النمو المسؤول للقطاع يكمن في السلامة و ابتكار التصميم ومراعاة البيئة

النمو المسؤول للقطاع يكمن في السلامة و ابتكار التصميم ومراعاة البيئة

أكدت الدراسات والتقارير عزم حركة المطورين العقاريين على مستوى دول الخليج توجهها نحو الاستثمار في المشاريع العقارية الترفيهية، حيث تعتزم استثمار أكثر من تريليون ريال حتى عام 2015. وفي المقابل، أكد تقرير صادر عن شركة بنيان للاستثمار والتطوير أن أكثر من 500 مدينة ترفيهية تبلغ استثماراتها أكثر من خمسة مليارات ريال داخل المراكز التجارية المغلقة في السعودية سجلت حضور نحو خمسة ملايين زائر طوال أيام عيد الفطر. نمو يأخذ شكل الطفرة ويكاد هذا وحده يكفي ليكشف حجم الاستثمار في قطاع التطوير العقاري والإنشاءات، ومدى التوسع و الازدهار في أعماله في المملكة، التي خصصت ميزانية العام الماضي 2007 تبلغ 20 مليار ريال لمشاريع التنمية المختلفة لقطاعات تطوير المسجد الحرام و المشاعر المقدسة، إنشاء مبان مختلفة لقطاعات التعليم والصحة والبني التحتية للمدن الصناعية، إضافة إلى 14 مليار خصص جزء منها لصندوق التنمية العقارية الذي حرك عجلة قطاع الإنشاءات والعقارات والتطوير العقاري، حيث قفز به قفزات نوعية هائلة أشبة ما تكون بالطفرة. ولا شك فإن قطاعا بهذا الحجم من الاستثمارات، وبهذا الاتساع من محيط الأعمال، لابد أن يكون له دوره المهم في منظومة المسؤولية الاجتماعية، وله دور ومسؤوليات تجاه المجتمع والبيئة يتناسب ومدى اتساعه وانتشاره فيها. وإذا كان مؤشر التنافسية المسؤولة للشركات يشتمل في صيغته المتعارف عليها عالميا ومحليا على سبعة مسارات تشكل مجتمعة المعايير التي يقاس على أساسها السلوك المسؤول للشركات، ليتحدد بناء على ذلك موقعها التنافسي، فإن شركات قطاع التطوير العقاري والإنشاءات بلا شك تعد أكثرها التصاقا بهذه المعايير مجتمعة. الاستدامة في التطوير أن مفهوم الاستدامة لم يعد محل نقاش الآن، وإنما هو ضرورة حتمية، وخاصة في مجالات التطوير العقاري، حيث ينبغي على الشركات في هذا القطاع أن تتبني استراتيجيات تهدف إلى تكريس معايير جديدة في أسواق التطوير العقاري من خلال تركيزها على المفاهيم الخلاقة وتطوير مبان ومجمعات مستدامة، وبتطبيق أفضل الممارسات والمعايير العالمية، ولتحقيق إنجازات نوعية و باستخدام تقنيات متطورة. باختصار، فإن على شركات قطاع التطوير العقاري و الإنشاءات أن تتبني استراتيجيات استثمارية تعتمد مبادئ وقيما أخلاقية، تتسق ومسؤوليتها الاجتماعية. أن أكبر ما يشغل العالم الآن هو قضايا البيئة والطاقة، بعد أصبحتا تهددان ـ خصوصاً الأولى ـ الحياة على كوكب الأرض، ولا شك أن طريقة التعامل مع هاتين القضيتين ستسهم في تشكيل مستقبل العالم الذي نعيش فيه، ولذا يركز مؤشر التنافسية المسؤولية كثيرا على السلوك البيئي للشركات. وهذا ما يؤكد عليه الرئيس التنفيذي لشركة "إنجاز" قائلا : إن نمط العيش والطرق التي تستخدم فيها مصادر الطاقة والمساحات تؤثر بشكل مباشر، ليس فقط في حياتنا، وإنما في كوكب الأرض برمته. إننا نؤمن بقوة بهذا المبدأ، ومن هنا سنسعى إلى بناء وتطوير مشاريع لا تعبر فقط عن الجمالية الفنية والتميز والرقي، وإنما تسهم في تعزيز عمليات التنمية المستدامة على المدى البعيد. وبالطبع فإن المدخل إنما يكون بالتركيز على مفهوم الاستدامة في التعميم و الإنشاءات و التطوير. الكفاءة في فكرة التصميم أن مسؤولية شركة التطوير في الإنشاء والتصميم ليست مطالبة بوضع عوامل سلامة البيئة من حولها فلا تلحق بها الأضرار فحسب، بل هي مطالبة أيضا بتطبيق أقصى معايير سلامة واستدامة المباني والمجمعات، لتسهم كما قلنا في تعزيز عملية التنمية المستدامة، وذلك وفقا للمعايير العالمية، كما أن تحرص على استخدام تصاميم معمارية محلية تعكس القيم المحلية الأصيلة في عمليات التطوير العقاري دعما للثقافات والقيم الأصيلة، وخلق علاقة جدلية مع التراث و المكونات المحلية، وتفعيل الملكات الإبداعية لإقامة صلة بين التراث و المعاصرة. ويتمدد مبدأ معايير السلامة ليشمل مسؤولية الشركة تجاه العاملين في هذا المجال المحفوف بالمخاطر، والذي يعد من أكثر مجالات العمل خطورة، علما بأن النظم المحلية لم تغفل التشديد على الشركات في تحرى مسؤوليتها عن سلامة العاملين في قطاع الإنشاءات والتطوير العقاري. إلا أن إهمال هذه النظم والتوجيهات يتسبب في كثير من الحوادث المميتة بين العاملين، مثلما تتسبب معايير السلامة في إنشاء المباني في الكثير من الكوارث والانهيارات. وهكذا تصبح مسؤولية شركات هذا القطاع محورية وتتقاطع مع التنمية المستدامة من خلال إنتاجيتها المتمثلة في التصميم وطرق البناء والمواد المستخدمة، كما تتقاطع معها في مفهوم تركز عليه المسؤولية الاجتماعية للشركات كثيرا، وهو "الآثار عند الاستخدام"، فقد حان الوقت لأن ينتقل فكرنا إلى تأثير العمارة في البنية الاجتماعية وفي العلاقات الاجتماعية عند إنشاء وتصميم المباني ومستوى استدامتها. وأما عن الآثار للمبنى عند الاستخدام، فإن الإحصائيات العالمية أكدت أن أكثر من 40 في المائة من استهلاك الكهرباء يكون في المساكن، وفي الوقت نفسه تؤكد أن ما بين 40 و50 في المائة من التلوث يأتي من المساكن، لذا - وعودة إلى موضوع البيئة ـ فإن على الشركات وضع هذه الحقائق في حسبانها. كما أن الكفاءة في فكرة تصميم المباني وتطويرها تعني أن البناية يجب أن تكون سليمة وصحية في آن واحد. وعين على بيئة العمل وثمة مسار آخر غير ما ذكرنا فيما يختص بمسؤولية شركات قطاع التطوير العقاري والإنشاءات ويختص بمسؤولياتها تجاه توفير بيئة عمل سليمة داخلها. ويكتسب هذا المسار بين معايير مؤشر التنافسية المسؤولة أهميته هنا من واقع أن قطاع الإنشاءات في منطقة الخليج، وفي السعودية محور حديثنا هنا، ومن أكثر القطاعات اعتمادا على العمالة الوافدة. ومن هنا يستطيع هذا القطاع أن يلعب دورا محوريا في قضيتين، أحدهما وقد تحدثنا عنها في هذه الصفحة في مقالة منفصلة، وهى، الإسهام في إعداد كوادر وطنية عاملة تستطيع أن تنافس في سوق العمل في هذا القطاع عبر المبادرات التعليمية و التدريبية على غرار ما فعلت شركة "سعودي أوجيه". أما الجانب الآخر فيختص بمسؤولية الشركات عن تهيئة بيئة عمل في هذا القطاع وفق معايير العمل الدولية، ونظم العمل و العمال في المملكة. وكما ذكرنا سابقا فإن العمالة الوافدة في هذا القطاع تعد من أعلى النسب عالميا، ما جعل المنطقة محط الأنظار، وجعل أوضاع العمالة فيها بؤرة الاهتمام، وقد وجهت الكثير من الانتقادات من منظمة العمل الدولية، ومن هيئات وناشطين عالميين على أوضاع العمالة الأجنبية في المملكة. الأمر الذي ينبغي أن يحث الشركات على أخذ هذه الاحتجاجات والنظر إليها بجدية لأنه يسبب إحراجا للبلد، ولأن هذه الانتقادات ذات صلة بسمعة المملكة، كما تنال من سمعه الشركات و سمعة القطاع بأكمله. لذا ينبغي على شركات هذا القطاع ـ وهذا بالطبع ينطبق على القطاعات الأخرى ـ أن تراعي أقصى درجات الشفافية من حيث التزامها بتطبيق معايير حماية العمال والموظفين فيها، وأن تمارس أقصى مستويات الالتزام بحقوق وسلامه العمالة، وتوفير بيئة عمل سليمة لهم تسهم في عكس صورة إيجابية عن بيئة العمل في المملكة. وعلاوة على التأثير الإيجابي لهذا السلوك في سمعة الشركة والقطاع الذي تنتمي إليه، فإنه سيسهم إيجابيا في دعم تنافسية القطاع في المملكة وبذلك الإسهام في خلق بيئة استثمارية جيدة.
إنشرها

أضف تعليق