Author

ذرائع الهجوم الإسرائيلي على غزة من الوجهة القانونية

|
الحرب الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني قائمة ومستمرة منذ تأسيس إسرائيل في فلسطين العربية عام 1948. والهجوم الإسرائيلي الوحشي المسمى "عملية الرصاص المتدفق", الذي بدأ يوم السبت 29/12/1429هـ الموافق 27/12/2008 ضد سكان قطاع غزة, هو في الواقع استئناف إسرائيلي للعمليات العسكرية في سياق حربها العدوانية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني. وكالعادة تتسم هذه العمليات باستخدام مفرط للقوة ضد شعب أعزل إلى حد ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية طبقا لمعايير القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي والقانون الدولي العام. ويهمنا في هذا المقال أن نسلط في عجالة بعض الأضواء القانونية على ذرائع هذا الهجوم الوحشي الذي دمر المنازل والمساجد والمدارس والمرافق الحيوية المختلفة, وأدى حتى إعداد هذا المقال إلى استشهاد نحو 400 شهيد وألفي جريح. لقد شنت إسرائيل هذا الهجوم بدعوى ممارسة حق الدفاع الشرعي عن النفس ضد صواريخ يطلقها المقاومون الفلسطينيون من قطاع غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية. هذه الذريعة باطلة بطلانا مطلقا, لأنه طالما تحتل إسرائيل أراضي فلسطينية فإن من حق الفلسطينيين الرازحين تحت نير الاحتلال مقاومة المحتل. وتستمد المقاومة مشروعيتها من قرارات عديدة أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة, ولذلك فإن شروط حق الدفاع الشرعي عن النفس غير متوافرة لدى إسرائيل, بل العكس هو الصحيح, فالفلسطينيون هم الذين في حالة دفاع شرعي عن النفس للأسباب التالية: 1 ـ إن إسرائيل هي الدولة المعتدية باحتلالها بالقوة المسلحة أراضي فلسطينية واغتصاب أجزاء منها بإقامة مستوطنات يهودية عليها, كما أنها ترفض تطبيق قرارات هيئة الأمم المتحدة التي تلزمها بالانسحاب من تلك الأراضي. والاحتلال العسكري لأراضي الغير يمثل عدوانا مستمرا ويعتبر بموجب قواعد القانون الدولي جريمة ضد السلام. فالأسباب الجوهرية للصراع تكمن في الاحتلال الإسرائيلي وما يترتب عليه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. 2 ـ إن استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي أدى إلى تعطيل ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني, الأمر الذي جعل هذا الشعب الفلسطيني في حالة دفاع شرعي عن النفس في مواجهة إسرائيل, وتبعا لذلك فإنه طبقا لقواعد القانون الدولي يحق للشعب الفلسطيني استخدام جميع الوسائل المتاحة لديه بما في ذلك القوة المسلحة للتحرر من هذا الاحتلال واسترداد حقوقه المغتصبة. بل إن بعض فقهاء القانون الدولي يرون أن مقاومة الاحتلال الأجنبي ليست مجرد حق لسكان الأراضي المحتلة وإنما هي واجب مفروض عليهم بموجب علاقة الولاء والتبعية القائمة بينهم وبين وطنهم الواقع تحت الاحتلال. ولعل من المناسب أن نذكر هنا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت في دورتها الـ 28 قرارا برقم 3103 وتاريخ 12/12/1973 بشأن المبادئ الأساسية المتعلقة بالمركز القانوني للمقاتلين الذين يكافحون السيطرة الاستعمارية والأجنبية والنظم العنصرية, ومن المبادئ التي تضمنها هذا القرار ما يلي: 1 ـ أن كفاح الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والنظم العنصرية في سبيل إقرارها حقها في تقرير المصير والاستقلال هو كفاح مشروع يتفق كل الاتفاق مع مبادئ القانون الدولي. 2 ـ أن كل محاولة لقمع الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والنظم العنصرية تعد أمرا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان منح الاستقلال للبلدان المستعمرة, وتشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين. وهكذا تضح مما تقدم مشروعية المقاومة الشعبية المسلحة ضد الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي أو النظم العنصرية, وأن إسرائيل تستخدم ما لديها من أسلحة سواء كانت أمريكية أو غير أمريكية ليس دفاعا عن النفس وإنما من أجل استمرار احتلالها واغتصابها حقوق الشعب الفلسطيني, وأن إسرائيل وحلفاءها قلبوا الحقائق وعكسوا الأوضاع فجعلوا المعتدي الأثيم مدافعا عن نفسه وجعلوا المدافع عن نفسه المطالب بحقوقه معتديا, وهو سلوك ينم عن الاستخفاف بالمجتمع الدولي وقواعده القانونية. والذريعة الثانية لهذا الهجوم الكاسح المدمر, الادعاء بأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رفضت تجديد اتفاق التهدئة وأنها بذلك أعطت إسرائيل الذريعة المناسبة لشن هذا الهجوم ولنا حيال هذه الذريعة أربع ملاحظات: ـ الملاحظة الأولى أن هذه الذريعة رددها رئيس السلطة الفلسطينية عباس (أبو مازن) وبعض المسؤولين والإعلاميين العرب, وهم بذلك يلقون مسؤولية الهجوم الإسرائيلي على (حماس), وهذا القول ينطوي ـ في تقديري ـ على تبرير للهجوم الإسرائيلي وتسويغ ما يترتب عليه من مذابح ومحارق وجرائم بشعة, وانظروا إلى الفارق الكبير بين موقف هؤلاء المسؤولين العرب وموقف السياسيين الإسرائيليين الذين أعلنوا تجميد حملاتهم الانتخابية ووقف جميع أشكال الدعاية احتراما لموقف جيشهم وخدمة مصالح دولتهم. هم يوقفون حملاتهم الانتخابية وما تنطوي عليه من انتقادات واختلافات في الرأي, بينما بعض الساسة والإعلاميين الفلسطينيين والعرب يزيدون الخلافات اشتعالا بتحميلهم (حماس) المسؤولية, في حين يئن قطاع غزة تحت الحصار والنار والدمار. وهنا نجد من اللازم التذكير بأن استمرار الشعب الفلسطيني في طور حركة تحرير وطني يستدعي إنهاء الانقسامات الحالية وتوحيد القوى الوطنية بكل فصائلها واتجاهاتها في إطار واحد يسعى إلى تحقيق هدف جوهري واحد وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ـ الملاحظة الثانية أنه ليس صحيحا أن (حماس) رفضت تمديد اتفاق التهدئة رفضا مطلقا, فهي كما أعلن رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل قد وافقت على تمديد هذا الاتفاق شريطة رفع الحصار الشامل عن القطاع. وكان المفروض أن يدعم هذا الموقف ويؤيد عربيا ودوليا, إذ لا يستقيم في منطق العقل ولا في قسطاس العدل إجراء هدنة عسكرية في ظل حصار خانق يحرم سكان القطاع حقوقهم الإنسانية الأساسية. وهنا أجد من الضروري أن أشير إلى أن فرض الحصار يعد عملا من أعمال العدوان طبقا لتعريف العدوان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المتخذ بتاريخ 14/12/1974, ولم يكن ممكنا القبول بهدنة وتهدئة وسكان غزة رازحون تحت عدوان جسيم ناشئ عن هذا الحصار الخانق الذي وصفه ريتشارد فولك بأنه جريمة ضد الإنسانية, علما أن ريتشارد فولك يهودي الديانة وأحد أساتذة القانون الدولي في أمريكا ويعمل خبيرا للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان, أي أن شهادته في هذا الشأن شهادة عالم وخبير, فضلا عن أنها شهادة إنسان ذي ضمير حي. ـ الملاحظة الثالثة أن إسرائيل أنهت عمليات اتفاق التهدئة قبل انتهائها رسميا, حيث قامت بخرقها مرات عديدة, وعلق على ذلك الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط باتريك سيل في مقاله المنشور في جريدة "الحياة" بتاريخ 5/12/2008 بعنوان "مخاطر العجز العربي أمام تهديدات إسرائيل", قائلا "إن إسرائيل هي التي خرقت التهيئة وليست "حماس" وذلك في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بسلسلة من الغارات المسلحة على غزة تسببت في مقتل عشرات الفلسطينيين, وكالعادة تريد إسرائيل أن تضرب وتقتل كما يحلو لها من دون أن يقابل ذلك أي رد". وتلك شهادة أخرى من كاتب أوروبي عرف الحق فنطق به ولم تأخذه في ذلك لومة لائم. ـ والملاحظة الرابعة أن إسرائيل عقدت العزم على شن هجومها سواء وافقت "حماس" على تمديد اتفاق الهدنة أو لم توافق لأنها قررت, كما أعلن قادتها, تغيير الوضع السياسي والأمني القائم في قطاع غزة, أي إنهاء سيطرة "حماس" على هذا القطاع, وبلغت الوقاحة بوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إلى حد الادعاء بأن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة هو من احتياجات المنطقة. ختاما أقول إنني لم أقصد من هذا المقال الدفاع عن "حماس" وإنما الدفاع عن الحقيقة وتفنيد ذرائع العدوان الإسرائيلي. وتبقى الإشارة إلى درس التاريخ الذي يتجاهله قادة إسرائيل وحلفاؤها وهو أن جميع حروب التحرير من أجل الاستقلال والتخلص من الاحتلال الأجنبي والسيطرة الاستعمارية والعنصرية دائما أشبه بحرب بين النملة والفيل لأن القوة العسكرية والمادية التي يملكها المقاوم لا تعد شيئا مذكورا بالقياس للقوة الغاشمة التي يملكها المحتل والمستعمر ولكن الحرب تنتهي دائما بانتصار النملة, تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
إنشرها