التضخم في منطقة الخليج من الارتفاع إلى الانحدار

التضخم في منطقة الخليج من الارتفاع إلى الانحدار

التضخم في منطقة الخليج من الارتفاع إلى الانحدار

[email protected] مما لا شك فيه أن دول منطقة الخليج العربي حققت نسب نمو في ناتجها المحلي كانت هي الأعلى في العالم خلال الفترة الماضية وإن تفاوتت هذه النسبة بين دولة وأخرى المكونة لدول مجلس التعاون الخليجي وذلك بسبب رئيسي ناتج عن الارتفاع غير المسبوق منذ عشرات السنين في أسعار البترول والذي قاد إلى تراكم ثروة هائلة لدى خزائنها قدرت بمئات المليارات من الدولارات. وبكل تأكيد استثمر عديد من الدول أجزاء مهمة من تلك الفوائض الهائلة في ضخ المليارات منها في عجله التنمية الاقتصادية التي تشمل البنية التحتية والتعليم وبناء المصانع وفي مختلف المصاريف الجارية الحكومية إلى غير ذلك، وكذلك في استثمار أجزاء كبيرة من تلك الثروة الهائلة في الاستثمارات الخارجية وتم ضخ الفائض في الصناديق السيادية للبحث لها عن أوجه استثمارية مجدية أخرى. وقادت تلك الثروة الهائلة المتراكمة إلى ازدحام غير مسبوق في أوجه الاستثمارات المحلية والخارجية مما رفع تكلفة التنمية والمشاريع والمواد وكذلك الخدمات. ومن هنا بدأت مشكلة التضخم التي تفاوت من دولة إلى أخرى وكانت الأعنف في قطر، حيث وصل سقفها إلى 15 في المائة، وقد انعكس ذلك على أسعار السلع والخدمات التي شهدت ارتفاعات غير مسبوقة منذ سنوات عديدة وترجمت تلك الارتفاعات الهائلة في الأسعار والازدحام الشديد في الاستثمار في كثير من القطاعات وعلى رأسها قطاع العقارات والإسكان والأراضي، حيث ارتفعت أسعارها بشكل كبير للغاية، ما أدى إلى ارتفاع الإيجارات وأسعار مواد البناء وغيرها ونتيجة لكل ذلك اندفعت الأسعار نحو سلسلة من الارتفاعات الكبيرة التي أصابت في مقتل الشرائح الوسطية والدنيا من الموظفين ويمكن أيضا إضافة سبب رئيسي آخر إلى التضخم الذي شهدته منطقة الخليج العربي هو ارتباط عملاتها الوطنية بالدولار الذي واجه صعوبات وتحديات كبيرة أمام مختلف العملات الأخرى وخاصة الأوروبية، فاستمرار التسعير بالدولار أضاف عنصرا جديدا لارتفاع أسعار مستوردات تلك الدول من الدول الأوروبية واليابان التي ارتفعت أسعار عملاتها بشكل كبير مقابل الدولار، ما فاقم مشكلة التضخم المستورد من جديد. #2# ونتيجة إلى تلك الأسباب المتشابكة والمتداخلة شهدت مختلف أسعار السلع والخدمات وغيرها ارتفاعات غير مسبوقة، خاصة العقارات والأراضي وأسعار مواد البناء وتبعها بطبيعة الحال ارتفاع كبير في أسعار الخدمات ومختلف السلع .. وهناك عديد من المؤشرات والدراسات والإحصاءات التي تشير إلى أن ما شهدته دول الخليج العربي من نسب عالية للتضخم لم تشهدها المنطقة من قبل، وإن تفاوتت تلك النسب بين دولة وأخرى ولكن الشيء المؤكد هو ارتفاعه بنسب غير مسبوقة منذ عشرات السنين مما ولد ما يمكن تسميته بـ (غول الأسعار) والشر الذي لابد منه والذي لابد من التعامل معه، ويكفي هنا أن نذكر على سبيل المثال أسعار الوحدات السكنية التي ارتفعت في بعض دول منطقة الخليج العربي بنسبة راوحت بين 30 في المائة و83 في المائة.  وأسهمت تلك الارتفاعات القياسية في الأسعار في التهام معظم رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص، خاصة الوافدين الذين اضطر بعضهم إلى تسفير عائلاتهم في محاولة إلى التأقلم مع غول الأسعار وبعضهم بدأ يفكر مليا في العودة إلى موطنه.  وإزاء تلك الأحوال والظروف عملت دول منطقة الخليج جاهده سواء مجتمعة أو منفردة لمواجهة التضخم مشكلة المشكلات بعديد من الوسائل منها على سبيل المثال رفع رواتب العاملين بنسب معينة أو وضع تعليمات وقرارات بوضع حد أعلى لزيادة القيمة الإيجارية للعقارات أو تجميد رفعها، وكذلك العمل بمختلف الوسائل من أجل مراقبة الأسعار والحد من ارتفاعاها،، الخ. ولكن ومع حدوث الأزمة المالية العالمية التي أطاحت بكبريات المؤسسات المالية والبنوك، وألقت بشكل غير مسبوق بكاهلها على موازنات عديد من الدول في العالم التي أتت بآثارها السلبية في مختلف اقتصادات العالم أجمع وإن تفاوتت نسب تأثر دولة عن أخرى فإن العالم أجمع أصبح أمام أزمة عالمية قد تأكل الأخضر واليابس وتزيد الطين بلة، حيث أصبحت اقتصادات عديد من دول العالم في حالة ركود وانكماش انعكست تأثيراتها في كافة دول العالم بأغنيائه وفقرائه. وفي منطقة الخليج العربي شهدت انحدارات كبيرة وغير مبررة في أسواق الأسهم والبورصات وتوترات في القطاع المصرفي، حيث إن ساد عديد من المودعين حالة من الخوف والإرباك فلجأ البعض إلى سحب إيداعاته والبعض الآخر أثر الصبر والتريث في الاستثمار أو الشراء لحين انجلاء الصورة وبدأ عديد من مسؤولي هذه الدول وعلى مختلف المستويات إطلاق تصريحات الطمأنة لتهدئة المستثمرين والمواطنين على استثماراتهم وعلى مستقبلها، هذا إضافة إلى عديد من الإجراءات العملية الوقائية. ومع تهاوي أسعار البترول الخام حيث وصلت إلى ما يقارب الخمسين دولارا بعد أن وصلت قبل قفزت إلى 160 دولارا للبرميل الواحد، وانخفاض أسعار العملات الأوروبية ومعظم أسعار المستوردات أدى إلى تراجع أسعار مواد البناء وبعض الأغذية والذي يتوقع لها مزيد من الانحدار. ومن هنا فإنه من المتوقع بشكل كبير أن تتراجع نسب التضخم بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، ويتوقع انخفاض أسعار العقارات والأراضي نتيجة تراجع أسعار مواد البناء وكثرة المعروض منها. وهناك دراسات تشير أيضا إلى أن أسعار مواد الغذاء أيضا ستشهد انحدارا في المستقبل القريب. وبرغم كل ما عصف بالعالم من أزمة مالية عالمية طالت كل دول العالم بشرورها المختلفة إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن دول الخليج العربي قادرة على تحمل ومواجهة آثار الأزمة المالية العالمية وما تواجه اقتصادات العالم من ضغوط وصعوبات، لأنها تملك فوائض مالية كبيرة حصدتها على مدار السنوات السابقة، ولديها ثروات طبيعية نفطية وغاز تستطيع الاعتماد على ما يأتيها من إيراداتها المتدفقة والمتواصلة، حتى وإن وصل سعر برميل النفط إلى 50 دولارا. ومن هنا يرى عديد من الخبراء والمحللين أن معدلات التضخم في دول منطقة الخليج العربي هي إلى انحدار وأن لديها القدرة على التكيف ومواجهة كل التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، إضافة إلى الإجراءات العديدة التي اتخذتها دول المنطقة وفى مقدمتها التشدد في شروط الائتمان وإعادة هيكلة المؤسسات، وكبح جماح الإنفاق الحكومي وتنويع مصادر الدخل وغيرها من الأدوات والآليات الاحترازية ستسهم في تقليل آثار التضخم وانعكاسات الأزمة المالية العالمية على اقتصادات المنطقة. محلل مالي  قطر
إنشرها

أضف تعليق