدنيين من أهالي غزة؟! أرى أن تفعيل تلك النصوص يفرض على مؤسسات المجتمع المدني ومنها منظمات حقوق الإنسان ونقابات واتحادات المحامين العرب، وغيرها أن تقوم بالتنسيق مع الضحايا وأهاليهم برفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب من الإسرائيليين، علماً أن النظام الأساسي لتلك المحكمة لا يشترط أن تكون الدولة عضواً فيه حتى يتم تحريك الدعوى بشأن جريمة من الجرائم الدولية التي وقعت على إقليمها والتي تختص بها المحكمة، بل يمكن تقديم الشكاوى من الضحايا إلى المدعي العام للمحكمة، كما يجوز طبقا للمادة (12) من النظام الأساسي للمحكمة لأي دولة ليست طرفا فيه أن تقبل اختصاصها بنظر جريمة أو جرائم ما، وذلك بموجب إعلان منها يودع لدى مسجل المحكمة.
إنشرها