الثورة الصناعية الصينية هائلة السرعة

الثورة الصناعية الصينية هائلة السرعة

الثورة الصناعية الصينية هائلة السرعة
الثورة الصناعية الصينية هائلة السرعة

كان ماوتسي تونغ على حق بصورة دائمة، دينغ هيسياوبنغ كان "مؤمناً بالرأسمالية". في مثل هذا اليوم، قبل 30 سنة أثناء الملتقى الثالث الجماعي ضمن المؤتمر الحادي عشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، انتزع دينغ السلطة من الحرس القديم الموالي لماو ووضع الصين على طريق إصلاحات السوق.
من الطبيعي أن التاريخ لا يكون بهذا الوضوح، إذ نشب الصراع والصراع المضاد الغاضب داخل الحزب الشيوعي منذ وفاة ماو قبل ذلك التاريخ بعامين. وتم إجبار دينغ على العمل في مصنع لإنتاج الجرارات الزراعية أثناء الثورة الثقافية، بسبب ميوله "اليمينية". وكان يؤمن منذ فترة طويلة بأن الأيديولوجية الجامدة والتدخل المتغطرس من جانب الدولة كانا يقودان الاقتصاد إلى طريق مسدود.
لكن هذه الأيام تعتبر من أفضل الأيام لمراجعة المسيرة. صين دينغ في أيامنا هذه مزيج من الرأسمالية، بوجود سيطرة من جانب الدولة مضى عليها 30 عاماً، أي أكثر بعام واحد من صين ماو التي ولدت عام 1949 بانتصار الجيش الأحمر، لتنجر بعد ذلك في جنون القفزة العظيمة إلى الأمام والثورة الثقافية. فما الذي جلبته هذه السنوات الـ 30 للصين والعالم؟ جلبت درجة من الرفاه الاقتصادي، دون أي شك. وبدأت الصين عام 1978 التعافي من عوامل تشتيت الانتباه الوحشية التي اتسمت بها السنوات الأخيرة من حياة ماو. وبسبب حجمها الهائل باتت الاقتصاد العاشر في العالم، غير أن حصة الفرد من الدخل السنوي كانت متدنية بصورة تبعث على الإشفاق، إذ بلغت 190 دولاراً، أي أنها كانت حسب تصنيف مكتب الإحصاءات القومية تحتل المرتبة 75 بعد المائة من حيث معدل الدخل السنوي للفرد. وعمل نمو ثابت قريب من 10 في المائة سنوياً، وهو مستمر منذ ثلاثة عقود، على رفع معدل الدخل الفردي السنوي إلى نحو 2500 دولار، وأعلى من ذلك بكثير في منطقة الساحل الشرقي المنتعشة اقتصادياً. وعلى الرغم من أن هذا المعدل السنوي لدخل الفرد مازال في المرتبة 132 عالمياً، فإن البلدان الأخرى لم تصمد في ترتيبها كذلك، إذ إن الاقتصاد الصيني أصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم، والثاني على أساس معادل القوة الشرائية.

#2#
وعلى صعيد التجارة تحركت الصين من المرتبة 27 إلى المرتبة الثالثة، وهي تتمتع بفائض تجاري مع الولايات المتحدة بأرقام أعلى بكثير مما كانت اليابان تتمتع به في أواخر الثمانينيات، حين رمز أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى ذلك بتحطيم مسجل صوت ياباني من إنتاج شركة توشيبا في احتجاج على التهديد الاقتصادي المتزايد من جانب طوكيو.
لقد أدت الثورة الصينية هائلة السرعة ـ التي وصفها جيمس كاينجي بأنها "اختصار لزمن التنمية" وذلك في كتابه المعنون "الصين تهز العالم" الذي يلتقط الأهمية التاريخية لهذا الارتفاع ـ إلى حدوث تحول في الاقتصاد العالمي. وتعتبر الاحتياطيات المالية الأجنبية للصين الأعلى في العالم، إذ تصل إلى ألفي مليار دولار، الأمر الذي وفر السيولة التي ساعدت على نفخ الفقاعة العالمية. وسمحت صادراتها من البضائع الرخيصة للعالم بأن يستهلك بأكثر مما اعتاد عليه. وفي جانب الطلب، أدت شهية الصين الهائلة للصلب، وخامات الحديد، والفحم، والنفط، والحبوب، والبذور الزيتية، وغير ذلك، إلى رفع الأسعار إلى مستويات عالية للغاية، إلى أن جاء تباطؤها الاقتصادي هذا العام ليساعد على انهيار أسعار هذه السلع والمواد بصورة سريعة.
لكن العملية التي حدثت بها هذه التغيرات المذهلة تعود إلى الصدفة والتجريب، بقدر ما تعود إلى التخطيط العظيم. وشبه دينغ نهجه غير الأيديولوجي، والتدريجي، بأنه "عبور للنهر مع تحسس حجارته بقدميك". وكان الكثير مما أطلق عليه إصلاحات السوق، ليس أكثر إلا بقليل من إفساح المجال في الغالب من خلال غض الطرف عما كان مواطنو الصين المؤسسون للمشروعات يقومون به بالفعل. وفي الشهر السابق لاستيلاء دينغ على السلطة توصل 21 مزارعاً من قرية هيسياوجانغ في إقليم أنهوي الشرقي إلى اتفاق سري لتقسيم أرضهم الجماعية إلى مزارع فردية. وكان ما قاموا به جريئا للغاية، حتى أنهم اتفقوا فيما بينهم على أن بعضهم يعيل أطفال بعضهم الآخر إذا ألقي القبض على عدد منهم. وبعد سنوات قليلة من ذلك تمكنت نحو 300 مليون أسرة في المناطق الريفية من تخصيص قطع أراض خاصة بها، في عملية تغلب عليها استعادة السيطرة على قطع أراضٍ كان أجدادهم يحملون صكوك ملكيتها لعدة أجيال.
حدث الشيء ذاته للصناعة، إذ استطاع من يطلق عليهم رأسماليو "القبعات الحمر" إنشاء شركات خاصة في ثوب المشروعات والشركات الحكومية. وجمع كثير منهم رأس المال من الأسرة، أو من البنوك السرية، وطالما أدت مثل هذه الحرية إلى توليد الثروات، ولم تتحد سلطة الحزب وكان دينغ على استعداد لترك مائة زهرة تتفتح.
اتخذ هو والزعماء الذين جاءوا بعده بعض القرارات من أعلى إلى أسفل، الأمر الذي ساعد على إطلاق الإمكانيات الاقتصادية للصين. وأنشأ عام 1980 المناطق الاقتصادية الخاصة، مثل شنزن، التي أصبحت مناطق جذب مغناطيسية لرأس المال الأجنبي والخبرة من تايوان وهونج كونج وغيرها من اقتصادات الأسواق الحرة التي كانت الصين تعمل على تقليدها. لكن إصلاحات أخرى سارت في الطريق الخاطئ. فحين حرر دينغ الأسعار عام 1988 حرّك ذلك معه تضخماً مرتفعاً كان على الأقل سبباً مباشراً لاحتجاجات ساحة تيانانمن.
إن الحزب الشيوعي أدخل 30 عاماً من النمو السلس والمذهل، حتى بوجود تلاعب إحصائي يحدث في بعض الأحيان. لكن ذلك يخص في الغالب التحرك المتخبط السريع، بينما يحرك الحزب هذه الرافعة أو تلك لإنتاج التقدم الاقتصادي الذي يعتمد عليه بقاؤه بصورة مطلقة. وتم تحت هذه السياسات التحولية تفاهم لا رجعة عنه "نمنحكم انتعاشاً متنامياً، إذا لم تتساءلوا حول حقنا في السلطة المطلقة". لكن مازال هناك تناقض ضمني بين فرض سيطرة سياسية دون أي استعداد للتنازل، وإطلاق العنان لإبداعية المشروعات.
لا يعني ذلك أن هذا الترتيب يتعرض إلى خطر فوري، أو حتى إلى خطر في الأجل المتوسط. وتقدم كل من سنغافورة واليابان الدليل على أن بإمكان الحزب الواحد الاحتفاظ بالسلطة، حتى دون ميزة القوة. لكن بالنسبة لكل التقدم الاقتصادي الصيني الباعث على الإعجاب، فإن ما تحقق خلال السنوات الـ 30 الماضية يعود في معظمه إلى الجمع بين السياسات والصراع لإحداث حالة من التوافق بين التناقضات. والمشكلة بالنسبة لتلمس الحجر الزلق، والتحرك نحو الحجر الثابت، هي أن هناك على الدوام خطر السقوط.

الأكثر قراءة