Author

انتهى الدرس.. رسالة الأزمة للدول النامية!!

|
في حقيقة الأمر، لم تحظ العولمة الرأسمالية بإجماع عالمي طوال العقود الثلاثة الماضية، بل تنامت الاتجاهات المعارضة والمناهضة للعولمة الرأسمالية، ليس من داخل الدول الغلبانة النايمة أو النامية فالفارق ليس بكبير، وإنما من قلب الأقطاب الرأسمالية، ولنتذكر جولة سياتل في الولايات المتحدة، التي انهارت على يد مناهضي العولمة، فتقرر عقد الجولة التالية (2001م) في الدوحة! وهاهي الأيام والوقائع تثبت صدق حدث مناهضي بيع العالم حفنة من المتاجرين بأقواته وثرواته بل وبوجوده، سواء في شكل الشركات دولية النشاط التي استفحلت وتعاظم خطرها ولنأخذ أزمة المناخ العالمي ودور تلك الكيانات في تعميقها، أو المتسلقين والمنتفعين داخل كل مجتمع (الأثرياء الجدد).. فقط انهار البناء على رأس الجميع، وتركنا جميعاً في حالة من الفزع والهلع... ورغم أن الكوارث دائما تأتي من الغرب معقل الرأسمالية المتوحشة، فهم لا يزالوا يفكرون لنا ويتحدثون بألسنتنا وكأننا سفهاء أو قُصَر.. وكان أولى بهم أن يكفوا بعد أن فشلت تجربتهم فشلاً مدوياً، ولكن يبدو أننا سنبقى حقلاً خصباً لتجاربهم ووصفاتهم الفاشلة والمدمرة...ما لم نفيق من غفلتنا. السؤال هنا؛ ما الرسالة التي ينبغي أن نفهمها أو نتعلمها من تلك الأزمة؟ ما الذي ينبغي علينا فعله حيال تلك الأزمة؟ هل سنبقي نتسابق كدول نامية في بيع دولنا وثرواتنا وممتلكاتنا لحفنة من التجار تحت دعاوى التخصيص؟ فالتجربة لم تفلح في أقطاب العالم الرأسمالي، الذي يفترض فيه أنه ينعم بالشفافية والديمقراطية والحوكمة.. وغيرها من الاصطلاحات الرنانة؟؟ فما بالك بنا كدول تفتقر إلى كل تلك المقومات؟! أعتقد أن الإجابة واضحة لنا جميعاً، ولنراجع برامج التخصيص في دولنا وما أفضت إليه كي ندرك تلك الحقيقة المرة. وعليه، فإن هناك مجموعة من المسلمات التي تستحق من الدول النامية - ومنها دولنا العربية - وقفة صادقة وجادة تضع في مقدمة الاهتمامات مصلحة الوطن والأجيال القادمة، وفي مقدمة تلك المسلمات فشل النموذج الرأسمالي المعولم الداعي إلى الخروج الكامل للدولة، وترك العنان للقطاع الخاص، ويستدل على ذلك بالفشل الذريع لجولة الدوحة وكلنا يعلم هذا.. فهذا متغير مهم تناسيناه في ظلال الأزمة الراهنة.. ولكن ماذا يعني فشل جولة الدوحة بالنسبة لنا كدول نامية؟ إنها رسالة واضحة لنا بأن أفكار تحرير التجارة بشكل شبه كامل ما هي إلا خيالات ونسيج نسجه لنا الغرب لنرتديه...فهل شاركنا في صياغة الاتفاقات المنشئة لكيان كمنظمة التجارة؟ ماذا حصدنا كدول نامية بعد أكثر من عشر سنوات من تاريخ قيام منظمة التجارة الغربية؟ أعتقد أنني لست بحاجة إلى شرح الآثار لأننا جميعاً ندرك حجم المآسي التي حلت بالدول النامية على أثر حرية التجارة بوضع الأسد والفأر للمنافسة داخل قفص واحد؟! ادخلوا حواري وشوارع بلد كمصر وغيرها، لتدركوا حجم الكارثة...ففي بلد النيل والزراعة وصل سعر كيلو الأرز إلى خمسة جنيهات، وكذلك كيلو البصل.. إلخ!! فالمنتِج أمامه الآن من يدفع أكثر في الخارج.. فهل سيفكر في جاره الغلبان؟! إنه الربح يا غبي...إنها الرأسمالية المتوحشة يا أذكى الأذكياء. والآن وبعد أن توارى نجم منظمة بيع وتسويق الدول النامية (منظمة التجارة) للمستعمرين الجدد، حلت علينا كارثة رأسمالية جديدة لم يكن لنا فيها لا ناقة ولا جمل...ما ذنب المواطن المصري أو السعودي الغلبان في أن يدفع ضريبة خطأ وجبروت وفوضى المقامر الغربي والأمريكي؟! إنها الفوضى الخلاقة يا غبي؟! يطل علينا هؤلاء بأن السوق سيصحح نفسه بنفسه! مهما كان الثمن؟! إذاً، في اعتقادي أن أهم درس ينبغي أن نتعلمه من أخطاء الرأسمالية العالمية، هو أن الحرية شبه المطلقة لا يمكن أن تأتي بخير، وحال عالمنا على مدى عقدين هو خير شاهد، كما أننا ينبغي ألا نبقى إلى مالا نهاية مكتوفي الأيدي.. ولنأخذ الزاد من موقف كل من الهند والبرازيل خلال جولة الدوحة الأخيرة، لنبدأ رحلة جديدة نكون فيها فاعلين، لا أن نبقى مفعولاً بنا.. فإذا لم نتعلم الدرس من هذه الأزمة الطاحنة فمتى نتعلم الدرس؟! بل إنها الفرصة لنسجل موقفا، لا أن نبقى في لعب دور الكومبارس، أو أمينة، زوجة سي السيد في أفلام ومسلسلات نجيب محفوظ! فالأيام تثبت أن البضاعة التي حاول الغرب تسويقها وبيعها لنا (الحرية شبه المطلقة) هي بضاعة راكدة ومنتهية الصلاحية منذ أكثر من قرن... وأن علينا أن نفكر أكثر في المصلحة العامة قبل الخاصة. ليس معنى هذا أن نصادر الحرية أو الملكية الخاصة.. فالحرية والملكية الخاصة صفتان لصيقتان ومعبرتان عن الفطرة الإنسانية، كمان أن الإبداع والتطور صنوان للحرية، ولكن في الوقت نفسه، لابد من ضمان الدور الاجتماعي للمال والثروة، لابد أن تعيد الدول النامية النظر في اتفاقاتها التجارية خاصة مع كيان كمنظمة التجارة، التي أثبتت هي الأخرى (شأن صندوق النقد الدولي وغيره) أنها كيان نشأ لخدمة وتكريس المصالح الغربية، وإلا لما فشلت جولة الدوحة في إقناع الدول الغربية وأمريكا بتخفيف الدعم لمنتجيها والقيود التي تفرضها على صادرات الدول النامية هل من مجيب؟!. ولكن هيهات.. ففاقد الشيء لا يعطيه... وبناءً عليه، لم يتحسن حال المصريين بعد أكثر من عشر سنوات من تاريخ الانضمام لهذا الكيان المدمر.. ولن يتحسن.. والحكم ينطبق على باقي الدول النامية، ومؤشرات الفقر والتفاوت العالمي هي خير شاهد ومُعلِم لمن أراد أن يفهم. إن الخاسر الأكبر من الأزمة العالمية الراهنة هو الدول النامية الضعيفة وخاصة تلك المثقلة بالديون والتي تهاوت عملاتها أخيرا كمصر والبرازيل والمكسيك.. إلخ، فهذه الدول لديها مشكلات جذرية يتعذر حلها بشكل سريع، وتحد من قدرتها على التعامل الجدي مع الأزمة. أما الدول الكبرى فلديها القنوات المتعددة التي تمكنها من الاستجابة السريعة والتعامل مع الأزمة، إنها فوضى يدفع ثمنها دائماً الضعيف في هذا النظام العالمي غير العادل. آن الأوان لنتعلم ونعي الدرس جيداً، وإلا فلنتحمل كل ما يُفعل بنا ويحاك لنا ولشعوبنا... فالحرية والمنافسة إن لم تكونا بين ندين تصبحان فوضى، بل تضحية بالضعيف وتقديمه قرباناً للقوي، وهذه من المسلمات التي لا جدال فيها... فشعوبنا تستحق منا مواقف أكثر شجاعة وأكثر تعبيراً عن آمالهم وطموحاتهم، أي أن نصبح فاعلين لا أن نبقى مفعولاً بنا... حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ... فهل آن لنا أن نتعلم الدرس؟!
إنشرها