FINANCIAL TIMES

بعد عام .. الوجه المصرفي للشرق الأوسط ربما يكون مختلفاً

بعد عام .. الوجه المصرفي للشرق الأوسط ربما يكون مختلفاً

أخيرا عمليات الاندماج التي يجري الحديث عنها منذ مدة طويلة في القطاع المالي يمكن أن تجد بعض الزخم. طيلة الجزء الأكبر من عام 2008 كان بمقدور بنوك منطقة الشرق الأوسط أن تعتبر أنها في منأى عن ذيول الأزمة المالية العالمية الآخذة بالتكشف. لكن مع اقتراب نهاية العام، يحذر المصرفيون من أن الصناعة الإقليمية ربما تواجه جيشاناً تاريخياً. هذا العام ضمنت تخمة السيولة المتأتية من الإيرادات النفطية القياسية ومراهنات البنوك الدولية على إعادة تقييم العملات أن توسع معظم بنوك منطقة الشرق الأوسط سجلات قروضها بسرعة. ففي الشهور التسعة الأولى من العام، زادت أكبر 20 بنكاً محلياً مدرجاً في منطقة الخليج موجوداتها بنسبة 32 في المائة لتصبح 635.6 مليار دولار، وفقا لـ "الزاوية"، وهي مزود إقليمي للبيانات. وتدل الحسابات الأولية التي أجراها بنك مركز الاستثماري الكويتي على أن الشركات المالية في منطقة الخليج أفادت أن أرباحها نمت بنسبة 27 في المائة في الربع الثالث. ولم تعمل مجموعة إجراءات تخفيض قيمة الموجودات التي قامت بها البنوك البحرينية بشكل رئيسي، بسبب عدم الملاءة المالية في بادئ الأمر، إلا القليل لتنفيس تلك الحالة المزاجية، لكن مع برود درجات حرارة الصيف اللاهبة، تراجعت الآفاق المستقبلية لبنوك منطقة الشرق الأوسط. وبسبب انعزالها عن أسواق الدين العالمية وجفاف منابع السيولة المحلية في بلدانها، اضطرت هذه البنوك إلى اللجوء إلى حكوماتها. وفي ضوء هذا الوضع، يرى المحللون الآن أن عمليات الاندماج التي يجري الحديث عنها منذ مدة طويلة في القطاع المالي في المنطقة ربما تجد أخيراً بعض الزخم. ويتوقع المحللون قراءة كئيبة للربع الرابع. ومع الجمود الذي تشهده أسواق المال العالمية والمحلية، بدأ المحللون والمستثمرون يلحظون اتساع نسبة القروض إلى الودائع بالنسبة لبعض البيوتات الإقليمية. وكان تشرين الأول (أكتوبر) أحد أسوأ الشهور التي سجلتها البورصات الخليجية الواقعة إلى حد كبير تحت هيمنة الشركات المالية. وفقد مؤشر ستاندار آند بورز الاستهلاكي لمنطقة الخليج الآن نصف قيمته الرأسمالية هذا العام. ورغم أنها لا تعتمد على سوق أموال الجملة، كما تفعل معظم نظيراتها العالمية، فإن أسواق المال المحلية غير المتطورة تعني أنه لم يعد للبنوك الإقليمية إلا القليل من أرجل التمويل الأخرى لتقف عليها. يقول أحمد فريد العولقي، الرئيس التنفيذي لـ "إن بي سي كابيتال" NCB Capital، ذراع الاستثمار المصرفي للبنك الأهلي التجاري السعودي الذي يعتبر واحداً من أكبر المقرضين في المنطقة: "كل من يدعي أنه لم يتأثر، إما أنه عبقري، وإما لم يكن لاعباً حقيقياً". والمخاوف من أن العديد من البنوك بالغت في التوسع أجبرت عدة بلدان على تقديم الدعم للصناعة المصرفية. وأول البلدان التي تحركت على هذه الصعيد كانت الإمارات التي يوجد لديها واحد من أكثر القطاعات المصرفية عالمية، وبالتالي انكشافا للأزمة. فقد وفرت سلطاتها 120 مليار درهم (32.7 مليار دولار) للبنوك وضمنت جميع الودائع، كما ضمنت القروض التي تقدمها البنوك إلى بعضها بعضا. وقالت قطر إنها ستشتري حصة تراوح بين 10 و20 في المائة في بنوكها بهدف مساعدتها على الاستمرار في تمويل المشروعات في ذلك البلد الغني بالغاز، الأمر الذي يعني من الناحية الفعلية توسعة نطاق تصنيفها السيادي الذهبي إلى بنوك البلاد. وقدم بنك عُمان المركزي ملياري دولار للبنوك المحلية على أن تستخدم فقط في تمويل المشروعات المحلية، أو الوفاء بالتزامات القروض السابقة، أو سداد قروض العملات الأجنبية التي لا يمكن تأجيلها. لا بل السعودية التي تعتبر أكبر اقتصاد عربي وأكبر مزود للنفط في العالم، اتخذت خطوات لتخفيف وضع السيولة على بنوكها المحلية. وأودعت مؤسسة النقد العربي السعودي مبلغا يراوح بين 200 و300 مليون دولار في كل بنك من البنوك المحلية، وفقاً لوسائل الإعلام، وخفضت الاحتياطي الإلزامي من 13 في المائة إلى 10 في المائة، وحذت حذو الإمارات في ضمان كافة الودائع البنكية. ومن الأمور الأكثر إثارة أن بنك الخليج الكويتي واجه تدافعاً من الناس لسحب ودائعهم منه بعد أن كشف أنه خسر مبلغاً كبيراً في إحدى عمليات الاتجار بالمشتقات التي قام بها نيابة عن عميل رفض أن يغطي الخسارة. وتقدر البنوك المنافسة لبنك الخليج أن خسارته بلغت 800 مليون دولار، وهرعت وكالات التصنيف لتخفيض درجة تصنيف البنك وفحص أقسام إدارة المخاطر في جميع المؤسسات المالية. يقول أحد محللي التصنيف الائتماني: "من الواضح أن بنك الخليج لم يقدر المخاطر، والأمر مقلق بالنسبة لجميع البنوك الأخرى". واضطر هذا الأمر السلطات الكويتية إلى قديم 400 مليون دينار كويتي (1.5 مليار دولار) لإنقاذ البنك. ولضمان عدم انتشار الذعر بين الناس، حذت السلطات الكويتية حذو الإمارات والسعودية في ضمان جميع الودائع البنكية في تلك الدولة الصغيرة الغنية بالنفط. ويحذر محللون من إمكانية تعرض المنطقة إلى أزمة أخرى: ذلك أن أسعار العقارات حلقت في عنان السماء في السنوات الأخيرة مدفوعة بالعوامل السكانية (الديمغرافية) وفائض السيولة. ومع الأثر التدريجي الذي يحدثه نقص السيولة الآن في الاقتصادات الإقليمية، فقد تعاني بعض البلدان من حدوث أزمة في قطاع الإسكان. ويقول محلل التصنيفات: "لماذا لا نعتبر أن الصناعة تتأثر بالدورات الاقتصادية كما في أي مكان آخر في العالم؟ فالبنوك تقدم القروض إلى قطاع العقارات والإنشاءات وإلى شركات التطوير العقاري وتستثمر فيها. ولذلك البنوك ستعاني عندما يحدث انكماش في القطاع العقاري". لكن ما زالت هناك بعض الجيوب التي تقاوم آثار الشح الائتماني، خاصة في لبنان بفضل التحويلات التي يرسلها ملايين المغتربين اللبنانيين الموجودين في شتى أصقاع العالم إلى بلادهم، وكذلك في السعودية التي كان جل تركيز البنوك فيها على الأثرياء وعلى السوق المحلية غير المخترقة كثيراً. إلا أن المصرفيين يرون أن الوجه المصرفي لمنطقة الشرق الأوسط قد يكون مختلفاً إلى حد كبير في مثل هذا الوقت من العام المقبل. يقول ديكلان هيجارتي، أحد رؤساء قسم المصرفية العالمية في الشرق الأوسط في بنك إتش إس بي سي: "إنها دعوة إقليمية للصحيان. على البنوك المحلية أن تقرر وجهتها التالية. إنها لم تعد تستطيع المضي في طريق النمو". ويلاحظ هيجارتي أنه رغم سنوات من معدلات النمو المدفوع بالأموال النفطية، وأحياناً برعاية حكومية، فإن كل البنوك العربية مجتمعة لا تعادل واحداً من أكبر خمسة بنوك في العالم. وحتى الآن لم تعترف إلا الشركات غير المصرفية بأنها تجري محادثات للاندماج فيما بينها. فقد ذكرت مؤسسة تمويل الإسلامية للإقراض التي يوجد مقرها في دبي، وأملاك للتمويل، أخيرا أنهما تبحثان موضوع الاندماج فيما بينهما، وهي إشارة في رأي المحللين على الإعداد والتحضير للأوقات العصيبة التي ستشهدها السوق العقارية في دبي. لكن منطقة الشرق الأوسط تحفل بالشائعات التي تفيد بأن عمليات الاندماج والاستحواذ ستجد طريقها في نهاية المطاف، يدفعها إلى ذلك أحوال السوق المعاكسة والمساهمون العامون والخاصون الذين رأوا أن قيمتهم انخفضت. يقول ديفيد بروكتور، الرئيس التنفيذي لبنك الخليج في قطر: "كان الجميع يتحدثون طيلة السنوات القليلة الماضية عن الاندماج والتوسع الإقليمي، لكنهم وجدوا ذلك مستحيلاً لأن كل بنك، بغض النظر عن مدى جودة أو رداءة إدارته، كان يحقق ربحا". "لذلك، الاندماج الحقيقي سيأتي في وقت لا تعود فيه البنوك تحقق ربحا ويكون فيه حافزا للمساهمين كي يبيعوا حصصهم. وأستطيع أن أؤكد أن من المرجح أن تشهد منطقة الشرق الأوسط عمليات الاستحواذ والاندماج الآن".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES