Author

ويجادلونك في السينما

|
.. ليست السينما شيئاً جديداً على المجتمع السعودي، فما تقدمه الفضائياتُ، هي من أفلام السينما، وما يُنشر بالأشرطة، والأسطوانات المدمجة، وأجهزة الكمبيوتر، وفي النوادي المغلقة، هي أفلام سينمائية. بل إن كثيرا من الشركاتِ الكبرى، والمجمعات المكتبية، تملك صالاتٍ حقيقية للسينما يؤمّها جمهرةٌ من الناس.. فلا جديد. وأستغربُ المجادلةَ على دخول شيءٍ من عدمِه، وهو موجودٌ يملأ المكانَ.. آسف، ولكنه شيءٌ يدعو للضحك. والمنطقُ أنه يجب ألا نتجادل على شيءٍ موجودٍ، كطلوع الشمسِ في رائعةِ يومٍ صيفي، ولكن المنطق الصحيح يقول لنا، بما أنه موجودٌ وحاضرٌ ومنتشرٌ، فعلينا أن نهتم بكيفيةِ تهذيب أحراشِه ليبقى المفيدُ من النبات، ونجتثّ السامَّ منه من جذوره.. أما السينما فهي صناعةٌ رائعةٌ ومنتشرةٌ ومؤثرةٌ، وأقوى سلاح إعلاميٍّ في تاريخ الإعلام قاطبة. ونجومُ السينما، لا السياسيون، ولا المصلحون، هم الآن، الأكثر تأثيرا في المجتمع العالمي، وفي كل قضيةٍ من قضاياه، وأمضى وسيلةٍ دعائيةٍ من أجل الترويج لوطن من الأوطان. وإليكم إثباتٌ واحد من الإثباتات.. "زانج ييمو". ربما لم تسمع بهذا الاسم، فحتى عتاة محبِّي الأفلام قد لا يعرفونه، مع أنهم يعرفون أفلامَهُ التي أخرجها، إنه المخرج الصيني المدهش، الذي لوحدِه نقل وطنـَه الكبير من غياهِب الخرافة حولها، والصورة المشوشة عنها في العالم، لمنصة الشمس العالية، ووضع على جبينها شريطاً من ذهبٍ تموّج بفخار تحت لمعان الشمس، والتعبير ليس من عندي، ولكن ترجمة مقتبسة من تعبير الهوليوودي الأشهر، المخرجُ الأول في العالم.. ستيفن سبيلبرج. والسينما ليست فقط إثارة، وتهويلا، وخلاعة، بل هذا هو وجهُها الشائعُ القبيح الذي يجب أن يُحارَب ويكافح كما تكافح الآفاتُ، ونتوقاه كما نتوقى الأمراضَ السارية، ولكنها في وجهٍ مهمٍّ آخر هي قمة الإبداع العبقري البشري في الخيال والتقنية والتصوير والتعبير ونقل الأفكار، وخلق واقع بالكامل جديد ليبقى في أدمغةِ المتلقـِّين راسخاً، واضحاً كل الوضوح.. وهذا ما حققه "زانج ييمو" وحيدا لبلده العظيم، الذي أكلـَتْ سمعتُهُ ولاكته الشيوعية الحمراءُ الماوية، وشعترته من بعد الآلةَ الإعلامية الغربية لمآرب حقيقية، ومآرب نفعية.. ولكن لما انتفض المخرجُ السينمائي "زانج"، من حمأةِ أفلام أخرجها، بعضُها قمة في التخليق الإبداعي، وبعضها في مهاوي الإثارة، رغم الروعة، قام بنجدةِ بلاده في أحرج ظروفها، فقلب التاريخَ بيديه، أو قـُلْ بعقلِه، قـُلْ بمخيلتِه، قُلْ بمهارتِه السينمائية، فقدّمَ الصينَ كأنـْبـَهِ بلادٍ تقدّم مهرجاناً حضارياً من وحي المخيلةِ السنمائية، قأعاد صيغة بلادِه أمامَ الدنيا حضارياً وتاريخياً وأمَمياً وإبداعياً وتِقنياً.. وما قام به من تهيئةٍ احتفاليةٍ بمشهديةٍ سينمائيةٍ كان كـَفـْاْ ًلآنيةِ التاريخ من جانبها المليء، فرأي العالمُ الصينَ بحقيقتِها، أو كما أراد أن يراها العالمُ من وجهة نظر مخرج سينمائي محبٍّ لوطنِهِ ومخلصٍ لتراثِه العريق.. ونجح. رجلٌ وحيدٌ، بمخيلةٍ تطير، وبسينمائيةٍ بازغة.. وضع الصينَ في إطارٍ باهرٍ جديد أمام العالم، بخلفيةٍ من حريرٍ أحمر وذهبيٍّ براق ولمّاع.. وكان ذاك يوم افتتاح الألعابِ الأولمبية في الصين، وكلـّنا رأينا إبداعَ الاحتفال، وتفوقه، وحبْسه الأنفاس، حتى وصفه أكبرُ معهدٍ غربي متخصص في تقييم احتفالات الافتتاحات الكبرى بأنه: معجزة. والافتتاح كله كان يروي قصةً وحيدة: قصةُ الصين. هذا المخرجُ الصيني السينمائي أنقذ بلادَهُ كأكبر بطل في تاريخها، برأيي أقوى من ماو تسي تونج، وتشان كاي تشيك، وحتى من كونفوشيوس، لأنه قدمها حقيقة بلا خرافة، واقعاً بلا حِلمٍ طوباوي، دليلا دامغاً ملموساً مشهوداً أمام الجميع.. وبطولته أيضا، أنه الرجلُ الذي مدحَه "ستيفن سبيلبرج" في مجلة النيوزويك، وقال عنه لما رآه في نيويورك : " عرفتُ أن هذا الرجل سيكون صديقي..". وستيفن سبيلبرج، كانت الصينُ قد طلبت منه أن يُخرج احتفالات الألعاب الأولمبية، وفي وقتٍ حرجٍ قصير، انسحب من مهمتـِّه محتجـّا على موقف الصين من قضية "دارفور" السودانية، ووقعتْ الصينُ في أكبر مأزقٍ في تاريخها الحديثِ، كما قال وزير الرياضة الصيني.. ولم يقبل المهمة الإعجازية إلا ابنُ الصين المخلص، مخرجُها القوميُّ السينمائي، ولو لم يكن ذا مُخيـِّلةٍ ومهارة سينمائيتيْن لما تحقـَّقَ الإعجازُ.. وانطلقتْ الصينُ من كمين الإخفاق، إلى ذروةِ الآفاق . وبهرا العالمَ.. الصينُ، و"زانج". والمجادلة في وجود السينما أمرٌ لا يسنده لا الواقعُ ولا المنطق.. فالهواءُ موجودٌ، ولا نجادلُ حول وجودِه، ولكن المجادلة المنطقية هي: كيف نتخلص من فسادِ الهواء؟
إنشرها